حفنة بائسة لا يوجد فى قاموس اللغة وصفا مهذبا لحالتهم الضميرية والأخلاقية (دَعْك من حالتهم العقلية) يجاهدون ويعافرون الآن بوقاحة منقطعة النظير لإبراء حكم «جماعة الشر» من المسؤولية عن سلسلة جرائم علنية يشيب من هولها الولدان، ليس أبشعها استدعاء سياسة القمع الأعمى الجَمُوح من مقبرة الماضى الأليم وإنما غاصت فى أوحال الهمجية والخسة إلى حد جعل التعذيب الوحشى لضحايا الاعتقال والخطف العشوائى عملا روتينيا ممنهجا لا يستثنى شابا ولا كهلا أو طفلا، كما أمعنت فى الوسخ إلى درجة استباحة هتك أعراض (النساء والرجال) والسحل وإهدار الكرامة الإنسانية على أسفلت الشوارع وفى معسكرات الاعتقال، فضلا عن إطلاق فرق اغتيال منظمة صارت تستهدف بالقتل العمدى زهورا وورودا باثقة متألقة فى بستان الوطن (جيكا، والحسينى أبو ضيف، ومحمد الجندى، وعمرو سعد، وغيرهم). لقد ظن أكثر الطيبين أصحاب الضمائر الحية أن هذه الجرائم المتواترة الأخيرة التى أكملت لوحة الكوارث والفشل الذريع والإجرام الشامل، أسقطت تماما ونهائيا ما تبقى من أقنعة الزيف والتضليل والكذب (التعيسة أصلا) عن وجه «جماعة الشر» وتركته مفضوحا عاريا يصفع عيون الناس بحقيقة قبحه وتشوهه المخيف ومن ثم لم يعد هناك مجال ولا متسع للنصب والدجل، غير أن هؤلاء الطيبين روَّعهم وصدمهم أن قريحة النصابين الدجالين لا تنضب أبدا ولا تخلو من قدرة معجزة على اجتراح العُهْر الفاحش، فقد عافر وحزق بعضهم لكى يخفى نور الشمس الساطعة بيدية وراح ينفى حدوث هذه الجرائم من أصله (يا سبحان الله) وأسرف البعض الآخر فى الوضاعة والنذالة فرأيناه يُشهّر ويشتم ويلقى باللائمة على الضحايا (!!) بيد أن هناك قطيعا ثالثا توسَّل بنوع من التذاكى الغبى وحاول بكلام فارغ ونظريات خيبانة وتبريرات ساقطة وعبيطة (كلها منقولة حرفيا من مخلفات وزبالة عصر ما قبل الثورة) إزاحة العار والشنار بعيدا عن جبين حكم الجماعة و«ذراعها» الرئاسية!! والحق أن هذه السطور ليست معنية بدحض سفالات وترّهات وسفاهات ونصب قديم ومتهالك وخايب من نوع وصف جرائم متسلسلة وممهنجة بأنها مجرد «تجاوزات وأخطاء فردية» مقطوعة الصلة بتوجهات وسياسات وأوامر المتربعين على عرش السلطة، كما أن تحليل ورصد أنواع القطعان الناعقة بهذا العهر السافل (بعضهم مخبرون عابرون لكل العصور) أمر أظنه بغير قيمة عملية ولا ضرورة له لا سيما أن أغلب خلق الله يستطيعون بسهولة فرز وتمييز أصنافهم حسب الدوافع والمصالح. أما المشكلة، أو بالأحرى المعاناة النفسية القاسية التى أكابدها (وكثيرون غيرى) وأرهقَت روحى تماما ودفعتنى إلى الكتابة اليوم فى هذا الموضوع، ربما يجسدها سؤال مزدوج أعترف بأننى جاهدت واجتهدت بحثا له عن إجابة لكنى فشلت فشلا ذريعا: كيف لبشر مهما كان انحراف أخلاقهم وتشوُّه أرواحهم وعجز ضمائرهم أن يتحملوا ممارسة العهر والنصب فى جرائم مثل عجن إنسان وسحق كرامته وهتك ستر عورته علنًا فى الشارع؟ وكيف لكائن ينتسب إلى الإنسانية (ولو بالشكل فحسب) أن لا يردعه عن النفاق والانحطاط اختطاف أطفال أبرياء وسجنهم وتعذيبهم، بمن فيهم فتى صغير مريض بأشد أنواع السرطان قسوة وفتكا (الطفل المعتقل محمود عادل المصاب بسرطان العظام)؟ من أى مادة صُنعت قلوب هذه الكائنات؟ أم أنها مجرد مسوخ شائهة مشوهة محسوبة بالزور ومحشورة بالغصب فى زمرة البشر؟!