محافظ أسوان يكرم الحاصلين على المراكز الأولى بالدورات والبرامج التدريبية بسقارة    كل ما تريد معرفته عن صندوق إعانات الطوارئ للعمال    تراجع طفيف في أسعار الذهب مع تقلص التوقعات بخفض الفائدة في 2024    بايدن يلزم الصمت في مواجهة الحراك الطلابي الرافض للحرب على غزة    مسؤول أممي إعادة إعمار غزة يستغرق وقتًا طويلًا حتى 2040    إعلان عقوبات مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    تصفيات كأس العالم| فيفا يحدد مواعيد مباراتي منتخب مصر أمام بوركينا فاسو و غينيا    لتعريض حياة المواطنين للخطر.. القبض على شخصين لاستعراضهما بدراجتين ناريتين في القاهرة    "مشنقة داخل الغرفة".. ربة منزل تنهي حياتها في 15 مايو    الغربية تواصل حملاتها التفتيشية المفاجئة على الأسواق والمخابز والمطاعم    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    تعطل رحلات الطيران في مطار دبي من جديد بعد هطول أمطار غزيرة    "الفنون التشكيلية" يفتتح معرض "بنت مصرية" ل نادية قنديل بمتحف أحمد شوقى.. صور    كيف نحتفل بشم النسيم 2024؟    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    مؤتمر «مجمع اللغة العربية» يوصي بإضافة منهج ل أساسيات الذكاء الاصطناعي (تفاصيل)    تفاصيل موقف غريب جمع بين محمد رشدي وبليغ حمدي في بيروت وما علاقته ب «العندليب»؟    «اللهم يسر لي كل عسير واختر لي فإني لا أحسن التدبير».. أجمل دعاء يوم الجمعة    إطلاق المرحلة الثانية من مسابقة النوابغ للقرآن الكريم في جنوب سيناء 25 يوليو    تمديد استقبال تحويلات مبادرة "سيارات المصريين بالخارج".. المهندس خالد سعد يكشف التفاصيل    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    عاجل.. هيئة الرقابة المالية تقرر مد مدة تقديم القوائم المالية حتى نهاية مايو المقبل    الأوقاف تعلن افتتاح 19 مسجدًا.. غدًا الجمعة    محافظ شمال سيناء: رفح الجديدة صممت لاستيعاب 75 ألف نسمة «من الجيل الرابع» (تفاصيل)    الداخلية تضبط 12 ألف قضية تسول في شهر    أردوغان يعلق على التظاهرات الطلابية بالجامعات الأمريكية لدعم غزة    أول رد من الكرملين على اتهام أمريكي باستخدام «أسلحة كيميائية» في أوكرانيا    وزير البترول ينعى رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ    ميقاتي يحذر من تحول لبنان لبلد عبور من سوريا إلى أوروبا    منحة السفارة اليابانية MEXT لعام 2025 لطلاب الجامعات.. تعرف على التفاصيل    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    كاف يحدد موعد مباراتي مصر أمام بوركينا فاسو وغينيا في تصفيات كأس العالم    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    صحة الإسكندرية: فحص 1540 مريضًا في قافلة "حياة كريمة" ببرج العرب    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    الإمارات: مهرجان الشارقة القرائي للطفل يطلق مدينة للروبوتات    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار جزء من طريق سريع في الصين إلى 48 شخصا    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    إعلامي: الخطيب طلب من «بيبو» تغليظ عقوبة أفشة لإعادة الانضباط في الأهلي    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«شَقّ التعبان».. الموت في حضن الجبل
نشر في التحرير يوم 14 - 06 - 2015


تحقيق- ربيع السعدني وتصوير- أحمد رشدي
«شق التعبان» ربما يبدو الاسم غريبا أو مثيرا للرهبة والغموض، إنه مكان إنتاج الرخام الأول فى القاهرة، وأول ما يلفت انتباهك عندما تقترب منه هو حالة العشوائية والفوضى التى تسيطر على الطرق المليئة بالمطبات والحفر والأتربة، وسط غياب تام لأجهزة الأمن ووسائل السلامة والأمان داخل الورش والمصانع المتلاصقة.
