ترتفع الأصوات بالشكوى من ارتفاع الأسعار، حيث تتزايد المعدلات بوتيرة غير مسبوقة لجميع السلع، ومن بينها سلع صناعية، مما يجعل المراقب لهذا الوضع حائرًا، حيث لا توجد أى مبررات لأن يزيد سعرها على الإطلاق، بينما هى تتزايد باستمرار ودون توقُّف، مثل المنظفات والصابون وحفاضات الأطفال وماكينات الحلاقة، وغيرها التى تبيع كميات يوميًّا بملايين العبوات، ومن المعروف أن المواد الكيماوية والخامات التى تستخدم فى صناعتها لا تتكلَّف فى المنتج إلا ثمنا بخسا. وقِسْ على هذا مئات الأصناف والأنواع، أما عن المواد الغذائية فحدِّث ولا حرج، وهنا يجب أن لا ننسى أننا أُمَّة من قرابة 90 مليونًا، أى أننا سوق هائلة فى دولة ينخفض فيها الدخل للغالبية، والذى لا يحقق الاكتفاء بالاحتياجات الأساسية، ورغم أن الدولة تعمل على خفض عجز الموازنة وتشجيع الاستثمار من خلال تقليل فجوة قيمة الدولار مقابل الجنيه المصرى فى السوق الرسمية والأسواق الموازية، فإن ارتفاع أسعار السلع والخدمات بصورة مبالغ فيها يهدّد أصحاب الدخل المحدود، وطبقًا لما أشارت إليه مصادر من تجار ومن الغرفة التجارية، فقد ارتفعت أسعار السلع فى أسواق التجزئة بنسب تتراوح من 15٪ إلى 35%، مع مخاوف من ارتفاعها بشكل أكبر إذا استمر الحال على ما هو عليه بلا ضابط ولا رابط. وفى تصريح سابق لرئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة، قال إن «أسعار السلع سواء المستوردة أو التى تدخل فى صناعتها خامات ومواد مستوردة سوف ترتفع بنسب قياسية تصل إلى 100% إذا استمر شحّ الدولار أو تباطأت تلبية احتياجات المستوردين منه»، وهى حجة مبالغ فيها مع الأخذ فى الاعتبار أن نسبة كبيرة من المستوردين يشترون بضائع أو مواد خام من درجة متدنية فى جودتها ويبيعونها فى السوق المصرية باعتبارها درجة أولى، كما أن هناك مستوردين آخرين يحضرون فواتير من المصدر الأجنبى تزيد فى قيمتها المالية على السعر الحقيقى الذى تم الشراء به، والمتضرر الوحيد فى هذه الألعاب القذرة هو المواطن المسكين المغلوب على أمره فى ظل غيبوبة أجهزة الدولة المختصة. وعندما ارتفعت أسعار الطماطم إلى ثمانية جنيهات هاجت وماجت وسائل الإعلام التى لا تجد مواد إثارة كافية تداعب بها المتلقّى، كأن الطماطم التى سماها المصريون «المجنونة» منذ قديم الأزل، لأنها من الخضراوات التى يرتفع سعرها فجأة إلى حد كبير فى التوقيت بين عروة وأخرى وتبعًا لفصول السنة، ثم تعاود الانخفاض، هى أساس ارتفاع الأسعار. والطريف أن بعض الإعلاميين الكبار يتساءلون فى برامجهم فى أسى: كم يتكلَّف الآن طبق السلطة؟ وقد غاب عنهم فى أبراجهم العالية أن نسبة ضخمة من المصريين تُعتبر السلطة بالنسبة إليهم كماليات، وربما عند بعضهم ترف، وهناك مَن يصرخون ويهللون فى صخب، لأن كيلو البامية يُباع بعشرين جنيهًا، وهذا شىء طبيعى فى بداية موسمها هى وكل الخضراوات الأخرى التى ما تلبث أن ينخفض سعرها عندما تدخل فى توقيت موسمها. الأسئلة الحقيقية التى يجب أن تُسأل ومسكوت عنها، هى على سبيل المثال: أليس من المبالغ فيه أن كثيرًا من محلات الفول والطعمية لا يوجد لديها بجنيه فول؟ وأقل كمية فول سادة يمكن أن تُباع بجنيهَين، نعم جنيهَين بالتمام والكمال، وللعلم أن هذه الكمية ذات الجنيهين لا تكفى سوى فردين فقط، أى أن الأسرة الفقيرة من خمسة أفراد تحتاج بخمسة جنيهات ونحو جنيهَى زيت، لأن ثمن الزجاجة أصبح 15 جنيهًا، أى أن إجمالى طبق الفول دون أصناف أخرى، سيتكلّف سبعة جنيهات، وهكذا أسعار المواد الغذائية ترتفع بمعدلات أكثر جنونًا من الطماطم التى ما تلبث أن تهدأ على عكس كل المواد الغذائية دون استثناء، والتى ترتفع أسعارها يومًا عن يوم، وحتى لا يكون هذا الكلام مجردًا وفى المطلق، ارجعوا إلى الأسعار من شهر أو شهرين فقط، وخذوا مثالًا لهذا: الشاى والسكر والملح والزيت والمكرونة والتونة والعسل الأسود والطحينة والحلاوة الطحينية والجبن بأنواعه واللحوم المصنعة، وطبعًا لا داعى للحديث عن الحلوى والبسكويت.. وهَلُمّ جرا. الحكومة غائبة وهناك الكثير من الحلول لضبط الأسعار، ولن تأتى إلا من أجهزة الدولة، لأن منظمات المجتمع المدنى فى مصر غائبة عن الدور الذى يمكن أن تؤدّيه لمواجهة الجشع والاحتكار عن طريق مقاطعة السلع وفضح التجار منعدمى الضمير. أما عن الدولة فيمكن أن تقوم بشراء المواد الغذائية عن طريق وزارة التموين واتحاد الصناعات، على أن لا يزيد هامش الربح على 10%، سواء للدولة أو المستورد من القطاع الخاص، ويتم بيعها فى المجمعات الاستهلاكية والمنافذ الأخرى المتاحة، على أن ينسحب هذا الأسلوب على السلع الضرورية، حيث لا يمكن واقعيًّا أن يتم هذا مع كل السلع. وهنا يجب التنويه إلى دراسة كاشفة أجراها مركز دعم واتخاذ القرار، أشارت إلى أن متوسط هامش الربح فى ما يخص المواد الغذائية تحديدًا يبلغ 4% فى كل بلاد الدنيا بما فيها البلدان الثرية أو ذات التوجه الرأسمالى المتوحِّش، بينما يرتفع هذا الهامش فى مصر المنهكة اقتصاديًّا -ويا للمفارقة المخزية والمؤلمة- إلى 28%!