يمتلئ بمغارات ودروب لا يعرفها إلا البدو.. ويصعب على الأجهزة الأمنية اقتحامه.. وتغطي أرضه الألغام جبل حلال كان الوحيد المحرر في سيناء أيام الاحتلال والآن أصبح مرتعا للخارجين على القانون لم نر مدرعة جيش واحدة طوال طريق الرحلة وأهالي الجبل ينفون وجود الجيش في محيط الجبل من أساسه طول الجبل 60 كيلو مترا وعرضه بين خمسة وعشرة كيلو مترات اسمه وحده يثير الرعب هنا في سيناء، جبل الحلال، أو كما يطلق عليه أهل سيناء " جبل حلال"، اسمه هنا في سيناء مرادفا لتجار المخدرات والسلاح والبشر ومطاريد الجبل والجماعات المتطرفة والهاربين من أحكام قضائية، تلك هي شهرته التي يتمتع بها. ورغم أن التحذيرات جاءت فريق التحرير من أهالي سيناء أنفسهم بعدم الذهاب إلى الجبل لأنها مغامرة محفوفة بالمخاطر، ومجرد الاقتراب من الجبل يعني المخاطرة بالحياة، إلا أن التحرير قررت الذهاب إلى الجبل ومحاولة الوصول إلى دروبه الصعبة، للوقوف على حقيقة الأمر، وهل هناك قوات أمن موجودة بالفعل، سواء داخلية أو جيش في حملة لمداهمة أوكار الجبل أم أنها مجرد " شو إعلامي". الطريق إلى الجبل ليس باليسير، فالطريق وعر وطويل وشاق، كل الصفات المرهقة تنطبق عليه تماما، خاصة في ظل هذا الجو الشاق من الصيام. وبداية نتعرف أكثر على جبل حلال الذي يقع وسط سيناء، وهو من أكثر جبالها وعورة وخطورة، ويمتد في قلبها بطول يقترب من 60 كيلو مترا، وعرض يتراوح بين الخمسة والعشرة كيلو مترات، وبارتفاع يقترب من كيلو مترين، ويبدأ من طريق الإسماعيلية – العوجة في الشمال إلى الحسنة في الجنوب. وهو جبل صخري مرتفع، يلجأ إليه الخارجون على القانون نظرا لطبيعته الجغرافية الوعرة وكثرة الكهوف وأماكن الاختباء به، حيث يمتلئ بمغارات ومتاهات ودروب لا يعرفها إلا السكان من منطقة البدو، كما أنه من أصعب الأماكن على الأجهزة الأمنية لاقتحامها كما قال عدد من أهالي سيناء. جبل الحلال كان هو المنطقة الوحيدة في سيناء المحررة بعد نكسة 67 واحتلال الجيش الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء، ولم تستطع قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحام الجبل نظرا لطبيعته الصعبة، منه انطلق رجال الصاعقة المصريون أيام حرب الاستنزاف كشاهد على بطولاتهم، وانطلقوا من مغاراته ودروبه الوعرة وقاموا بعمليات ضد المحتل الإسرائيلي. "لا أحد هنا يستطيع الوصول للمطاريد" هكذا قال أحمد أبو دراع من قبيلة السواركة وأحد مرشدي التحرير في رحلة الجبل، أحمد يؤكد أن المطاريد وسكان الجبل هنا لا يؤمنون لأحد حتى لبدو سيناء أنفسهم، لذلك فلا يوجد أحد يستطيع التحدث معهم أو الوصول إليهم، لأنهم مختبئين داخل كهوف الجبل. وقبل أن نشرع في رحلتنا، نصحنا الجميع بضرورة وجود مرشدين معنا من البدو وبالأخص من قبيلتي الترابين أو التياهة، لذلك استعان فريق التحرير بمصطفى الأطرش من قبيلة الترابين، وأسد الترابين، وأحمد أبو دراع من قبيلة السواركة وغيرهم، ورافقتنا في الرحلة سيارتان للتأمين. خرجنا بالسيارات من مدينة الشيخ زويد باتجاه جبل حلال، ومررنا على مثلث الرعب كما تطلق عليه الأجهزة الأمنية " المهدية وشبانة والعجرة" وهو المثلث الذي كان يتواجد فيه الهاربون من أحكام قضائية كانت تصل إلى 160 عاما ويزيد، بحسب ما قاله " أسد الترابين". وعن القبائل التي تعيش هنا في الجبل، يقول أسد، القبيلتين الأساسيتين هنا في الجبل هما قبيلتي الترابين والتياهة، كما تسكن هنا قبائل الفوايدة والبريكات والعزازمة والقديرات . فيما يقول مصطفى الترابين للتحرير " الحملات الأمنية لم تكن تستطع دخول تلك المناطق إضافة إلى منطقة البرث، نظرا لدروبهم الوعرة". وعندما سألنا مصطفى عن سبب تسمية جبل الحلال بهذا الاسم، أشار لنا إلى أن الحلال اسم يطلق على الماعز والأغنام وهنا كان البدو يقومون برعي الغنم في سفح الجبل، نظرا لانتشار وكثرة العشب فيه. وصلنا إلى الجبل