بين تأكيد ونفى «تاه» القمر الصناعى المصرى «إيجيبت سات 2» خلال الفترة الأخيرة، وضاعت معه معلومات كثيرة من شأنها إغلاق ملف الشائعات والحكايات التى تتوالى ليل نهار عن «الخيبة» فى التعامل مع القمر من ناحية، ومن ناحية أخرى عن حقيقة أهمية ودور «إيجيبت سات 2» ومهامه، وتأثير اختفائه أو فقدانه على الخطط المصرية الموضوعة للاستفادة منه، إذ تكلف إنشاؤه نحو 21 مليون دولار، حسب تقارير روسية أى ما يعادل 150 مليون جنيه مصرى، فضلًا عن تكلفة تشغيله سنويا، والتى تكلف مصر نحو 35 مليون دولار. روسي تتمسك بفقدام مصر ل"إيجيبت سات2" والحكومة: تحت السيطرة كتب- ربيع السعدني: منذ خمسة أعوام سابقة أعلنت هيئة الاستشعار عن بُعد، التابعة لوزارة البحث العلمى المصرية أن القمر الصناعى البحثى المصرى الأول، الأوكرانى الصنع «إيجيبت سات 1» ما زال موجودًا فى مداره وأن فقدان الاتصال به كان أمرًا مؤقتًا، رغم فقدان الاتصال به نهائيا منذ يوليو 2010 وحتى يومنا هذا، وخروجه عن سيطرة أجهزة التحكم فى موقع للبرنامج الفضائى المصرى فى صحراء طريق «مصر - السويس»، وهو يعد أول قمر صناعى مصرى تم فقده مرتين قبل أن يكتمل عمره الافتراضى وفى كل مرة كان يتم العثور عليه وإعادة التقاطه من جديد قبل أن يختفى بصورة نهائية، نتيجة ما أرجعه بعض خبراء بحوث الفضاء حينذاك إلى وجود عطل فنى فى القمر نفسه حال دون إرساله إشارات إلى أجهزة الاتصالات المصرية، ومن ثم تحديد مداره، رغم تكلفة إنشائه العالية التى كلفت مصر نحو 21 مليون دولار حسب تقارير روسية أى ما يعادل 150 مليون جنيه مصرى، فضلًا عن تكلفة تشغيله سنويا والتى تكلف مصر نحو 35 مليون دولار. بنفس التفاصيل والأسباب تكرر الأمر ذاته مع القمر الصناعى المصرى، الروسى الصنع «إيجيبت سات 2» الذى أكدت مؤسسة «أنيرغيا» الروسية لتصنيع الصواريخ الفضائية، والجهة الوحيدة المسؤولة عن تصنيع القمر الصناعى المصرى على ضياعه ورفضه الاستجابة للتعليمات والدوران فى مداره، وأعلن أحد المواقع الروسية المتخصصة فى علوم وتكنولوجيا الفضاء ومراقبة الأقمار الصناعية «روسيان سبيس ويب» الخميس الماضى عن فقدان الاتصال والتحكم به منذ أسبوع كامل، بعد إطلاقه بعام واحد فقط، وهو ما أكده العالم المصرى بوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» الدكتور عصام حجى، والذى كتب عن ضياع القمر الصناعى المصرى للمرة الثانية، وتكليف مصر نحو 305 ملايين جنيه عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك». فى المقابل صدر بيان رسمى أول من أمس الأحد، عن مجلس الوزراء ينفى ذلك ويؤكد عدم فقدان مصر الاتصال بالقمر الصناعى «إيجيبت سات 2» وأنه تحت السيطرة المصرية الكاملة ويدور فى مجاله ويعمل بكفاءته المعهودة دون أى ترد فى طريقة عمله أو فقدان الاتصال به ولا حقيقة لأى تلفيات أو مشكلات به، وكل ما حدث نتيجة رفض الجانب المصرى لروسيا التحكم فيه بعد تسليمه لمصر بصورة نهائية لإدارته وتشغيله فى الأول من يناير 