منطقة «شق التعبان» تقع على بعد خمسة كيلومترات من محطة مترو «كوتسيكا» جنوب القاهرة على طريق الأوتوستراد بالقرب من سجن «طرة»، وهناك لا صوت يعلو فوق صوت العمل، رغم كل ما يفتقرون إليه من خدمات وما يعانونه من صعوبات وعراقيل، ربما تدفع غيرهم إلى العزوف عن العمل بشكل نهائى، إضافة إلى كمّ الإهمال الذى يلاقونه والإصابات والمضايقات التى يتعرضون لها بصورة يومية والمخاطر الجسيمة والأمراض المزمنة التى تواجههم خلال رحلة النشر والتقطيع والتصنيع للحجارة لإنتاج الرخام، لكن العمال يواجهون كل ذلك، وقرروا أن ينشئوا منطقة صناعية هى الثالثة على العالم فى إنتاج الرخام والجرانيت فى قلب الجبل.
مصانع وورش تواجه شبح الإغلاق
أكثر من 500 مصنع ونحو 1000 ورشة و2000 معرض داخل «شق التعبان»، التى تقع على مساحة 400 فدان فى قلب الجبل، وتحولت خلال ثلاثة عقود إلى أكبر ثالث منطقة صناعية على مستوى العالم فى إنتاج الرخام والجرانيت والحجارة بجميع أنواعها.
وتوفر أكثر من 400 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة للعاملين فى أعمال الجير والمحاجر والأعمال الإنشائية والتكميلية والرخام والجرانيت والنقل، بما يسهم فى إنتاج 75% من إجمالى الرخام فى مصر، باستثمارات تصل إلى 5 مليارات جنيه سنويا، حسب ما أوردته التقارير الرسمية.
عمال يصارعون الموت مقابل «الطرد»
من أقصى صعيد مصر جاء «على حجاج» بخطوات متسارعة إلى القاهرة، قاطعا كل هذه الكيلومترات الطويلة، بحثا عن فرصة عمل يقتات من ورائها وسبعة أفراد آخرون هم كل أسرته بعد أن ضاقت به السبل وتقطعت به الأحوال وأُغلقت أمامه الأبواب وملّ الجلوس بالبيت، منتظرا الوظيفة المناسبة التى تتوافق مع مؤهله الدراسى (خريج حقوق دفعة 2002)، وبعد عامين عمل فى أكثر من مهنة ووظيفة ينتقل من واحدة إلى أخرى ومن مصنع إلى شركة، ومنها إلى عامل متجول فى الشارع، حتى وجد نفسه فى نهاية المطاف أمام ماكينة «المونيفار» ل«نشر رخام» داخل إحدى المصانع الشهيرة فى منطقة «شق التعبان»، ليعمل حينا «مكنجى»، «نشّير» على ماكينة إيطالية الصنع ل«تقطيع الرخام»، ونشر البلوكات إلى طاولات وطرود، وفى كثير من الأحيان عامل على «ونش» أحباله تالفة ومهترئة، يقوم بتعتيق طاولات كبيرة من الرخام المقطع أو كتل حجرية تتجاوز المئتى طن، ويكون عرضة للإصابة فى أى لحظة يشاء فيها القدر أن تقطع تلك الأحبال البالية، مثلما حدث مع زميله «جمال حسن» الذى أصيب بقطع فى رجله اليمنى تسبب فى نزيف داخلى له تم بتر ساقه بسببه، وأصبح قعيدا فى بيته عاجزا عن الحركة، ولكن الله قدر ولطف هذه المرة، ربما لأنه مثل كثير من زملائه مغتربين عن أهلهم وأولادهم ومحل إقاماتهم فى أقصى الصعيد من أجل «لقمة العيش» التى يحصلون عليها بشق الأنفس، بلا ظهير أو حماية وتأمين على حياتهم، وكذلك دون راتب مادى مناسب يكفل لهم حياة كريمة وأسرهم، ويغنيهم عن العمل أو البحث عن وظيفة أخرى إضافية فى مكان آخر.
