وزير التعليم: شهادة البكالوريا الدولية IB تحظى بثقة كبيرة في مصر    ارتفاع سعر جرام الذهب صباح اليوم الأربعاء , عيار 21 يسجل 3180 جنيها    التنمية المحلية: برنامج مشروعك نفذ 211,7 ألف مشروع بقروض 28 مليار جنيه    رئيس جهاز القاهرة الجديدة يجتمع بسكان حى الأندلس بالتجمع الثالث لبحث مطالبهم    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    شكري يتوجه إلى طهران للمشاركة في مراسم العزاء الرسمي للرئيس الإيراني    جراحة ناجحة ل مرموش في اليد    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    جوميز: كنت قريبا من تدريب الأهلي.. وهذا شرط منافستنا على الدوري    خدمات مرورية.. تزامناً مع استكمال تنفيذ أعمال الصرف الصحى بمنطقة المعادى بالقاهرة    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 14693 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    للمرة الأولى منذ "طوفان الأقصى".. بن جفير يقتحم المسجد الأقصى    إقامة صلاة الجنازة على رئيسي وعبداللهيان في طهران    هيئة شئون الأسرى: قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا بالضفة الغربية    رئيس حزب الجيل: فخور بموقف مصر الحاسم تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    وزير المالية القطري يثمن دور مصر في دعم القضايا العربية    مهاب ياسر: لا يهمنا اسم منافسنا في السوبر الإفريقي.. وسنلعب من أجل الفوز فقط    توريد 208 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة    وزير العمل: لدينا عمالة ماهرة جاهزة لتصديرها للسوق الخارجية    عاجل.. رفض طعن سفاح الإسماعيلية وتأييد إعدامه    انتقال النيابة لمعاينة مسرح العثور على جثة عامل بمغسلة عين شمس    لمواليد برج القوس.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024    ختام فعاليات ملتقى «التمكين بالفن» بالمتحف القومي للحضارة.. اليوم    في محو أمنية .. مصطفى خاطر مؤلف روايات    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    لمدة يومين.. انطلاق قافلة طبية إلى منطقة أبوغليلة بمطروح    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    التكييف في الصيف.. كيف يمكن أن يكون وسيلة لإصابتك بأمراض الرئة والتنفس؟    لأول مرة .. انعقاد مجلس الحديث بمسجد الفتح بالزقازيق    طلاب جامعة الإسكندرية في أول ماراثون رياضي صيفي    قمة عربية فى ظروف استثنائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    هربا من الحر للموت.. دفن جثتى شابين ماتا غرقا بنهر النيل في الصف    رئيس مياه القناة: استخراج جذور الأشجار من مواسير قرية الأبطال وتطهير الشبكات    دار الإفتاء توضح أفضل دعاء للحر.. اللَّهُمَّ أَجِرْنِى مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ    صحة قنا: تطوير مركز الحضانات بمستشفي الصدر    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    استطلاع رأى 82% من المواطنين:استكمال التعليم الجامعى للفتيات أهم من زواجهن    سيدة «المغربلين»    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    طلاب الشهادة الإعدادية في الإسكندرية يؤدون امتحان الهندسة والحاسب الآلي    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    51 مباراة دون هزيمة.. ليفركوزن يسعى لمواصلة كتابة التاريخ في موسم استثنائي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    طريقة صنع السينابون بالقرفة.. نكهة المحلَّات ولذَّة الطعم    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    شاهد.. حمادة هلال ل إسلام سعد: «بطلت البدل وبقيت حلاق»    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    حدث بالفن | فنانة مشهورة تتعرض لحادث سير وتعليق فدوى مواهب على أزمة "الهوت شورت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوكار افتراضية للتعاطي.. والتعافي
نشر في التحرير يوم 02 - 05 - 2015


تحقيق - شيماء جلهوم ومنة حسام الدين وياسمين سعد:
«الإنترنت» الذى أصبح يُغنى عن «مشاوير» الشراء والتواصل مع الآخرين وربما العمل أيضًا، يقدّم فى أحدث خدماته، فرصة لرواده لتحقيق هدف الغياب عن العالم الواقعى من أمام أجهزة الكمبيوتر بأشكالها، سواء من خلال الشراء الإلكترونى للمخدرات، أو اللجوء إلى المخدرات «الرقمية»، أو حتى العلاج من الإدمان دون الحاجة إلى المكوث بالمصحة، بعيدًا عن الملاحقة الأمنية أو نظرات المجتمع.