2015. «التحرير» ترصد قصة مصر مع البرنامج الفضائى المصرى الذى بدأ مع أوائل عام 2001 حين تعاقدت مع الجانب الأوكرانى على إطلاق أول قمر صناعى مصرى يدور حول الأرض مرة كل ساعة ونصف الساعة ويلتقط صورًا بجودة عالية لمصر ومعلومات بحث متخصصة عن الأراضى والصحراء المصرية ويفتح آفاقا واسعة للتنمية ويخدم أغراض الأمن القومى، بالإضافة إلى دوره التقنى الأبرز فى التقاط صور خاصة بممر التنمية، المشروع القومى المصرى حينذاك، وكذلك استخداماته العديدة فى المجالات الاقتصادية والتنموية والتعليمية والنفطية والبيئية والبحث عن الموارد الطبيعية والمياه، علاوة على التطبيقات العسكرية والأمنية المتعددة. وفى أبريل عام 2007، قامت الحكومة المصرية بمحاولتها الأولى للحصول على قمر صناعى خاص بها بإطلاق (إيجيبت سات 1) والذى انطلق من قاعدة «باكينور» لإطلاق الصواريخ فى كازاخستان، بعد تأجيل موعد إطلاقه مرتين، كقمر بحثى تجريبى بغرض اكتساب المعرفة ونقل التكنولوجيا الخاصة بالأقمار الصناعية بعمر افتراضى ثلاث سنوات، بالإضافة إلى عامين آخرين بكفاءة أقل، ويزن «إيجيبت سات 1» نحو 100 كيلو جرام ومزود بجهازى استشعار، أحدهما يعمل بالأشعة تحت الحمراء والآخر يعمل باستشعار متعدد الأطياف، وبمقدرة الكاميرا الخاصة به التقاط صور حتى دقة 8 أمتار كاملة، ومع ذلك فُقد الاتصال بالقمر الصناعى «إيجيبت سات 1» وفشل مشروع مصر الفضائى واختفى قبل الأوان بعامين ولم يعمل سوى ثلاث سنوات من العمر المقرر له، على الرغم من أن مصر واصلت العمل مع الجانب الأوكرانى عبر مكتب تصميم «KB Yuzhnoe» على مشروع متابعة له ليكمل عمره الافتراضى. فى الوقت الذى تلقت فيه القاهرة محاولات من موسكو لتزويدها بقمر صناعى ثان تحت اسم «عصفور فى عنان السماء» حتى جاء عام 2009، بعد مرور نحو أربع سنوات من المفاوضات، منحت مصر روسيا عقدًا لتطوير قمر صناعى عالى الدقة والتصوير وتم التعامل الرسمى مع شركة «Rosoboroneksport»، إحدى شركات مجموعة «Rostec» المملوكة للحكومة الروسية المتخصصة فى صادرات التكنولوجيا العسكرية بتصميم هندسى من مؤسسة «أنيرغيا» الروسية المتخصصة لإطلاق الصواريخ الفضائية عبر العالم. وحسب مركز الفضاء الروسى، فإن «إيجيبت سات 2» يفوق وزنه الطن وتحديدًا نحو 1050 كيلوجراما، ويدور فى فلك مساره من 500 إلى 800 كيلومتر، بينما يبلغ عمره الافتراضى 11 عامًا، ووفقًا للمواصفات الرسمية يمكن له أن يستشف تفاصيل دقيقة للغاية، بالإضافة إلى الصور بالغة الجودة، وكذلك صور بالأشعة تحت الحمراء، فضلًا عن تقنيات جديدة فى المعالجة الإلكترونية للصور. ولم يفصح الجانب المصرى عن التكلفة الإجمالية للمشروع والتى وصلت إلى نحو 40 مليون دولار، حسب التقارير الروسية الصادرة فى هذا الصدد، أى ما يعادل 300 مليون جنيه مصرى، وتزامن تطوير الأقمار الصناعية المصرية وإطلاق القمر الصناعى الثانى مع الاضطرابات السياسية فى مصر بعد الثورة، ومع ذلك تمكنت القوات المسلحة المصرية من تمويل المشروع بالكامل، وكان