على حجاج، ذلك الشاب الثلاثينى الذى يقطع الطريق من الشق إلى بيته فى ساعة ونصف الساعة، ويعمل أكثر من 12 ساعة يوميا فى قلب الجبل منذ سنوات خمس، بلا كوب مياه نظيف أو أدنى رعاية واهتمام من قبل الدولة، لتوفر له وسائل السلامة المهنية والأمان التى يكفلها القانون للعاملين فى المناطق الصناعية، فأخذ يحدث باقى زملائه العاملين فى أحد مصانع الرخام والجرانيت الشهيرة بمنطقة شق التعبان عن أهمية المطالبة بحقوقهم وانتزاعها من صاحب المصنع، بعد سنوات طويلة من العمل بلا حماية أو تأمينات أو عقود عمل تربطهم بمكان «أكل عيشهم»، خصوصا بعد إصابة عدد من زملائه فى العمل بنزيف فى المخ وقطع فى أقدامهم دون تعويضهم أو استكمال علاجهم وعودتهم من جديد.
هنا علم صاحب العمل بما يفعله حجاج ويدعو العمال إليه، فأصدر أمرا فوريا بطرده من العمل و15 آخرين معه من جراء تعطيل العمل والدعوة إلى تظاهرات تعرقل سير العمل، حسبما يرى، وهى ذات المشكلات والأزمات التى يعانى منها معظم العاملين البالغ عددهم نحو 400 ألف عامل داخل ورش ومصانع شق التعبان على مدار السنوات الماضية، البعض منهم يتحمل ويتعايش وينسى فيصمت، حتى لا يكون عرضة للطرد والتشريد مثل على وزملائه، والبعض الآخر لا يقوى على ذلك فيغادر المنطقة بالكامل بحثا عن وظيفة أخرى عادلة تكفل له وأسرته حياة كريمة.
الأمراض تلاحق الجميع
منذ سنوات بدأ أصحاب المحاجر استغلال تلك المساحة الكبيرة من الأراضى الفضاء الواقعة على بعد كيلومترات من سجن طرة المعادى فى بناء مصانع وورش لصناعة الرخام، وليس الأعمال التحجيرية، كما هى طبيعة المكان الجبلية، فتغيرت ملامح تلك الأرض الجبلية، حتى تحولت إلى ما يشبه الثكنة الصناعية التى تقوم بإنتاج وتصنيع كل ما يتعلق بالرخام فى مصر، ولكن فى المقابل لم يجد أصحاب المصانع والورش والعاملون هناك من الدولة أدنى تقدير أو اهتمام يساعدهم على الاستمرار ومواصلة العمل والإنتاج، بداية من وعورة الطريق الضيق غير الممهد، الذى غالبا ما يتسبب فى حوادث كثيرة متكررة تعيق عمل عربات الإسعاف والسيارات الملاكى التى تقل المصابين من منطقة شق التعبان إلى أقرب المستشفيات المجاورة، التى تبعد نحو 15 كيلومترا عنها، وهو ما يؤدى إلى وفاة معظم الحالات المصابة بإصابات بالغة فى الطريق خلال عملية الإسعاف، مرورا بارتفاع أسعار الحجارة التى زادت 300 جنيه خلال الآونة الأخيرة على الطن الواحد، الذى تجاوز سعره ال1200 جنيه، الأمر الذى يدفع المستهلك إلى شراء السيراميك باعتباره الأرخص والأقل سعرا، ووقف حال أصحاب المصانع والورش داخل منطقة شق التعبان.
أزمة أخرى يعانى منها العاملون فى المنطقة، وهى عدم وجود محطة مياة صالحة للشرب بالمنطقة الصناعية، ومن ثم يضطرون إلى شراء المياه وتحميلها من منطقة البساتين بسعر 100 جنيه عن كل حمولة، بينما يتم توريد المياه المستخدمة فى عملية تصنيع الرخام بسعر 50 جنيها من مياه النيل فى منطقة «كوتسيكا»، بعد أن يتم توريدها للعاملين وأصحاب المصانع على أنها مياه صالحة للشرب، دون تنقية أو تحليل، فتسبب لهم عديدا من الأمراض المزمنة والنزلات المعوية والإصابة بحصوات الكلى والفشل الكلوى.