بعد رحلة امتدت أكثر من الساعة والنصف، قطعناها من مدينة الشيخ زويد شمال العريش، باتجاه جبل الحلال، وكانت عشش تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة هي المنتشرة يمينا ويسارا في طريقنا إلى الجبل، وبيوت بسيطة جدا، فلا مظهر حقيقي من مظاهر الحياة المدنية على طول الجبل. قرية أم شحان، كانت هي آخر قرية رأيناها قبل وصولنا إلى الجبل بما يقرب من 10 كيلو مترات، وهي آخر منطقة سكنية كانت تفصلنا عن جبل حلال. ها نحن وصلنا إلى الجبل، لم نر مدرعة جيش أو جندي واحد طوال الطريق، ترجلنا في سفح الجبل، ومشينا في ممراته، بل صعدنا على الجبل نفسه، لكننا في النهاية لم نر أي قوات أمن تدعي أنها تمشط جبل حلال في انتظار عملية تطهير واسعة له. يقول أحمد أبو دراع من قبيلة السواركة وأحد المرافقين في الرحلة " قبل الثورة كانت تقوم أجهزة الدولة بمطاردة المطلوبين أمنيا ولأن أمن الدولة في سيناء معاملته للبدو كانت أسوأ ما يكون في مصر، فكان المطاردين منها يضطرون إلى اللجوء"، أبو دراع أشار إلى أن جبل الحلال كان هو الملاذ الوحيد الآمن للفدائيين أيام حرب 67 وحرب الاستنزاف. كون أن تلتقي أحدا في الجبل فهذا أمر أشبه بالمستحيل، فلا هناك أحد يرد عليك أو يجاوبك سوى صدى صوتك، لكننا قبل التوغل في أغوار الجبل التقينا بالحاج " إبراهيم سليمان جمعة المليطي" من قبيلة الترابين والذي يعيش في جبل الحلال منذ مولده عام 1955، ويعيش في تجمع "أبو ينتول" بسفح الجبل، يقول إبراهيم للتحرير " أي واحد يقول إن جبل الحلال فيه إرهابيين ييجي ويشوف، الجبل مش موجود فيه إلا الترابين والتياهة وقبايل تانية، ولو احنا شوفنا حد غريب هنبلغ عنه المخابرات أول بأول" وردا على سؤال التحرير هل رأى أية مدرعات للجيش أو قوات تابعة له في محيط جبل الحلال رد الحاج إبراهيم قائلا " لم أر أية تجمعات للجيش في جبل الحلال" وأشار بيده على الجبل " انتي شايفة الجبل مفيهوش حاجة لا جيش ولا شرطة ولا إرهابيين، لا عسكري ولا مدني مفيش غير سكانه وهما منتشرين بطول الجبل". بعد ذلك تحركنا نحن والمرافقون باتجاه أغوار الجبل، وتوقفنا بين جبلين هما جبل الحلال لكن يوجد طريق يفرق بينهما، وقبل أن نصل هناك كان طفل صغير يرعى أغنامه هناك، نظر إلينا باستغراب، فنحن لسنا من أهل الجبل، ثم واصل سيره صامتا، لكنه كان يحكي مع أغنامه. في أغوار الجبل التقينا بالحاج سليمان سالم من سكان جبل الحلال، وهو من قبيلة التياهة، أحد القبائل الأساسية بالجبل سألناه عن عمليات التمشيط التي يقول الجيش أنه يقوم بها في جبل الحلال، فنفى سليمان صحة هذا الإدعاء، قائلا " الجيش مجاش هنا لأن مفيش متشردين ولو شوفنا متشردين أو حد غريب هنطلعه علطول أو هنبلغ أي جهاز قريب من هنا عشان يقبض عليه"، الحاج سالم يعيش في جبل الحلال منذ خمسين عاما ويزيد كما يقول، ولم يرى قوات هنا سوى القوات الدولية التي تقوم بزياة للجبل كل فترة نظرا لقربه من الحدود الإسرائيلية. وسألنا الحاج سالم هل يشعر بالأمان وهو يسكن هنا في جبل الحلال رد قائلا " الحمد لله احنا عايشين في أمان هنا ومش خايفين من حاجة". لكن إن كان سكان جبل الحلال يقولون أن الجبل الذي يسكنون فيه لا يوجد فيه مطاريد أو إرهابين أو غيره، فأهالي سيناء الذين يعيشون خارج محيط جبل الحلال يؤكدون لنا أن هذا الجبل وكرا للإرهابيين وتجار المخدرات والسلاح والخارجين على القانون، كما قال لنا الشيخ أسعد البيك زعيم الدعوة السلفية بشمال سيناء، الذي قال للتحرير أن الجبل مرتعا لكل الخارجين على القانون، لكنه على حد قوله لا يدري إن كان بالجبل جماعات جهادية مسلحة من عدمه. بعد ذلك شرعنا في التوغل أكثر داخل الجبل، لكن أحد سكان البدو نصحنا بعدم التوغل نظرا لوجود ألغام أرضية في الطريق، ووعورته، وفي النهاية اقتربت الشمس من المغيب فنصحنا المرافقون بضرورة العودة سريعا من حيث أتينا، كي لا يدخل علينا الظلام.