فى فيلم «بحب السيما» يقول محمود حميدة لابنه الصغير إن نجوم السينما فاسقون، وسوف يدخلون النار، فيدعو الطفل الله أن يلقيه فى الجحيم، حتى يصبح فى صحبتهم. لكلٍّ منا تصوره عن الجنة، له علاقة بالمرحلة العمرية والمجتمع والثقافة العامة والشخصية وهكذا. مثلا رأت د.غادة والى، وزيرة التضامن، أن الجنة بها موسيقى وباليه، ولم تسلم من هجمات المتزمتين الذين يعتبرون أنفسهم حاملى صكوك دخول الجنة، حيث حور العين أو النار يوم تشوى الوجوه، وأتصورهم لم يغضبوا بسبب الموسيقى والرقص، لكن لأن هذا يعنى أن راقصات الباليه ومؤلفى وعازفى الموسيقى سيدخلون فى هذه الحالة بالضرورة إلى الجنة، فلا يمكن أن يتصور أحد استدعاءهم للجنة من أجل تقديم فاصل موسيقى، ثم عودتهم بعدها لاستكمال نصيبهم من صنوف العذاب. الطفل يعيش فى المجتمعات المتزمتة دينيًّا، وهو يعتقد أن الله قرين القسوة، ولهذا فعندما يطلبون من الأطفال التعبير عن الله بالرسم أغلبهم يتخيلون النار أو الكرباج، بينما قليل منهم يرسم مثلًا سماء زرقاء مبهجة أو قوس قزح. سوف أروى لكم حكاية عمرها أكثر من 55 عامًا، سمعتها قبل أكثر من عشر سنوات من إعلامية كبيرة أمد الله فى عمرها، لم أستأذن فى نشرها، ولهذا لن أذكر اسمها، لكن الحكاية فرضت نفسها، قالت الإعلامية ونحن نتبادل شرب الشاى فى مهرجان الإذاعة والتليفزيون «أنا ح ادخل الجنة فى الحالتين» سألناها عما تقصده، فأجابت: سواء أكنت مسلمة أم مسيحية، فأنا مسلمة، وأيضًا تم تعميدى وضحكنا، نريدها أن تُكمل، بدأت تروى ما حدث لها هى وشقيقها، حيث كان بيتهما بجوار دير يذهبان إليه يأكلان فاكهة وخضراوات طازجة، ويعودان محملين بالشيكولاتة والحلويات.. الراهب فى الدير كان يؤرقه طبقًا لعقيدته أنهما لن يدخلا الجنة، فهما لا يؤمنان بيسوع، ولم يتم تعميدهما، فماذا يفعل؟ قرر تعميدهما، الطفلان شعرا بأن عليهما أن يحتفظا بالسر، وعلم الأب بذلك، واكتفى بأنه لن يرسلهما مرة أخرى للدير، خصوصًا أنهما كانا يشاركان ويرتديان الزى الخاص كشمامسة فى أداء ترانيم الزواج المسيحية فى الكنيسة المجاورة للدير. قالت لى الإعلامية الكبيرة إن لديها قناعة أن الراهب لم يكن يعنيه تعميدهما، لكنه من فرط الحب للطفلين أراد أن يأخذهما معه بعد عمر طويل إلى ملكوت المسيح! ماذا لو حدث ذلك الآن؟ بالتأكيد سنجد أنفسنا بصدد ثورة عارمة فى البلد، ماذا لو تأملنا عمق الأديان وهى تدعو للإيمان بالله وتقديم الفضيلة والنأى عن الرذيلة، «أليست كلها طرقًا مختلفة إلى الله؟!» كما وصفها غاندى عندما اشتد النزاع بين المسلمين والهندوس عام 1947 فى الهند، وأعادها قبل عامين فى «الفاتيكان» بابا الكاثوليك فرنسيس قائلًا «كل الأديان صحيحة، لأنها صحيحة فى قلوب من يؤمنون بها»، وأضاف «ألسنا جميعًا نحب ونعبد نفس الإله». هل يدخل المختلف دينيًّا أو فكريًّا الجنة؟ طبقًا للمفهوم المباشر لأصحاب الديانة -أى ديانة- أن مصيره النار.. أتذكر أننى سألت شاعرنا الكبير الراحل أحمد شفيق كامل، وهو صاحب الروائع التى شدت بها أم كلثوم «إنت عمرى» و«أمل حياتى» و«الحب كله» و«ليلة حب»، وكان قد توقف عن كتابة الأغانى العاطفية، معتقدًا أنها حرام، سألته: هل يدخل «بيتهوفن» النار لأنه لم يشهر إسلامه، رغم أنه أدخل السعادة فى قلوب الملايين؟ قال لى إن هذا السؤال حيّره فسأل الشعراوى، فأجابه بأنه سوف يأخذ نصيبه من السعادة فقط فى الدنيا. ولم أقتنع، فكيف يدخل النار من منحوا البشرية كل هذا الإبداع وكل هذا الجمال، والله جميل يحب الجمال؟ لماذا لا نسمع صوتًا لرجال الدين أكثر تسامحًا؟ المسلم من حقه أن يتمسك بدينه، والمسيحى لا يرضى بديانته بديلًا، إلا أن ملكوت الله يتسع لكل عباده الصالحين من كل الأديان، حتى لو كانوا راقصى باليه وعازفى موسيقى!