وكذلك تزايد حالات الإصابة ب«التينيا» والأمراض الجلدية فى ظل ارتفاع درجات الحرارة وغياب المياه الصالحة للنظافة والشرب، وعدم وجود شبكة صرف صحى للمخلفات، وغياب وسائل الأمن الصناعى والغذائى والرقابة على المطاعم وعربات المأكولات المنتشرة فى المكان بصورة عشوائية، مما يتسبب فى تهديد الصحة العامة للعاملين هناك، فضلا عن انتشار أمراض الصدر بين العاملين فى الشق، بسبب كميات الأتربة والغبار الناتج عن عمليات نشر وتقطيع الرخام.
الصينيون في «الشق»
فى المقابل، قامت الدولة بمنح كل الامتيازات لأصحاب المصانع الصينيين، الذين تجاوزت نسبتهم فى المنطقة 7% من إجمالى أصحاب المصانع، وينتجون نحو 70% من صناعة الرخام، ويهدرون أكثر من 80% من الأحجار خلال عملية الإنتاج والتصنيع، حسب روايات عدد من العاملين الذين التقتهم «التحرير»، بالإضافة إلى قيامهم بشراء بلوكات الخام بأسعار رخيصة من محاجر «أسوان والعريش والعين السخنة ورأس غارب والسويس» إلى مصانعهم، التى قاموا باستئجارها، أو بمعنى أدق تملكوها من مواطنين مصريين، عبر اتفاقية وقعوها مع وزير المالية الأسبق داخل منطقة شق التعبان للقيام بعمليات النشر والتقطيع والتلميع والتصنيع إلى منتج نهائى يصدرونه إلى بلادهم.
فى غفلة من الزمن والمسؤولين سكن الصينيون الجبل، وتصدروا قائمة منتجى ومصدرى الرخام، وعبر طريق جبلى طويل يوجد عدد من مصانعهم المنتشرة على كلى جانبيه، تبدو من الخارج أنها مختلفة عن باقى المصانع الأخرى الموجودة فى المكان، حيث تعلوها يافطات مكتوبة بعبارات صينية وأخرى مصرية وتتقدمها ناقلات «تريللات» محملة بالحجارة الجيرية الكبيرة، وعدد من بلوكات الرخام المتناثرة فى طرقات المدخل، لتغلق الطريق على كل من يتجول بالداخل فى وجود فنيين صينيين يضعون على رؤوسهم أغطية للرأس، ويتحركون باستمرار، وينتشرون فى المكان ولا يجلسون، وعدد آخر قليل من العمال المصريين الذين يشاركونهم فى بعض أعمال النقل و«العتالة» قبل مرحلة «النشر» و«التقطيع» والتصدير بعد ذلك إلى الصين.
يصل إجمالى المصانع التى استأجرها الصينيون داخل منطقة شق التعبان إلى نحو 30% و25% من الورش المنتشرة هناك، وهو ما يعنى أنهم يسيطرون على نحو 120 مصنعا لإنتاج الرخام و250 ورشة للتصنيع، الأمر الذى يهدد العمالة المصرية داخل المكان، حسب تصريحات محمد عارف، رئيس نقابة العاملين بالرخام والجرانيت التى تم تأسيسها قبل نهاية العام الماضى، فتم الاستغناء عن 300 عامل مصرى فى تلك المصانع واستبدال آخرين صينيين بهم، حتى تحول الجبل إلى ما يشبه مدينة شنغهاى، بالإضافة إلى أنه يوجد عدد كبير من العمال المصريين غير مؤمن عليهم، بينما يوجد 50 ألف عامل فقط تم التأمين عليهم.
كما يتم تصدير متر الرخام الصينى بسعر أقل 3 دولارات عن المصرى، فيسيطر على السوق، بعد أن تحكم فى المصانع والمحاجر وشركات الشحن.
