هل خلع المحجبات للحجاب سيؤدى إلى حل مشكلات مصر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟ بالطبع لا، ولكن إذا حدث ذلك سوف يكون علامة على أن مصر قادرة على التغيير والتقدم إلى الأمام، لسبب بسيط، أن هناك نسبة كبيرة من المحجبات يفعلن هذا لضرورات اجتماعية، فهناك أسر تجبر بناتها على وضع الطرحة على الرأس، وهناك زوجات يفعلن هذا رضوخا للأزواج حتى لا تتفكك الأسرة ويتضرر الأبناء إذا ركبت المرأة ربة البيت دماغها وتخلصت من الحجاب فانتقم منها الرجل بالطلاق، وهناك نساء يعملن فى أماكن عمل غير حكومية تشترط فى العاملات الحجاب فيرتدينه اضطرارًا حفاظًا على أكل العيش، وهناك نساء يعشن فى مناطق ريفية أو أحياء فقيرة أو عشوائية تعتبر الحجاب مظهرا تفرضه الضرورة الاقتصادية والاجتماعية لأن العناية بالشعر تكون مكلفة بالنسبة إلى ميزانية الأسرة، كما أن الزى الخاص بالمرأة يكون فى هذه المناطق والأحياء ذا طابع نمطى، فالمسيحيات فى غير حضر الصعيد وأجزاء من بحرى يرتدين غطاء للرأس هو كالحجاب تماما لكنه ليس حجابا طبعا، والبعد الاجتماعى يظهر بين فئات لا يمارس الرجال والنساء فيها أيا من فروض الإسلام كافة، وهم غير منحرفين أخلاقيا لكن النساء يرتدين الطرح أو ربط الشعر بمنديل كشعيرة اجتماعية. إذن إن لم يكن خلع الحجاب سيحل مشكلات مصر فكيف يكون علامة ودلالة على أنها على الطريق الصحيح للنهوض والتغيير والتقدم؟ الإجابة بسيطة، ففى اليوم الذى يكف فيه الآباء أو الإخوة الذكور الكبار على إكراه البنات على شىء يمس الحرية الشخصية، وقتها سيكون المجتمع قد تغير فى الاتجاه الصحيح فى تنشئة البنات على حرية الرأى واتخاذ القرار، ويكون دافعها من داخلها بارتداء الحجاب أو رفضه، وبالتالى نصبح أمام جيل من البنات والشابات توفرت لهن القدرة على المساهمة المبدعة فى بناء الوطن، أما الزوجات اللائى يتعرضن لضغوط من الرجال لارتداء الحجاب أو عدم خلعه فكون أن هذا القمع الذكورى قد اختفى فهذا معناه أن الرجل صحح مفاهيمه نحو المرأة وبالتالى فإن هذا الرجل يكون قد بنى سلوكا سويا نحو الآخر بصفة عامة، وهذا مكسب مهم للعلاقات الإنسانية ومؤشر على الفهم الصحيح للسلطة. أما الزوجة التى تتخلى عن الحجاب رغم تعنت الزوج مما يضطرها إلى دفع ثمن فادح لذلك فهذا معناه أنها سيدة قوية صاحبة قرار نفضت عن كاهلها قهرا لا داعى له، وهذا نموذج يضيف إلى المجتمع فى الأداء والمهام والوظائف العامة وتنشئة أبناء أقوياء، وإذا تخلت الفقيرات عن الحجاب فهذا معناه أن تحسنا قد لحق بأوضاعهن الاقتصادية والمالية، وهذه دلالة على عافية الاقتصاد القومى وأن الفقراء وشريحة الطبقة المتوسطة الدنيا والوسطى أصابت حراكا ينعكس بالتالى على الصحة والتعليم والاحتياجات الأساسية لقطاع عريض يعانى فى المجتمع، بالطبع ليس خلع الحجاب فقط هو الذى سوف يدل على هذا لكنه سوف يكون أحد المؤشرات. الحجاب لا علاقة له بالفضيلة والسلوك القويم والشخصية السوية، فمصر من عقود طويلة لم تكن تعرف هذا الزى لدى جميع نسائها كبارا وصغارا وكانت النساء فى غاية الاحترام والرجال أيضا، ورغم أن الأزياء النسائية كانت كاشفة فإن مصر المليئة الآن بالمحجبات وبها أيضا منتقبات لم تكن تعانى بتاتا من كوارث إجرامية تتعرض لها المحجبات والمنتقبات من اغتصاب وتحرش جنسى بشع، وتوجد نسبة ليست قليلة على الإطلاق من المحجبات يجلسن على شاطئ النيل وفى الكافيهات والأماكن النائية الهادئة فى أحضان الشباب وبسهولة يمكن رؤيتهن يتبادلن معهم القبلات، وقلة منهن لا يتحرجن من شرب البيرة، وعندما يقبض بوليس الآداب على شبكات دعارة توجد بين العاهرات محجبات، والنساء اللائى يرتكبن جريمة القتل أغلبيتهم العظمى محجبات، والمرتشيات فى المصالح الحكومية محجبات، وقاتلات أطفالهن محجبات، وقاتلات أزواجهن من أجل العشيق محجبات، والمقبوض عليهن فى أغلب الجرائم من جنح وجنايات محجبات، وصور الجرائد والمجلات وبرامج الفضائيات خير شاهد على ذلك. ذكر هذه النقائص -وبعضها يصل إلى مرتبة الخزى والانحطاط والعار والدناءة والقبح والفحش- ليس الغرض منه النيل من الحجاب أو المحجبات وإنما التنبيه إلى أن الحجاب لم يكن رادعا عن الجريمة ولم يكن عاصما من الانحراف الأخلاقى، ومن المؤكد أنه أيضا لم يكن السبب فى هذا لأنه ببساطة شديدة تحول إلى زى اجتماعى لا علاقة له بالدين الذى يحض على مكارم الأخلاق من قريب أو بعيد، وكان الغرض من الدعوة إليه ذات هدف سياسى بحت من تنظيمات الإسلام السياسى لإظهار المجتمع وكأنه قابل لحكم الدولة الدينية، ومن المذهل أن المحجبات كن أول من نزل إلى الشارع فى 30 يونيو رفضا لفكرة الدولة الدينية المتنافية مع الروح المصرية. لقد كان الحجاب إحدى الأوراق المغلوطة عن الشخصية المصرية عندما قدمت للرئيس الأمريكى من عملاء الإخوان المسلمين صورا وفيديوهات لطالبات بعض المدارس الأزهرية وجميعهن بالحجاب لإعطائه ذريعة لمساندة الإخوان باعتبار أن المصريين راغبون فى هذا، لكن المصريين لفظوهم بسرعة فاقت كل التوقعات. ولنرَ ماذا ستفعل المصريات بالحجاب مستقبلا دون ضغط من أحد أو دعوة لمليونية.