غُرز أونلاين على شرف «ماما نجاح».. أهلاً بك فى كوكب «المصطِبْحِين»
«ماما نجاح» ليست نموذجًا لسيدة فاضلة أو مذيعة معروفة اكتسبت شهرتها من برامج تليفزيونية على غرار «ماما نجوى»، نسبة إلى نجوى إبراهيم، «ماما نجاح» هو اللقب الذى منحه مدمنو المخدرات للمعلمة نجاح معوض، وهى واحدة من أشهر تجار المخدرات فى القاهرة وصاحبة أكبر دولاب لبيع جميع أنواع المخدرات فى منطقة الجيارة. منذ عامين، وقبل إلقاء القبض على المعلمة نجاح معوض، دشَّنت إمبراطورة المخدرات فى الجيارة وعدد من صبيانها، صفحة رسمية لها على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» بعنوان «دولاب ماما نجاح لتجارة المخدرات»، لتكون مكانًا لتواصل مدمنى المخدرات ووسيلة لكسب المزيد من الزبائن بعيدًا عن ملاحقة رجال الأمن أو نظرات المواطنين.
فى العادة، يكون التستر خلف أسماء وهمية هو الحل الذى يلجأ إليه المدمنون لإخفاء هويتهم، لكن الغريب فى الأمر وما تمت ملاحظته على صفحة «ماما نجاح» على «فيسبوك» وغيرها من تجمعات المدمنين الافتراضية، مثل صفحة «مجتمع الحشاشين» هو ظهور زبائن «الكيف» بأسمائهم الحقيقية.
اللغة الدارجة بين متابعى «المعلمة نجاح» على صفحتها على «فيسبوك» لا تختلف عن اللغة التى يستخدمها مدمنو المخدرات فى حياتهم العادية، إذ نجد عبارات مثل: «لو عايز ترتاح روح عند نجاح»، و«صباح الاصطباحات من ماما نجاح»، و«صبّحينا ومسينا ومن الهم شيلينا».
وعلى رغم من إعلان الشرطة استنكارها لوجود صفحة خاصة بتاجرة مخدرات على «فيسبوك»، فإن الشرطة لم تحرّك ساكنًا لإغلاق الصفحة التى تحتوى على صور تظهر فيها أنواع الحشيش وطرق تعاطيه.
كانت المعلمة نجاح معوض، تداوم قبل إلقاء القبض عليها على نشر صور لما توفّره لزبائنها من أنواع الكيف المتعددة، كما أعطى مسؤولو الصفحة فرصة للمتابعين لنشر صور خاصة بأنواع الكيف التى يتناولونها وطريقة تعاطيهم للمخدرات، لإثارة حماس باقى المتابعين وتشجيع الزبائن على الشراء.
صفحة «دولاب نجاح لتجارة المخدرات» التى غابت عنها تدوينات ومنشورات «ماما نجاح» منذ اعتقالها ما زالت مفتوحة أمام زبائن المعلمة ومتناولى المخدرات، للتعبير عن ارتباطهم بالمعلمة وحبّهم للأنواع التى كانت تبيعها لهم، ولم يُقصِّر الزبائن فى الدعاء للمعلمة حتى يفك الله سجنها ويعيدها إليهم سريعًا.
من متابعى غُرزة «نجاح» الافتراضية، تجار مخدرات يحاولون كسب المزيد من الزبائن، فعدم سعى الشرطة لغلق تلك الصفحة شجَّع بعض العاملين فى تجارة المخدرات على الإعلان عن خدماتهم ومنتجاتهم، فكتب صاحب حساب إلكترونى على «فيسبوك» يحمل اسم «ديلر مخدرات فى هونج كونج»، مؤخرًا، تدوينة على صفحة «ماما نجاح»، يحاول من خلالها جذب متابعى صفحة المعلمة نجاح بالسؤال قائلًا: «اللى عايز حشيش أفغانى يجيلى».
«مجتمع الحشاشين» أيضًا من الصفحات الإلكترونية الشهيرة على موقع «فيسبوك»، التى تجمع عديدًا من مدمنى المخدرات فى مكان «غرزة» افتراضية لتبادل الآراء حول أنواع المخدرات، وتشجيع متابعى الصفحة على تجربة المخدرات بنشر الصور والفيديوهات.
صفحة «مجتمع الحشاشين» لم يتم نسبها إلى أى تاجر مخدرات، لكنها تضم عددًا من المتابعين أكبر من متابعى صفحة «ماما نجاح»، والتى توصلت إلى مكانها الشرطة المصرية، علمًا بأن القائمين على الصفحة قد عرّفوا أنفسهم، قائلين: «عارف الفرق إيه؟! همَّ بيوجعوا دماغهم علشان يريحوا جيوبهم.. واحنا بنوجع جيوبنا علشان نريح دماغنا.. أهلاً بيك فى كوكب المصطبحين».
على صفحة «مجتمع الحشاشين» يظهر الشباب المتابعون للصفحة بصورهم الحقيقة وأسماء حساباتهم الإلكترونية، غير عابئين بأى ملاحقات أمنية، على الرغم من أنهم يقومون بنشر الطرق المختلفة لتناول المخدرات وكأنهم فى حجرة مغلقة يجلسون فيها بمفردهم.
«زمالة المدنين المجهولين» تعالج الإدمان ب«الكتاب الأزرق»
الليل موعده المنتظر، يقترب بطيئا، لا يكاد يشعر بمرور الوقت، تقتله دقات الساعة، أمامه ساعات قليلة كى يصل إلى ما يريد، استعد جيدا منذ الصباح، فالنقود التى غادرت جيبه ليلة أمس لتستقر فى يد «الديلر»، مقابل «شمة هيروين»، لا بد لغيرها أن تسكن مكانها اليوم، سواء كانت من عمله الذى أهمله فلم يعد يدر عليه ربحا، أو نصبا على زبائنه كما اعتاد مؤخرا، 150 جنيها، المبلغ الذى سيمكنه من بلوغ نشوته، والاستمتاع بليلة بلا تفكير، وصباح منعش بلا شىء يعكره.
لم يعد ل«أ» سوى أصدقاء السوء ورفقاء السيجارة والحقنة، فقد تركته زوجته وابتعد عنه أقاربه، وفارقه أصدقاؤه إلا واحدا زاره بعد غياب طويل، ليؤجل عليه موعد «السطر»، السؤال عن الأخبار والأحوال، كان مقدمة ليسأل مباشرة «إنت لسه بتشم ولا إيه؟»، السؤال الذى باغت الرجل الأربعينى لم يكن يتوقعه من رفيق قديم فى سهرات المزاج «إنت بقالك فترة مش معانا كنت مختفى فين؟»، للحظة تبين «أ» علامات الصحة التى عادت إلى وجه صديقه بعد أن كانت غادرته لسنوات، يده التى فارقتها هزتها، ولسانه الذى عاد منطلقا بعد طول تلجلج: «طب ولما خفيت راجع عندى ليه تانى؟»، لم يتردد الصديق فى الإجابة: «جاى علشان أخدك تتعالج».
«متعافى»، اللقب الذى حازه «أ» بعد 90 يوما قضاها بعيدا عن المخدرات، كان بعيدا، لكنه لم يكن وحيدا، ابتعدت به السبل عن التفكير فيها، وابتعد به رفقاء «الزمالة» عن العودة إليها على مدار ثلاثة أشهر كاملة حتى تيقن الجميع من خروج المخدر من جسد «أ»، وعودته لحياته الطبيعية، فحان وقت الاحتفال والبحث عن عضو جديد «لرابطة المدمنين المجهولين».