العامل المصرى مش بيحب النظام
فى المقابل، يرى نادر حسن، أحد المشرفين على العمالة داخل مصنع البركة «الصينى» أن العمالة المصرية غير مدربة أو مؤهلة للتعامل مع صناعة الرخام وماكينات نشره وتقطيعه، وكثيرا ما يتسببون فى إحداث مشكلات كثيرة «حرق موتور، إهدار كميات هائلة من الرخام»، بالإضافة إلى أنه يطلب أجورا عالية برغم عدم كفاءته فى العمل أو انتظامه، بعكس الصينيين الذى يعملون بانتظام بمرتبات أقل وخبرة وكفاءة فى عدد من المصانع الخاصة بهم، مثل «اللواء، العباس، البركة»، ويمثلون نحو ثلث عدد العاملين فى شق التعبان، ورغم ذلك يعمل معهم عدد من العمال المصريين الذين يحترمون قواعد العمل.
إيوا ونج، أحد المهندسين الصينيين القائمين على مصنع البركة لإنتاج وتصدير الرخام، قال فى كلمات عربية «مكسرة» إنهم مستأجرون المصنع منذ عام 2010 لمدة 15 عاما لإنتاج الرخام، ولكنهم يتعرضون لأعمال سرقة بالإكراه من قبل البلطجية وقطاع الطرق لسرقة سياراتهم وأموالهم.
يختلف ونج الصينى مع ما يردده المصريون حول تهديدهم صناعة الرخام فى مصر، لأنهم -حسب تعبيره- يملكون قدرة إنتاجية أضعاف ما ينتجه العامل والفنى المصرى غير الملتزم بالتعليمات والنظام، قائلا: «العامل المصرى مش بيحب النظام، ومش بيلتزم إلا لو فلوسه خلصت»، ويصل إجمالى ما يتم تصديره يوميا 200 طن، وباقى (اللوت) وهو كسر الرخام الناتج عن عمليات النشر والتقطيع يتم بيعه محليا لورش الأوانى والخزف، حسب تعبيره.
أصحاب المحاجر مهدَّدون بالإفلاس
المهندس محمود الإمام، أحد مستثمرى المحاجر أوضح أن جهات سيادية تكلف صاحب المحجر فوق طاقته من حيث إلزامه بسداد رسوم المحجر البالغة 48 ألف جنيه، وتحصيل كشف نظر يتخطى 15 ألفا، وما لا يقل عن 10 آلاف جنيه رسوم كهرباء شهريا، بالإضافة إلى ما يطلق عليه حالة «البيروقراطية» فى الإجراءات خلال عملية التسجيل، الأمر الذى يجعله يتكلف ما لا يقل عن 2 مليون جنيه فى عمليات «الإنشاءات والتجهيزات التكميلية وشراء اللوادر والحفارات».
إتاوات ومصانع دون ترخيص
الوضع فى شق التعبان أشبه ما يكون بالحمل غير الشرعى، حيث إن معظم القائمين على تلك الصناعة يعملون دون تراخيص حكومية، ويضعون أيديهم على الأرض دون تقنين أوضاعهم، خصوصا بعد أن ضاقت أمامهم السبل فى محاولات الحصول على تلك التراخيص وقرارات بالتخصيص من قبل الجهات الرسمية، الأمر الذى كان يقابل دائما بالرفض والتأجيل عبر السنوات الماضية، ففى ظل وجود 1400 مصنع وورشة بالمنطقة، فإن عدد المرخص منهم لا يتجاوز ال200 مصنع وورشة، بما يمثل نحو 20% فقط من إجمالى المصانع هناك، فضلا عن غياب كل وسائل السلامة والأمان، وتعريض حياة العاملين للخطر.
