في تقرير بعنوان «اختبار أوباما الكبير في مصر: سيناء»، نشرته مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية، توقع إريك تراجر، خبير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، المتخصص في الشؤون المصرية، أن تزايد مشاكل مصر السياسية والاقتصادية، سيسبب كثيرا من الصداع السياسي لإدارة أوباما خلال السنوات الأربع القادمة. غير أنه على المدى القصير، يقول تراجر، فإن إدارة أوباما ينبغي عليها مواجهة مخاطر أكثر إلحاحا: هجوم إرهابي كبير في سيناء سيحفز/ يثير أزمة أمنية بين إسرائيل ومصر، قد تستخدمه جماعة الإخوان المسلمون الحاكمة ذريعة لخفض مستوى العلاقات المصرية-الإسرائيلية، وربما إلغاء اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية عام 1979 بالمرة.
ورأى تراجر أنه لمنع هذه النتيجة، يجب على واشنطن أن تضغط فورا على الرئيس المصري محمد مرسي لإقامة قنوات اتصال مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية لضمان أن يتم إدارة هذا النوع من الأزمات بمسؤولية. وأكد تريجر أن من شأن هجوم إرهابي ينطلق من سيناء من شأنه أن يعرض العلاقات المصرية-الإسرائيلية للخطر، ليس اقتراحا نظريا، ولكنه حتمي بالنظر إلى عدم استقرار سيناء الشديد؛ معللا ذلك بأن انهيار قوات الشرطة المصرية منذ ثورة يناير ضد مبارك، جعل الإقليم الصحراوي بمساحة 23 ألف ميل فراغا أمنيا، ملأته بسرعة المنظمات الإرهابية الجهادية، وربما منها تنظيم القاعدة.
وأوضح أن بعض هذه المنظمات لديها خلايا في كل من سيناء وقطاع غزة، وأصبح شمال سيناء ملاذا آمنا استطاعوا من خلاله شن 15 هجوما على خط أنابيب الغاز إلى إسرائيل والأردن خلال عامين. وفي الوقت نفسه، حاول الجهاديون مرارا استخدام سيناء كقاعدة لشن هجمات على إسرائيل، وذلك لهدف مزدوج؛ قتل الإسرائيليين وتحفيز مواجهة دبلوماسية بين إسرائيل ومصر. ويمضي تراجر بالقول محذرا من أن خطر هذا النوع من الهجمات الإرهابية التي تكرر نفسها لا يزال مرتفعا جدا، ولكنه يلفت إلى أن ظهور جماعة الإخوان المسلمون كحزب حاكم جديد في مصر يجعل إدارة هذا النوع من الأزمات أكثر تحديا. خلافا للمجلس العسكري السابق، ترفض جماعة الإخوان إقامة علاقات سياسية مع إسرائيل وأبدت مرارا عزمها أن تعدل من جانب واحد، إن لم تلغ، معاهدة السلام عام 1979. وأشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمون استخدمت هجمات سيناء ذرائعا للمطالبة بإنهاء العلاقات المصرية-الإسرائيلية، كما شاركت في مظاهرات ضد وجود اسرائيل الدبلوماسي داخل البلاد؛ علاوة على بيانات الجماعة الأخيرة المعادية، بما في ذلك دعوات المرشد الأعلى محمد بديع ل "الجهاد" "لاستعادة القدس" وإعلان المسئول بالجماعة عصام العريان أنه سيتم إبادة إسرائيل خلال عشر سنوات، وبالتالي يصبح من الصعب تصور الإخوان وهم يعملون لاحتواء الغضب في أعقاب حادث إرهابي أخر في سيناء تكون إسرائيل ضالعة فيه بشكل مباشرة.
ورأى أن الحد من احتمال وقوع مثل هذا الحادث يتطلب استراتيجية أمنية جديدة لمواجهة الجماعات الإرهابية في سيناء، فضلا عن استراتيجية اقتصادية لتطوير سيناء وتوفير فرص شرعية لسكانها. ولكن بالنظر إلى تصاعد مخاوف مصر السياسية والمالية، ربما تستغرق هذه الاستراتيجية سنوات لصياغتها -على حد قول تراجر- وبالتالي يصبح من الضروري إنشاء قنوات من خلالها يمكن أن تدار الأزمة المصرية الإسرائيلية المقبلة التي قد تحدث في أي لحظة. يجب تحديدا على إدارة أوباما التركيز على ضمان أن يفتح الرئيس مرسي اتصالات مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية، لأن غياب هذه القنوات سيؤدي إلى تعقيد الجهود الرامية إلى احتواء الأزمات المصرية-الإسرائيلية المستقبلية القادمة من سيناء، التي ستهدد الاستقرار الإقليمي وتضرر إلى أبعد حد قدرة حكومة مرسي على جذب الاستثمارات الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها. كما يجب أيضا على إدارة أوباما، يتابع المحلل الأمريكي، أن تقول لمرسي صراحة إن المساعدات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية هي استثمار في مصر التي تحافظ على علاقات سلمية مع جيرانها، ولذا فإنه يتعذر الدفاع عن الوضع الراهن؛ حيث تهدد أي شرارة في سيناء بتمزق العلاقات الدبلوماسية المصرية-الإسرائيلية. يمضي تراجر قائلا، وأخيرا يتعين على الإدارة أن تقترح أن التعاون بين إسرائيل ومصر في وقف تدفق الأسلحة بين سيناء وقطاع غزة، يمكن أن يمثل نقطة انطلاق للاتصال المباشر بين مرسي وإسرائيل، واشنطن ينبغي أن تقول لمرسي إن مشاركته في هذا الجهد ستكون اختبارا هاما عما إذا كان يضع الأولوية للمصالح الوطنية أو الأغراض الأيديولوجية. وفي ختام تقريره اعتبر الخبير المتخصص في الشؤون المصرية، أن الإصرار على أن الرئيس المصري المنتمي إلى الإخوان المسلمون يحافظ على قنوات مفتوحة مع الحكومة الإسرائيلية، من غير المرجح أن يخفف من أيديولوجيته المعادية لإسرائيل، تماما مثلما لم يغير تعاون "الولاياتالمتحدة" مع الإخوان المسلمون جذريا في نظرتهم المعادية للغرب. ولكن ربما تكون الإدارة قادرة على تغيير سلوك جماعة الإخوان المسلمون من خلال التأكيد على المخاطر المرتبطة بسياستها الحالية والتطبيق الصحيح لسياسة الثواب والعقاب. في الواقع، فعل ذلك هو ضرورة إذا كانت الإدارة تأمل في حماية السلام في المنطقة في حقبة ما بعد مبارك.