«م. م» اختصار رابطة المدمنين المجهولين، الرابطة التى يعيش أفرادها فى سرية تامة، لا يعرف أحدهم عن الآخر سوى الاسم الأول من اسمه الكامل، وربما أحيانا اسما مغايرا، فى الرابطة يجتمع الكل حول هدف واحد، لا يفرق بينهم غنى أو فقر.
«كتاب أزرق» يحمل الاسم «زمالة المدمنين المجهولين»، لا يباع فى المكتبات، ولا يعرفه ناشرو الكتب، توزيعه يتم باليد، وداخل مراكز علاج الإدمان الخاصة بالرابطة، دائرة تحمل الشعار باللغة الإنجليزية، تحيطها أضلاع ثلاثة، بشكل يقارب شعار الماسونية، وداخل ضفتى الكتاب «القواعد الاثنتا عشرة للعلاج»، القواعد التى ترسخت فى الخمسينيات بأمريكا فى أول اجتماع تأسيسى للمجموعة فى عام 1953، حين ظهر «الكتاب الأبيض» فى عام 1962، الذى ظهر فى مصر منذ سنوات قليلة حاملا لونا أزرق، لتنتشر «زمالة المدمنين المجهولين» فى مصر عبر طرق أغلبها يتسم بالسرية، ليصل عدد أعضائها حتى الآن لأكثر من 20 ألف مدمن متعافى.
«هناك كتب كثيرة تتناول طبيعة الإدمان، لكن هذا الكتاب يهتم أساسا بطبيعة المتعافين، فلو كنت مدمنا وعثرت على هذا الكتاب نرجوك أن تمنح نفسك فرصة وأن تقرأه»، كلمات دونت خلف الكتاب حملت رسالته لكل من يجده «امنح نفسك الفرصة».
الكتاب الذى وصل إلى يد أحمد يحيى، كما حمل الإهداء إلى شريك الزمالة بتاريخ غاب عامه وبقى يومه وشهره «24/5»، لم يحمل من كلمات سوى الشكر «شكرا يا شريكى على اهتمامك وتقديرك»، الكتاب الذى تلقفه عدد لا محدود من الأيدى، وحفظته عن ظهر قلب أرواح هامت كثيرا بحثا عن نقطة ضوء تهديها.
اثنتا عشرة خطوة، يرصدها الكتاب الأزرق، للخروج من دائرة الإدمان إلى التعافى التام، خطوات تتسم فى معظمها بروحانية مؤثرة، مبادئ تتقاطع مع الديانات السماوية، بينما يؤكد الكتاب أنه لا يخضع لأى مؤسسة دينية. داخل مركز لعلاج الإدمان، جلسوا ثلاثتهم، ورابعهم كتابهم، الذى لم يفارق يدهم منذ أن وطأت أقدامهم أرض مركز التعافى بالمقطم، «منيفى، وجمال، وباهى»، الخطوات الاثنتا عشرة، كاد معظمهم ينتهى منها، سؤالهم الأول حين اللقاء: «بقيت فى الخطوة الكام؟»، يجيب باهى سريعا «ما زال فى الثامنة»، بينما يؤكد جمال أنه ما زال يقوم بدوره فى الخطوة الأخيرة التى تتطلب نقل الرسالة إلى آخرين. الخطوات التى يلخصها الكتاب لخروج المدمن من دائرة الإدمان وصولا إلى التعافى، تبدأ بالاعتراف بوجود الإدمان، كخطوة أولى «اعترفنا أننا بلا قوة تجاه إدماننا، وأن حياتنا أصبحت غير قابلة للإدارة»، كى يصل إلى الخطوة الثانية وهى «الإيمان بأن هناك قوة عظمى داخلنا باستطاعتها أن تعيدنا للصواب»، وجود القوة العظمى التى يتعمق وجودها بمقدار الإيمان بها يلخص الخطوة الثالثة: «اتخذنا قرارا بتوكيل إرادتنا وحياتنا لعناية الله على قدر فهمنا»، التوكل على الله هو البداية التى ستسير عليها جميع الخطوات بعد ذلك، كما توضح الخطوة الخامسة: «قمنا بعمل جرد أخلاقى متفحص وبلا خوف لأنفسنا»، الاعتراف بالخطأ لله يعتبره البعض غير ضرورى، فالله يعلم السر وما يخفى، لكن الاعتراف المنطوق هو فى العادة قوة أخرى تفيد المدمن للخروج من آثامه، خصوصا إن كان البوح لله ولشخص آخر كما توضح الخطوة الخامسة «اعترافنا لله ولأنفسنا ولشخص آخر بطبيعة أخطائنا الحقيقية»، البوح هو الشىء الوحيد الذى يعين المدمن على التخلص من آثامه وخطاياه، كما يؤكد الكتاب الأزرق وتوضح خطوته السادسة: «الاعتراف بالعيوب الشخصية من غرور وتمرد ومكابرة وغطرسة».