زغلول مخيمر، صاحب مصنع الفراعنة لإنتاج الرخام، بدأ حديثه قائلا: «إحنا عاوزين نتعامل مع نظام الشباك الواحد بدل ال50 ألف جنيه اللى بتتعامل معانا، وتحصل منا رسوم وتفرض علينا إتاوات إجبارية»، موضحا أبرز الصعوبات التى تواجههم داخل منطقة شق التعبان خلال عملية نقل الأحجار من محاجر (الصعيد) البالغ عددها نحو 2750 محجرا، أبرزها محاجر (الشيخ فضل بالمنيا، كريستا والسماحة فى الجنوب، الغراندر والفليتو بسيناء)، التى يعانى العاملون فى تلك الصناعة من فرض (إتاوات) عليهم دون وجه حق تتعدى ال5% كحد أدنى على أى حمولة تمر على الطريق الصحراوى، ويفرض عليهم البدو الذين يحتلون الطرق الجبلية 350 جنيها تدخل فى جيب البلطجية منهم فى غياب الأمن، إما الدفع وإما قطع أسلاك الكهرباء والضغط العالى، التى تغذى ماكينات تقطيع الرخام فى شق التعبان، بالإضافة إلى تحصيل 100 جنيه رسوم الميزان، كما ترفع رسوم «الكارتة» على مرور السيارات، التى يتم تحصيلها من قبل الشركة الوطنية وتصل إلى 50 جنيها عن حمولة الطن الواحد، ولا توفر البنزين ولا توفر لهم الدولة وسائل نقل داخل المحجر.
العاصمة الإدارية الجديدة تهدد الصناعة
مجدى الناظر، صاحب مصنع للرخام والجرانيت، أوضح أن جهات سيادية سبق أن أغلقت محجرا لاستخراج «الهشمة»، خام «الجهاد للرخام»، ووقف تصنيعها قبل الثورة بعام، وهى تلك الخامة التى تدخل فى عمليات تشكيل وترميم الآثار الفرعونية القديمة والتراث الخاص بالعصر الفاطمى (الأمير طاز، الماس الحاجب، السيدة سكينة، سور مجرى العيون، محكى القلعة)، والخامات الخاصة بها لا تتوفر إلا هناك، حيث إن الحجر المستخرج منها صلب بلا أملاح أو نتوءات، فتم اللجوء إلى خامة أخرى بديلة عند الكيلو 80 على طريق الكريمات، وهى أردأ من خامة الجهاد التى يصعب إعادتها من جديد، كما تهدد «العاصمة الإدارية الجديدة» بقاء واستمرار الخامة الأخرى البديلة حال التنفيذ.
سكان زهراء المعادى يتضررون من أصحاب المصانع
وعلى صعيد آخر، تضرر عدد من سكان منطقة زهراء المعادى الواقعة أسفل جرف الجبل من قيام أصحاب الورش والمصانع بشق التعبان بإلقاء مخلفات التصنيع (بقايا نشر وتقطيع الرخام) المخلوطة بمياه التبريد، التى تكون سائلا لزجا يطلقون عليه اسم «سحالة»، وهى عبارة عن مياه «أبيار» يعاد تدويرها أكثر من مرة خلال عملية النشر وتتحول فى النهاية إلى مادة صلبة بعد تجفيفها، يستغلونها فى توسعة مساحة المصنع الخاص بهم على حساب الأهالى.
عمالة الأطفال منتشرة فى الورش
خلال تجولنا داخل مصانع وورش ومعارض شق التعبان لاحظنا وجود عدد كبير من الأطفال العاملين تحت سن الثانية عشرة، بعضهم يهرب من المدارس ويلجأ إلى هناك للعمل، والبعض الآخر ينضم إليهم بعد انتهاء العام الدراسى لمساعدة أهله، وهؤلاء تصل نسبتهم خلال فترات الدراسة إلى نحو 55% من إجمالى العاملين، بينما تتراجع قليلا فى الأيام العادية لتصل إلى 40%، وهو ما يتعارض مع ما جاء فى بنود اتفاقية حقوق الطفل التى صدقت مصر عليها خلال عام 1989، والتى تسمح بعمالة الأطفال فى سن 14 وحتى 18 سنة، وحظرت عملهم فى المحاجر، لأنها تشهد أعمالا ذات خطورة بالغة على حياتهم، وبالتالى فإنهم يتعرضون للأخطار والإصابات البالغة، التى تبدأ بأمراض الصدر وارتجاج فى المخ وحساسية الجلد «التينيا»، وهى مهنة وصفها أحدهم ويدعى علاء جمال، بأنها «مهنة الموت.. الغلطة فيها بموتة» ثم يتراجع قليلا قبل أن يضيف: «لكن هنعمل إيه بقى، مافيش شغلانة غيرها قدامنا».
