ما زال الرئيس المخلوع حسنى مبارك يراوغ ويلاوع.. وكأنه يحاول التشبث بالحكم حتى آخر نفس، أو كما قال من قبل إنه لن يترك السلطة ما دام القلب ينبض.. وهكذا وهو يدعى المرض على سرير طبى فى قفص المحكمة لاتهامه بالتحريض على قتل المتظاهرين فى أحداث ثورة 25 يناير العظيمة.. تلك الثورة التى خرجت عليه، وطالبت بإسقاطه.. ليسقط فى النهاية بعد معاناة طويلة مع عناده وتمسكه بوجوده فى القصر الرئاسى واستشهاد ألف مواطن وإصابة ما يقرب من 6 آلاف على يد قواته القمعية التى حاولت إجهاض الثورة.. لكن الشعب أصر حتى آخر نفس على إسقاطه. لقد أذل الناس طوال سنوات حكمه وأهانهم.. ليأتى اليوم الذى يُذل فيه ويُهان.. بعد أن رفض الخروج الآمن وأصر على الإمساك بالسلطة، بمساعدة عصابة من المقربين له كانوا يروجون له أنه الوحيد «بحكمته» القادر على حكم البلاد. أهان الشعب وأهان مكانة مصر بين الأمم.. وأصبحت الدولة المصرية دولة هشة ضعيفة. أصبح الفساد على يديه منتشرا فى كل أجهزة الدولة.. باع البلد لشلة وعصابة من رجال أعماله.. وتركهم ينهبون فى البلد كما يريدون. أهدر كرامة المواطنين، وأصبح التعذيب منهجيا فى سجونه.. أعدم المئات وسجن الآلاف، لأنهم عارضوا حكمه. لم يستطع أن يحكم إلا بقانون الطوارئ منذ أن تولى السلطة فى أكتوبر 1981، وحتى خلعه فى فبراير 2011.. ليترك لنا ميراثا سيئا من الطوارئ والقوانين الاستثنائية. أفسد الحياة السياسية، مستخدما موالسين ومنافقين وترزية قوانين، لتحقيق رغباته الشخصية. كان دنيئا، ويتقبل الهدايا هو وأفراد أسرته من موظفيه الذين كان يعينهم فى مؤسسات الدولة، ومن أجل أن يستمروا فى مواقعهم وينشروا الفساد فى تلك المؤسسات، ولا يسألون عما يفعلون. باع أملاك الوطن من شركات قطاع عام إلى رجال أعماله مقابل حفنة من السمسرة له ولعصابته ومنافقيه. باع حق الأجيال القادمة -وبتراب الفلوس- فى الغاز والبترول إلى أصدقائه الإسرائيليين. كما باع حقهم أيضا فى أراضى الدولة، ومن دون مقابل تقريبا لرجال أعماله. منح الحصانة للفاسدين والقتلة من أمثال ممدوح إسماعيل، صاحب عبارة الموت، ليتمكنوا فى النهاية من الهرب دون حساب. جعل ابنه جمال مبارك هو الأمر الناهى المسيطر على شؤون البلاد من دون أى منصب فى الدولة.. وكان يجهزه -بمساعدة أسرته وأفراد عصابته- لوراثة حكم البلاد. لم يتعلم من حركات التاريخ ومصير الطغاة والمستبدين.. لم يتعلم مما فعله الشعب التونسى فى ثورته العظيمة فى خلع زين العابدين بن على.. ليهرب من البلاد، بحثا عن ملاذ آمن، بل كان يناطح بأن مصر غير تونس، وأن مبارك غير بن على، وروّج لذلك أفراد عصابته ومنافقوه وموالسوه فى الإعلام وفى مؤسسات الدولة.. ليأتى اليوم الذى يكون مصيره فيه أسوأ من مصير بن على.. لم يدرك أبدا مطالب الشعب فى الحرية والكرامة والعزة، كان يراهم هو وأفراد عصابته أنهم عبيد، عليهم طاعة أوامره. ولم يدرك أن هناك ثورة عليه، خرجت يوم 25 يناير، تطالب بإسقاط النظام بعد أن بُح الصوت، وأُرهق الناس من المطالبة بالتغيير.. ليخرج هو ليقول «إما أنا أو الفوضى»! ومع هذا لم يستمع إليه أحد، ليسقط الشهداء فى ميادين مصر، وهم يطالبون بإسقاطه ورحيله. ويأتى هو الآن ليقول «إن الدستور لا يخوله كرئيس جمهورية أن يصدر قرارا بضرب المتظاهرين».. إنه يلتف كعادته.. ويكذب كعادته.. فهل يريد أن يقول إن قرار ضرب المتظاهرين لا بد أن يصدر ويدون على ورق رئاسة الجمهورية، ويختم بختم شعار الجمهورية.. وهل خوله القانون والدستور فى ما فعله خلال الثلاثين عاما من نهب وإهدار المال العام وبيع حصة الأجيال القادمة من الغاز وأراضى الدولة بتراب الفلوس. وهل خوله القانون والدستور فى تزوير الانتخابات؟ وهل خوله القانون والدستور ليهدى مصر لأسرته وعصابته.. ويجعل من ابنه وريثا محتملا!! أتذكرون ما ذكره فى الشريط المسجل، المنسوب إليه، الذى أذاعته قناة «العربية» قبل التحقيق معه، والذى يحاول أن يستدرر عطف الناس ببراءته هو وأولاده من أى فساد أو حسابات بالداخل أو الخارج.. ليبين كذبه فى التحقيقات معهم بعد ذلك.. يا راجل نقطنا بسكاتك..