«الخطأ وارد فى سياق الإصلاح، لكنه لن يوقف المسيرة، فمن كان بلا خطيئة فليرم المدمن بحجر»، هكذا تتلخص الخطوة العاشرة، يقول المتعافون الثلاثة: «واصلنا عمل الجرد الشخصى لأنفسنا وعندما أخطأنا اعترفنا بذلك فورا». العلاقة بالله هى الرابط الأقوى فى دعم المدمن طوال فترة العلاج، لذا تحرص الخطوة الحادية عشرة على استمرار الدعاء والتأمل وتحسين الصلة بالله على قدر فهم المدمن، داعيا فقط أن «يمنحنا لمعرفة مشيئته لنا والقوة على تنفيذها».
ثم تأتى الخطوة الأخيرة فى النهاية، التى يشعر فيها المدمن بعودته إلى حياته الطبيعية و«صحوة روحية»، تتبعها رغبة عارمة فى دعم غيره من المدمنين، لتوصيل رسالة الزمالة إليهم، وممارسة هذه المبادئ فى جميع شؤونهم.
الانتكاسة حقيقة معرض لها من لا يلتزم بتعليمات الكتاب، هذا ما أثبتته التجارب، فعدم الالتزام بالبرنامج اليومى المحدد للصلوات والدعاء والبوح للآخر قد يعرض صاحبه لانتكاسة، ربما تكون قاتلة، فالانتكاسة تعرض صاحبها للضياع لسنوات عديدة، وفقا للكتاب.
تنتهى الخطوات الثانية عشرة التى يقوم عليها برنامج علاج الإدمان الذى وضعته رابطة المجهولين، وتبقى «المجهولية» هى الشعار الذى يرفعه أصحابها ضد شرور النفس وحب الظهور.
المخدرات الرقمية.. موسيقى «زغزغة» الدماغ
لم يعد الخروج من الواقع والانسحاب إلى عالم آخر ملىء بالبهجة واللا شعور، وهو ما يرتبط باللجوء إلى أوكار تعاطى المخدرات، يحتاج إلى التلفت يمينًا ويسارًا هربًا من ملاحقة الشرطة، فبينما قضى كثيرون من مدمنى المواد المخدرة سنوات من حياتهم خلف القضبان، بسبب البحث عن نشوة الهروب من الواقع، استطاع آخرون الوصول إلى نفس النشوة، دون ملاحقة أمنية، وذلك فقط من خلال سماعات الكمبيوتر.
وعلى الرغم من كون النوع الجديد من المدمنين «الرقميين» فى مأمن من الملاحقة الأمنية، فإنهم يلتقون مع باقى المدمنين، فى انتهاء الأمر بالاكتئاب ومحاولات الانتحار.
لكل حكاية جانبان، جانب مشرق تستطيع رؤيته بعينيك، وجانب آخر لا تعلم عنه شيئًا إلا بالصدفة، وربما لن تعلم عنه أبدًا، وهذا ما ينسحب على الموسيقى التى تم استخدامها فى العلاج منذ منتصف القرن الماضى، عن طريق استغلال ذبذبات معينة للتأثير على الدماغ، فهذه هى القصة المشرقة، ولكن مؤخرًا تم استخدام نفس الموسيقى ونفس الترددات ليس للقضاء على المرض، ولكن للقضاء على الإحساس والدخول فى مرحلة الإدمان، وهو ما يشبه تحويل العقاقير إلى مخدرات.