المصانع مهدَّدة بالبيع
بداية القصة كما يرويها يحيى إبراهيم، صاحب محجر منذ 37 عاما، حينما قام بعض العاملين فى المحاجر بالحصول على قطعة أرض بور لتشوين الحجارة، أو ما يطلقون عليها «الدبش» بمنطقة شق التعبان، حتى نجحوا فى إقامة أول مصنع للرخام منذ عام 1985، وتوالى إنشاء مصانع الرخام بعد ذلك، حتى اكتسبت المنطقة شهرة عالمية ومحلية، وهو ما دفع محافظ القاهرة بعد ذلك إلى إصدار قرار رقم 223 لسنة 1997، الذى أجاز التصرف بالبيع لأراضى المنطقة لشاغليها، ومن ثم تمليكهم الأرض المقام عليها مصانع إنتاج الرخام، وانتقلت تبعيتها من إدارة المحاجر إلى إدارة الأملاك، حتى قامت المحافظة بعد ثلاثة أعوام بإصدار قرار آخر برقم 302 والخاص بتشكيل مجلس أمناء للمنطقة، وخلال عام 2001 أصدر المحافظ قرارا رقم 1568 باعتماد منطقة شق التعبان كمنطقة صناعية.
بعد ذلك قام مكتب خدمة المستثمرين التابع لمحافظة القاهرة، بعمل رفع مساحى للمساحات الخالية وتقسيمها وعرضها للبيع بنظام حق الانتفاع، بعد أن اكتشفوا وقوعها على حدود إحدى المحميات التابعة لوزارة البيئة.
وعلى الرغم من قيام بعض أصحاب المصانع بتقنين أوضاعهم مع الدولة والحصول على رخصة تشغيل وعقود تخصيص من قبل محافظة القاهرة، بعد سداد بعضهم ثمن المصنع بالكامل وتسديد آخرين ذلك على أقساط، فوجئوا بقيام المحافظة دون إخطارهم عبر مكتب خدمة المستثمرين باستبدال عقود إيجار بنظام «حق الانتفاع» لمدة 30 عاما بكل العقود التى تتيح لهم عملية تملك الأرض، وهذا ما دفعهم إلى وصفه بعملية السطو على صناعة الرخام التى لا يتقنون غيرها.
محافظ القاهرة: مشروع متكامل لتطوير «الشق» خلال 5 سنوات
الدكتور جلال مصطفى سعيد، محافظ القاهرة، أكد أن الدولة تقوم بدعم أصحاب المصانع المصريين والصينيين على حد سواء فى عدد من المجالات المختلفة، بداية من الاشتراك فى المعارض الخارجية واستيراد معدات النشر والتصنيع والتقطيع الجديدة لدعم الصادرات من الرخام، وتوفير ما يقرب من 75 ألف فرصة عمل فى المنطقة لشباب الخريجين، من خلال زيادة خطوط الإنتاج الجديدة وتقديم عديد من الامتيازات الأخرى للمستثمرين فى شق التعبان.
وعن انتشار عمالة الأطفال فى منطقة شق التعبان وغياب الخدمات والانتشار الصينى، قال محافظ القاهرة فى تصريحات خاصة ل«التحرير» إنه سيتم تحرير بلاغات ضد أصحاب الورش والمصانع ممن يعمل لديهم أطفال دون سن 18 عاما، وجار تنفيذ مشروع متكامل لتطوير المنطقة بالكامل، بحيث تتحول إلى أكبر منطقة صناعية فى مصر خلال 5 سنوات بدعم من القوات المسلحة، مؤكدا أن الدولة تشجع الاستثمار وتفتح المجال أمام جميع المستثمرين الصينيين، ما داموا احترموا الاتفاقيات والقوانين المصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.