العقد ينص على أنه فى حالة نجاح المشروع «إيجيبت سات 2»، يمكن بناء المزيد من الأقمار الصناعية من هذا النوع، بما فى ذلك نسخة للحكومة الروسية. وهى استراتيجية مماثلة للتسويق للعملاء الأجانب وقد مكنت روسيا بعد ذلك من تمويل عدد من المشاريع الفضائية المتقدمة، على رأسها عقد مع وكالة الفضاء الكورية لتطوير الصاروخ (KSLV-1) للاستفادة المباشرة من برنامج «أنغارا» الخاصة فى روسيا، فى حين وافقت حكومة جنوب إفريقيا على شراء نسخة خاصة بها من الجيل الجديد «كوندور الرادار» الفضائية فى روسيا وبحلول نوفمبر عام 2013، ذكرت وسائل الإعلام الروسية الرسمية أن إطلاق «إيجيبت سات 2» قد تأجل حتى أبريل 2014، وقد تم شحن المركبة الفضائية إلى قاعدة بايكونور الفضائية فى كازاخستان بنهاية فبراير 2014 لإجراء الاختبارات الأخيرة قبل الإطلاق النهائى من نفس القاعدة الفضائية التى أطلق منها نظيره الأول فى 14 أبريل قبل الماضى. وبعد مرور عام واحد على إطلاق القمر الصناعى الثانى ظهرت أخبار وتصريحات شتى عبر مواقع إخبارية روسية فى 22 أبريل الجارى أن القمر الصناعى «إيجيبت سات 2» فإما أنه اختفى تمامًا فى مداره وإما فشلت مراقبة الموقف والتحكم فيه من ذوى الخبرة، وحسب ما كتب رئيس تحرير صحيفة «إزفيستيا» الروسية المتحدث الرسمى باسم «الكرملين» والمسؤول عن رصد توقف القمر من عدمه، والذى يعد مؤشرًا لحظيا لمكان وسرعة القمر فإنه لا يستبعد وقوع تأثيرات خارجية على القمر الصناعى المصرى، الذى يتمتع بإمكانيات تجسس عالية، وإذا ما فقدت مصر القمر الصناعى الخاص بها، فإنه يعمل عاما واحدًا فقط من أصل 11 عامًا حسب المواصفات التقنية المقررة له، مكررًا المصير الغامض لأخيه الأكبر فى السن «إيجيبت سات 1». بينما صدر تقرير عن مركز المعلومات لدعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصرى بعد اتصالات مع هيئة الاستشعار عن بُعد أن القمر الصناعى المصرى «إيجيبت سات 2» فى مداره وقد ساعد الحكومة فى عدد من المشاريع التنموية العملاقة مثل مشروع قناة السويس، ومراقبة السواحل البحرية، وتمت الاستعانة به فى أثناء الهجمات المصرية على الأراضى الليبية لمقاتلة أعضاء تنظيم «داعش»، حيث ساعد القمر القوات الجوية المصرية فى تحديد أماكنهم بدقة شديدة، وأن القمر قد زار مصر يوم السبت الماضى 25 أبريل 2015 فى تمام الساعة الثانية ظهرًا، حيث كان فوق البحر الأحمر والدلتا، ثم توجه إلى السعودية لاستكمال دورته المعتادة حول الأرض. وفى هذا الإطار قال الدكتور علاء النهرى، نائب رئيس الهيئة القومية للاستشعار عن بُعد، إن القمر الصناعى المصرى يتحرك فى مداره الفضائى وتحت السيطرة المصرية الكاملة ويتم رصده بصفة مستمرة ويعمل بصورة طبيعية، بعد أن أصابه عطل فنى عادى تسبب فى عدم استجابته للأمر المعطى له نتيجة ما رجعه «ضعف شحن البطاريات» وتم إصلاح العطل وعاد القمر إلى مداره، مؤكدًا أن جميع شفرات القمر المصرى فى يد علماء مصريين مختصين ولا يمتلكها غيرهم منذ مطلع العام الجارى، وخلال 5 سنوات سيكون هناك قمر صناعى بتصنيع وتكنولوجيا مصريين خالصين ينطلق من مصر على حد قوله. وقد تباينت ردود الأفعال المصرية بشأن اختفاء القمر الصناعى الثانى والجدل الواسع الدائر حوله فى إسرائيل، خصوصًا أن الأخير تم إطلاقه بعد أسبوع من إطلاق إسرائيل القمر الصناعى «أوفيك 10» لأغراض التجسس ومزاعم مراكز الأبحاث الإسرائيلية حينذاك بأن مصر أطلقت قمرها الصناعى الثانى بغرض التجسس على إسرائيل وجمع المعلومات العسكرية الوافية عنها، لا سيما أن قدرات «إيجيبت سات 2» التصويرية تغطى مساحة مصر برًّا وبحرًا ومزودًا بأجهزة تصوير بنطاقات تعمل بالأشعة تحت الحمراء تعمل على التقاط صور بالغة الدقة ومتعددة الأطياف على علو «1 متر» من سطح الأرض فى نظام الصور البانكروماتى الحساس للألوان ونحو «4 أمتار» فى نظام الصور متعددة الأطياف. وهذا ما أكده الدكتور على صادق، رئيس مجلس بحوث الفضاء المصرى، الذى أوضح أنه بعد إطلاق مصر للقمر الصناعى الثانى قامت الهيئة القومية للاستشعار عن بُعد وعلوم الفضاء برفع مشروع قانون لإنشاء وكالة فضاء مصرية متخصصة، فضلًا عن التخطيط لإطلاق قمر صناعى آخر خلال عام 2017 مخصصًا لدراسة المناطق الصحراوية فى مصر ومجموعة أقمار بتكنولوجيا مصرية خالصة. ومن ثم فإن «إيجيبت سات 2» لا يستجيب للأوامر المصرية الصادرة من مركز التحكم هناك، حسب ما ذكره الدكتور بهى الدين عرجون، أستاذ ديناميكا المركبات الفضائية والطيران بهندسة القاهرة، مدير برنامج الفضاء المصرى السابق، الذى أكد أن القمر المصرى خارج مساره حتى وإن تم رصده عبر المواقع وهذا يرجع إلى عدم تلقى المهندسين المصريين التدريب الكافى للمتابعة والمراقبة للقمر خلال تحركاته فى الفضاء. ووفقًا لتصريحات خبير بحوث الفضاء المصرى الدكتور فائق عبد الحميد ل«التحرير»، فإن الفشل المزدوج المتوقع فى نظام التحكم فى الطيران جعل القمر الصناعى غير صالح للعمل تمامًا كرد فعل مباشر على أوامر خاطئة التقطها من القائمين على تشغيله، وقبل نهاية الشهر الجارى أكدت وسائل الإعلام الروسية الرسمية فقدان الاتصال بالقمر الصناعى المصرى نقلًا عن مصادر لم تسمّها، وقال تقرير وكالة أنباء «إنتر فاكس» إن كلا الجهازين فقد التحكم فى الطيران على متن المركبة الفضائية يومى 22 أكتوبر 2010 و12 أبريل الجارى». وأضاف أنه عندما بدأت التجهيزات الأولية لعملية إطلاق القمر الصناعى المصرى الأول كان قد تم إرسال بعثة مصرية مكونة من 20 مهندسًا لتلقى التدريبات فى أوكرانيا للتحكم فى القمر، وبعد أيام من عودتهم إلى القاهرة برفقة الخبراء الأوكرانيين للعمل على «إيجيبت سات 1» حينذاك قررت الحكومة المصرية التخلى عن الخبراء الأجانب بشكل نهائى والاكتفاء بالمهندسين المصريين وبعد أيام قليلة فُقد الاتصال بالقمر الصناعى المصرى حتى اليوم. التحرير تحقق من موسكو: لماذا تعرّض القمر المصري لأعطال بعد إطلاقه؟ إطلاق غامض واختفاء أكثر غموضًا| المصريون عرفوا موعد إطلاق القمر فجأة