نشأت «المخدرات الرقمية» على تقنية قديمة تُسمى «النقر بالأذنين»، اكتشفها العالم الألمانى الفيزيائى، هينريش دوف، عام 1839، واستخدمت لأول مرة عام 1970 لعلاج بعض الحالات النفسية، لشريحة من المصابين بالاكتئاب الخفيف فى حالة المرضى الذين يرفضون العلاج السلوكى (الأدوية)، ولهذا تم العلاج عن طريق ذبذبات كهرومغناطيسية، لفرز مواد منشطة للمزاج.
واستخدمت موسيقى «المخدرات» فى مستشفيات الصحة النفسية، نظرًا لأن هناك خللًا ونقصًا فى المادة المنشطة للمزاج لدى بعض المرضى النفسيين، ولذلك يحتاجون إلى استحداث الخلايا العصبية لإفرازها، تحت الإشراف الطبى بحيث لا تتعدّى عدة ثوانٍ، أو جزء من الثانية وأن لا تستخدم أكثر من مرَّتَين يوميًّا. وتوقف العلاج بهذه الطريقة، نظرًا لتكلفتها العالية «وقتها».
المخدرات الرقمية هى دواء «وهمى» لحل المشكلات، لذا أصبحت تجارة من الأكثر رواجًا عالميًّا، وبدأت مؤخرًا فى الظهور على مستوى الدول العربية، وهى عبارة عن ملفات صوتية يتم تحميلها من مواقع متخصصة فى هذه التجارة على الإنترنت، ويتراوح سعرها من ثلاثة دولارات إلى 60 دولارًا، ويتحدَّد سعرها على حسب الشعور الذى يحتاجه العميل، وعلى حسب مدة الملف الصوتى، ومدى تأثيره.
تعمل هذه الملفات الصوتية عن طريق وضع ترددات وذبذبات معينة تحدث تأثيرًا على المخ، إذ إن التردد الذى تستقبله السماعة اليمنى مختلف بنسبة بسيطة عن التردد الذى تستقبله السماعة اليسرى، مما يزيد من كهرباء المخ، لكى يعمل بشكل أقوى وأسرع لتوحيد التردد الذى يستقبله من الأذنَين، وينتج عن هذا النشاط الشعور باللذة أو الاستمتاع المؤقت.
تختلف هذه الترددات الصوتية على حسب التجربة التى يريد أن يعيشها المشترى أو العميل، فهناك ملفات صوتية تساعد على النوم، وأخرى تسبب الاسترخاء فقط، وأخرى تسبب الهلوسات، كما أن هناك ملفات على حسب أنواع المخدر الذى يفضله العميل، مثل ملف الكوكايين أو ملف الكحول الذى يذكر فيه عدد تأثير الكاسات وأنواع الكحول الذى سيشعر بتأثيرها العميل فور سماعه للملف.
لا تقتصر الملفات الصوتية على تجربة إحساس المشروبات الروحية والمخدرات فقط، بل إن هناك قسمًا خاصًّا بخلق التجربة الخاصة للعميل مقابل مبلغ أكبر من المال، حيث يقوم العميل بتحضير الوصفة السحرية التى تنسيه آلامه، فيكتب المشاعر التى يريد أن يشعر بها، والتجربة التى يريد أن يخوضها، فيقدّم له الموقع التجربة فى مقطع صوتى بتردد يناسب حالته، حتى يحصل على السعادة المنشودة.
للمخدرات الرقمية قواعدها الخاصة، حيث تنصح المواقع التى تبيعها بشراء كتاب توجيهات، وهو عبارة عن 40 صفحة، يحتوى على جميع المعلومات عن كل مخدر وطريقة تعاطيه، فبإمكان أى جرعة زائدة أن تفتك بدماغ المستمع.
