1- لماذا أيدت طلب التفويض؟ يحتاج كل إنسان سوىٍّ إلى وقفة مع النفس، يقوم فيها بين الحين والآخر بمراجعة مواقفه السابقة من أحداث مفصلية تمس أمن ومستقبل الوطن، لعله يجد فيها ما يستحق التصحيح أو حتى الاعتذار. ولأننا نمر هذه الأيام بالذكرى الثانية لدعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسى، حين كان وزيرًا للدفاع، شعب مصر للنزول إلى الشارع «لتفويضه بمواجهة الإرهاب المحتمل»، وهو حدث جلل لا تزال آثاره الإيجابية والسلبية تتفاعل حتى الآن، فقد خطر لى أن أعود إلى ما كتبت حول هذا الموضوع، بهدف عقد جلسة محاكمة ذاتية مفتوحة بمشاركة القراء.. فماذا وجدت؟ كان أول ما استوقف نظرى، عند مراجعتى هذه الكتابات، حماسى الشديد لدعوة وزير الدفاع ومطالبتى الجماهير بالتجاوب معها. ففى يوم 26/7، وهو نفس اليوم الذى خرجت فيه الجماهير للشارع، كان عنوان مقالى المنشور فى «المصرى اليوم» كما يلى: «هل سيتجاوب الشعب مع دعوة السيسى؟»، وتضمن فقرة تقول بالنص: «دعوة الشعب للخروج لها ما يبررها، فهناك جماعة سياسية قوية تحشد أنصارها فى الميادين منذ شهر كامل، ولا ترى فى ما حدث يوم 3 يوليو سوى انقلاب عسكرى أطاح برئيس منتخب، ولا تريد أن تعترف بأن هناك إرادة شعبية أكبر منها خرجت يوم 30 يونيو للتعبير عن رغبتها فى سحب الثقة من الدكتور مرسى، وللمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتصر على الاستمرار فى تنظيم مسيرات يومية والاعتصام فى بعض الميادين حتى عودة الرئيس المعزول إلى السلطة. ولأنها جماعة ذات طابع دينى، فهى تجمع بين القدرة على التعبئة والحشد بأعداد كبيرة وبين السيطرة التامة على عقول المحتشدين وراءها، ولا جدال فى أن استمرار التواجد المنفرد لهؤلاء المحتشدين من جماعة الإخوان فى الشوارع يحمل فى طياته مخاطر جمة على الصعيدين السياسى والأمنى. فعلى الصعيد السياسى: يسهل تصوير هذا المشهد على أنه يعبر عن رفض شعبى لخارطة طريق جديدة فرضت عنوة بانقلاب عسكرى، وعلى الصعيد الأمنى: تسهل استثارة هذه الحشود ودفعها لارتكاب أعمال عنف يمكن تسويقها باعتبارها نوعا من الجهاد فى سبيل الله. لذا يمكن القول إن دعوة الشعب للخروج تستهدف تحقيق أمرين، أحدهما سياسى: للتأكيد على أن خارطة الطريق الجديدة تحظى بدعم الأغلبية.. والآخر أمنى: بردع أى محاولة للتحريض على استخدام العنف من خلال تفويض شعبى...». ثم أضفت متسائلا ومجيبا: «لكن لماذا كان توجيه الدعوة من وزير الدفاع وليس من رئيس الدولة أمرا ضروريا؟ لعدة أسباب أهمها: 1- أن الرئيس الحالى للدولة مؤقت وليس منتخبا، وبالتالى فإن وضعه الفعلى لا يسمح له بالتصرف باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، حتى ولو كان وضعه القانونى يتيح له ذلك. 2- تسعى الجماعة جاهدة لترسيخ فكرة أن الشعب يواجه جيشا قام بانقلاب عسكرى، وبالتالى فإن توجيه الدعوة إلى الشعب مباشرة من القائد العام للجيش، المتهم شخصيا بتدبير هذا الانقلاب، يحمل معنى مهما جدا، وهو أن الجيش فى حالة تلاحم تام مع الشعب فى هذه اللحظة تحديدا، وأن الثقة كاملة بينهما. فدعوة الشعب للخروج إلى الشوارع تنطوى فى الوقت نفسه على مخاطرة كبرى، فى حال عدم التجاوب معها، خصوصا حين تكون موجهة من شخص متهم بتدبير انقلاب عسكرى. ولو لم يكن الفريق السيسى على ثقة تامة بأنه يعبر، فى هذه اللحظة، عن إرادة الشعب لما أقدم على توجيه هذه الدعوة. لذا أثق أن الشعب المصرى يدرك المغزى السياسى لدعوة يوجهها وزير دفاع للخروج إلى الميادين، ولذلك سيتجاوب معها بحماس منقطع النظير، كما أثق فى الوقت نفسه أن هذا الشعب العظيم لن يقبل عن الديمقراطية الكاملة بديلا، وسيقاوم أى محاولة للعودة بمصر إلى عصور الاستبداد». لكن هل كان هذا التأييد الحماسى بلا شروط أو تحفظات؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه فى المقال القادم.