أى الموقفين تفضل.. موقف عمرو دياب من الثورة أم موقف محمد منير؟ يلوم الثوار وغيرهم على عمرو دياب كونه صمت ولم يُدلِ برأيه فى الثورة، بينما أرى موقفه -أو بالأحرى لا موقفه- هو قمة الاحترام لفنه وجمهوره، فيما أرى-على عكس كثيرين- أن أغنية «إزاى» التى ألقمنا بها محمد منير فى أثناء أيام الثورة المجيدة، كانت قمة فى الاستهانة بتاريخ منير كله، لا لأنها سيئة، ولا لكونها لا تعبر عن ثوار يقتنصون حقهم وكرامتهم دون تساؤلات من عينة «إزاى»، ولا لأن بها كلمات يا ليت من يحبون الأغنية يوضحون معناها لى أو يصححون خطأ سمعى لها مثل «أتمعشق اسمك».. هل سمعت الكلمة جيدا؟ وما معناها؟ أم أننى سمعتها خطأ، وأرغب فى التصحيح، وبالتالى فاللوم يقع علىّ لضعف سمعى؟ محمد منير الذى عرفته منذ نعومة أظفارى مطربا محرضا على حب مصر، ولد ألبومه الأول «علمونى عنيكى» يوم ولدت، فصار عشق صوته وغناه بمثابة واجب مقدس.. هذا مطرب لا يغنى لحبيبة عادية.. تخذله ويحبها.. يقاومها ويبعد عنها.. ينساها فتقتله قسوتها.. هو يغنى للوطن.. خذل كثيرين يوم ضنّ عليهم بكلمة تؤكد معانى كلمات أغنياته التى تردد صداها فى ميدان التحرير مدة 18 يوما متواصلة.. كان منير -وقتها- خارجا لتوه من عملية جراحية.. هل ألجمت العملية التى أجريت فى ظهره لسانه أيضا؟ كيف ترك من شحنهم كل هذه السنوات بأغنيات تحرض على حب الوطن وعلى الحرية دون كلمة منه تدفع عنهم بعض إحباطهم؟ كيف لمحمد منير أن يتصور أنه مجرد فنان كلمته مثل عدمها؟ فى وقت يحتاج الناس إلى غنائه، لكنهم كانوا يحتاجون إلى وقفته الإنسانية معهم أكثر.. كانوا يتوسلون إليه وقت ضعفهم، ليتشبثوا بقوته وبجمهوره وشعبه، فللفنانين شعوب تعشقهم وكم تؤثر مواقفهم وكلماتهم التى يلقونها هكذا بمنتهى الانتهازية، أو منتهى النزاهة فى مؤشرات الأحداث عموما.. وجد منير أن أغنياته كانت كافية لإثبات وقوفه إلى جوار الثورة، ثم قدم كليبا خائبا «مسلوقا» يشبه إعلانات المحمول لأغنية بلا طعم، مؤكدا التضامن، بينما كان العشم فيه أكبر من أغنية وكليب يستغلان صورا فوتوغرافية من ميدان التحرير.. كان العشم كبيرا فى مطرب تعلقنا به جميعا، حتى إن أملنا فيه صغر -كى لا نحرجه- فى تمنى البعض مجرد مداخلة هاتفية فى برنامج «توك شو» من تلك التى أمطرنا فيها أشباه الفنانين بهذيهم. فى نفس الوقت الذى أحبطنى فيه محمد منير، احترمت كثيرا عمرو دياب الذى لم يقل يوما إنه محرض على الثورة ضد الظلم، أو إنه مطرب صاحب رسالة، أو إن أغنياته للحبيبة بمثابة منشورات سياسية.. عمرو دياب اختفى ولم يتحدث.. هرب أو ظل فى مصر.. الرجل قال لنا من البداية.. أنا مجرد مطرب، وهذه ميزته وقيمته. نتمنى حقا أن يعرف الفنانون أن الفن فى حد ذاته قيمة عظيمة ورسالة مدهشة للعالم، وأن الكلام فى السياسة لن يعلى قيمتهم بقدر أكبر مما ستعلو به بما يقدمونه فى الفن، نتمنى أن يدركوا أن ما يقدمونه من فن هو الباقى فى تاريخهم، وأنهم ليسوا القادة فيه، بل إن هناك منتجا ومؤلفا وملحنا ومخرجا.. جميعهم يصنعون فنا يكون المطرب أو الممثل واجهته، وأضعف حلقاته الفكرية.. هذا بالضبط ما أدركه عمرو دياب فى الماضى والحاضر، وهذا هو ما لم يدركه محمد منير فى الماضى وفهمه وقت المحك، ولذلك حملناه أكثر مما يحتمل وقت الشدة، فليس كل الفنانين سواء، وليس كل الفنانين محمد منير الذى انتظر الناس كلمته وموقفه.. لا مجرد تساؤل فى صيغة أغنية بعنوان «إزاى». لا لوم على عمرو دياب لأنه تصرف بحسب الأصول وبحسب طبيعته.. مطرب لا يقحم نفسه فى ما لا يعرف، ولا يتورط فى ما يخشى.. اللوم كل اللوم على من جاءته فرصة أن يتخذ موقفا بعد كثير من الغناء وتصريحات التحريض السياسية اللائمة للجميع، فصمت وطرح على مصر التى أجابت، سؤالا قديما.