أهم هذه القواعد هى أنه يجب على المتعاطى الجلوس فى غرفة خافتة الإضاءة، وإطفاء جميع الأدوات الكهربائية التى يمكن أن تسبب تشويشًا أو إزعاجًا، كما يجب على المتعاطى ارتداء ثياب فضفاضة مع وضع سماعات «الهيد فون»، ويكون بحالة استرخاء شديد، ثم يغمض عينيه ويشغل الملف الصوتى.
تعمل المخدرات الرقمية على تزويد السماعات بأصوات تشبه الذبذبات والأصوات المشوشة، وتكون قوة الصوت أقل من 1000 إلى 1500 هيرتز، كى تُسمع منها الدقات.
تكمن خطورة المخدرات الرقمية فى أنها أرخص من المخدرات العادية، كما أنها فى متناول الجميع، حيث يمكن الحصول عليها بضغطة زر من على الإنترنت، كما أنها قانونية «حتى الآن»، ولذلك فتعاطيها والاتجار فيها لن يسبب أى مشكلات.
يقول المحامى، محمد أبو رية، عن المخدرات الرقمية «تعريف المخدرات فى القانون هى الشىء الذى يتعاطاه الإنسان عن طريق الفم أو الشم ويذهب العقل، ولكن المخدرات الرقمية عبارة عن مجرد ترددات صوتية، ولذلك لا يعاقب عليها القانون، لأنها تدخل تحت بند الموسيقى، والموسيقى لا تجرّم، كما أن تأثيرها نسبى وليس ثابتًا على كل شخص، ولذلك يصعب الحكم إذا كانت درجة تأثيرها على الجميع مثل المخدر العادى أم لا، فهى ستؤثر فقط على مَن لديه القابلية للوقوع تحت تأثيرها».
وأضاف أبو رية «لم يشك أحد حتى الآن أو يقدّم قضايا ضد تعاطى المخدرات الرقمية، ورأيى الشخصى أنه من الصعب تجريمها فى الفترة المقبلة، لأنها تدخل تحت بند الحريات، كما أن الضابط لن يستطيع أن يصدر أمرًا بوقف كل شخص يضع سماعات فى أذنيه».
«س.ن»، الذى دفعه الفضول لتجربة «المخدرات الرقمية»، والذى روى تجربته قائلًا: «دخلت على موقع شهير فى تجارة المخدرات الرقمية، وقمت بتحميل الملفات الثلاثة المجانية الموجودة على الموقع لتجربتها.. وأغلقت عينىّ جيدًا، وغطيت وجهى لأمنع النور من النفاذ إلىّ، ثم أغلقت صوت التلفاز ونمت، لأن هذه هى التعليمات الموجودة على الموقع، لينجح تأثير الملف الصوتى».
وأضاف: «بدأ الملف الصوتى بتردد ثابت عالى الصوت، فشعرت بالصداع وهو يكسّر رأسى، فكدت أن أغلق المقطع إلى أن تذكّرت التعليمات بضرورة سماع المقطع إلى آخره، حتى يحدث التأثير المنشود، فقررت الاستسلام للتردد، ليأخذنى إلى ما يشاء، ووقتها كانت أول مرة أسمع فيها التردد الداخلى داخل التردد العالى الواضح، فهناك ترددات صغيرة صوتها منخفض، تشبه فى صوتها الموجات أو الفقاعات، وهى تحتاج إلى تركيز شديد لسماعها».
يتابع صاحب التجربة: «دقيقة بعد الأخرى وأصبح رأسى مخدرًا من طول مدة سماع التردد، ثم تنقل التردد بين الطبقة العالية والمنخفضة، وبدأ يسرع ويبطئ، ليشعرنى بأن هناك شيئًا قادمًا، فبدأت أنتظر التردد التالى، ومع حالة الترقب هذه تدخل فجأة الإيقاع بصوت منخفض جدًّا لم أسمعه، ولكننى شعرت به، ثم تحوَّل الإيقاع إلى الصوت العالى فجأة، فلم أشعر بنفسى سوى بأننى أضحك، ثم تسارعت ضربات قلبى وسَرَت قشعريرة فى جسدى للحظة واحدة، حتى شعرت بالحيرة فى أن أغلق المقطع الموسيقى، أم أواصل هذا الاحتفال، ولكن انتهاء المقطع أنهى حيرتى، فالمقطع المجانى قصير، فهو يعطيك لذّة مجانية لمدة ثوانٍ، ولكى تزيد من هذا الوقت عليك أن تدفع».
