لم يعد هناك سر.. فكل شىء مباح.. ومن ثم وجب على من يطلع بمنصب عام أو سياسى ويتصدى إلى الخدمة العامة أن يراعى عمله وضميره.. ومن ثم لم يعد هناك لف ودوران. فهناك وثائق تدقق وتكشف وتفضح.. وأيضًا هناك تسريبات حتى وإن كانت منتهكة للحريات الشخصية لمكالمات ومحادثات تليفونية كما أثير من جدل فى المجتمع المصرى خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ولعل ما نشر وينشر وسينشر من وثائق «ويكيليكس» الخاصة بالسعودية ستوضح وتفضح وتكشف كثيرًا من الأمور. ومن حيث المبدأ فهناك دائمًا اتصالات بين الدول.. وتكون السفارات جزءًا من هذه الاتصالات وتسجل كل شىء فى أوراقها ويتم الاحتفاظ بها فى أرشيف الدولة.. وهناك دول وضعت قوانين للاطلاع على هذه الوثائق، وهناك درجات سرية فى تلك المراسلات والوثائق. ولعل دراسات تاريخية وتوثيقا للأحداث قامت على تلك الوثائق، بل هناك من الباحثين والمؤرخين من ينتظر بشكل سنوى الإفراج عن تلك الوثائق خصوصا الأمريكية والبريطانية. وليس عيبًا أن تطلب دولة مساعدات من دولة أخرى أو تكون هناك مباحثات يسعى خلالها كل طرف للحصول على المنفعة.. وهو أمر طبيعى فى التعامل بين الدول. لكن العيب كل العيب أن يبحث أشخاص يستغلون وظائفهم فى الاتصال بدول أخرى يطلبون فيها خدمات خاصة، إلى درجة ادعاء أمور ليست لها علاقة بما يجرى، ولكن من أجل الحصول على المنفعة وهى فى الغالب مادية. فقد كشفت وثائق السعودية حجم الذين كانوا يحجون إلى مكتب السفير للحصول على خدمات وأموال بعضهم يستغل ما وصل إليه سياسيا أو إعلاميا أو حتى داخل العمل الحكومى. إنها فضيحة بكل المقاييس. لقد استغل البعض حالة السيولة السياسية التى كانت عليها البلاد بعد سقوط نظام مبارك الديكتاتورى المستبد، وفى وقت كان هناك ضعف شديد فى إدارة البلاد.. فذهب البعض إلى السفارة السعودية وهو ما كشفت عنه وثائق «ويكيليكس» (هناك من ذهب إلى سفارات أخرى) للاستقواء بها، ومعلنا بشكل واضح أنه سيعمل لخدمة السعودية، ومدعيا فى الوقت نفسه محاولة الاختراق الإيرانى للمجتمع المصرى وسعيه إلى تجنيد شخصيات سياسية وإعلامية والعمل على الترويج للمذهب الشيعى، وذلك من أجل أن يجد آذانا صاغية. كشفت تلك الوثائق عن مدى الضعف الذى وصلت إليه الحالة السياسية فى مصر -وبالطبع كان ذلك ميراث سنوات طوال من حكم نظام مبارك الذى أراد تأمين السياسة فى حزبه الفاسد والسعى لتوريث ابنه- فكان الجميع يسعى إلى السفارات ومن بينها السعودية. هكذا فعلت الإدارة الجديدة. وهكذا سعت جماعة الإخوان للوصول إلى السلطة. وهكذا سعت شخصيات سياسية وإعلامية للحصول على أموال، متأثرين بالمشهد اللبنانى الذى عاش كثيرًا على ذلك. إنها فضيحة كبرى.. وستظل وصمة فى جبينهم جميعًا. ولعل هذا يعود بنا مرة أخرى إلى أهمية الشفافية فى التعامل.. ولن يتم ذلك إلا من خلال دولة تعترف بالتعدد.. وبتطبيق الدستور والمحاسبة.