أصدر الصديق شريف عبد المجيد أكثر من كتاب عن فن «الجرافيتى»، أى فن الرسم والكتابة على الجدران فى الشوارع، وعلى عربات القطارات، وفى محطات المترو. وقد ظهر كتابه الأول تحت عنوان «أرض أرض»، وهو سجل فى غاية الأهمية، لأنه استطاع أن يصور آلاف الصور لهذه الكتابات، واللوحات الفنية المرتبطة بشكل مباشر بثورتنا العظيمة. ومعظم هذه الإبداعات الفنية، سواء رسوم أو كتابات تم مسحها، ولم يبق منها سوى ما سجله شريف بتوثيق فوتوغرافى جميل، وبمجهود شخصى نبيل، إذ لا يمكن أن يقوم بكل هذا الجهد سوى فنان موهوب يؤمن بقيمة الفن فى ذاته من جهة، ويؤمن بثورتنا الشعبية الأعظم من جهة أخرى. وثمة حقيقة مهمة مرتبطة بثورتنا النبيلة، لكنها تغيب عنا فى خضم الأحداث الجسام المتتابعة، وأقصد بذلك موجات الإبداع المتدفق لشعبنا العظيم، فكما أننا أبدعنا ثورتنا السلمية التى أبهرت العالم، كذلك ثمة ثورات أخرى على مستوى الإبداعات الأدبية والفنية، فثمة ثورة فى الشعر والقصة والرواية والمسرح والرسم والموسيقى وغيرها، وهذه الثورات الفنية والإبداعية ستتجلى بوضوح وقوة فى السنوات القادمة. يقول شريف: «الحيطان هى أول وسيلة بشرية سجل فيها الإنسان العادى أفراحه وأطراحه وأحلامه وأحزانه». أما الجرافيتى فهو فن من فنون الشارع، فن الطبقات المهمشة، وهو فن ثائر ومتمرد على طرق العرض التقليدية فى قاعات الفن التشكيلى، والغالبية العظمى من فنانى الجرافيتى يرفضون الشهرة، ويفضلون أن يظلوا غير معروفين، إذ لا يوقعون بأسمائهم على إبداعاتهم، وبعضهم يستخدم أسماء رمزية أو مستعارة، ومن ثم يقدمون رسالتهم الفنية بطريقة ثورية، فيها إنكار للذات، وإبراز للموضوع. وفن الجرافيتى يعد رمزا لثورتنا المجيدة، فهو جزء لا يتجزأ منها، يعبر عن شعاراتها، ويخلد بطولات شهدائها، ويرسم ملامح مصابيها، ولعل أول رسوم لهذا الفن ظهرت بقوة وتفاعل معها الناس، هى رسوم شارع محمد محمود، وأمام مقهى البورصة، وفى شارع سعد زغلول، وعبد المنعم رياض، والفلكى، حيث تركزت المعارك الكبرى، على مربع العمليات، وحيث انتصرت قوى الثورة على فرعون وجنوده، ومن ثم أصبح الشارع معرضا فنيا مفتوحا للناس جميعا، وتم التواصل بسرعة بين شعبنا الذواقة والفنانين الثوار، وتجلى حوار وجدانى بين الفن الثورى المعروض على قارعة الطريق، وجموع الناس العاشقة لتراب هذا الوطن. ولم يقتصر هذا الفن الثورى على وسط القاهرة، ولكنه امتد إلى الإسكندرية والسويس وبورسعيد والمنصورة والمحلة، ومحافظات أخرى كثيرة فى الوجه البحرى والقبلى. أما الكتاب الثانى لشريف عبد المجيد عن فن الجرافيتى، فكان بعنوان «الحرية جاية لا بد.. جرافيتى الأولتراس»، وفيه توثيق لهذا الفن الذى استخدمه شباب الأولتراس للتعريف بأنفسهم، وبمواقفهم المختلفة، كما أنه سلط الضوء على الدور الوطنى لمجموعات من الشباب، شاركت بدور مهم فى ثورتنا المجيدة. وثمة كتاب ثالث لشريف سيصدر قريبا عن هذا الفن الثورى، وكل هذا الجهد الدؤوب جدير بالتحية والتقدير، فهذه الكتب وغيرها توثق لنضال شعبنا الجميل، وثورته النبيلة