دكتور ريمون قنّاص، الطبيب النفسى ومتخصص فى علاج الإدمان، قال «المخدرات الرقمية تعمل مثل التنويم المغناطيسى، وتأثيرها مثل تأثيره، فهى تؤثر على الجانب الأمامى للمخ الخاص بالمشاعر وتسبب السعادة، وهى ليست لها أضرار على الكبد والكلى والدم، مثل المخدرات العادية».
وأضاف «تعمل المخدرات الرقمية وفقًا لتردد ثابت ومتكرر، مما يجعل من السهل الاستجابة أو التأثر به، فالتردد الثابت أقوى تأثيرًا بكثير وأسهل وأسرع من التردد المتغير».
وعن مدى تطابقها فى التأثير مع المخدرات العادية، قال ريمون: «لن يتأثر الجميع بالمخدرات الرقمية، فالذى يتأثَّر فقط هو صاحب الشخصية القابلة للإدمان والوقوع تحت تأثير الإيحاء، فمن يكون مستعدًّا نفسيًّا لكى يتأثَّر بها، فهو سيتأثر بها حتى قبل سماعها، أما الشخص العادى، أو حتى المدمن العادى، فلن يتأثر بهذه الموسيقى».
أما عن أخطارها فقد قال ريمون: «على الرغم من عدم وجود أى أضرار عضوية للمخدرات الرقمية، وعدم إتلافها لخلايا المخ، فإنها تحدث أضرارًا نفسية كبيرة، فهى تؤثر على متعاطيها فى تفاعله مع المجتمع، كما تؤثر على عمله واندماجه مع الآخرين، ما يؤدّى إلى إصابته بالاكتئاب، ومن ثَمَّ محاولته الانتحار، غالبًا».
ريمون أضاف أن «هذه المخدرات الرقمية من الممكن أن تكشف أى أمراض نفسية غير ظاهرة عند متعاطيها، خصوصًا مَن لديهم تاريخ عنف جسدى مع العائلة أو الأصدقاء، فهى من الممكن أن تظهر بصورة قوية، وعلى سبيل المثال مرض الفصام».
وتابع بأن المخدرات الرقمية بالغة التأثير نفسيَّا، ولذلك يجب التحذير من أخطارها، وللأسف لا يمكن السيطرة على تعاطيها، وأعتقد أن العالم سيعلم خطورتها ويمنعها نهائيًّا بعد 20 عامًا من الآن، عندما تتضح أخطارها على متعاطيها.
أما عن مدى شرعيتها من عدمها، بعدما حاول البعض تبرير استخدامها، لأنها مجرد موسيقى، فرأى حسين عويضة، رئيس نادى أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر، أن المخدرات الرقمية تدخل فى حيز الإدمان، مفتيًا بتحريمها، وقال «مثلها مثل المخدرات العادية ما دامت تعطى نفس تأثيرها، وإذا انتشرت ستكون وسيلة لإنهاء العقول، لأن الشباب سيجدونها سهلة وفى متناول أيديهم».
وأضاف أنه يجب محاربة هذا النوع من المخدرات بشتى الطرق، حتى إذا لزم التعاون الدولى، لأنها إذا تركت ستنتشر بين جميع شباب العالم.
واستطرد: «أقول لمن يبرر لنفسه أن المخدرات الرقمية حلال، إنه لا يوجد تحايل على الله عز وجل، فما دامت مخدرات أصبحت محرمة، مهما كانت هيئتها، ولا بد أن يجرمها القانون».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.