مولانا الشيخ المذيع الألمعى تامر أمين خرج علينا «من الآخر» وهات يا تلطيش وسبّ فى الكاتب شريف الشوباشى، بسبب دعوة الأخير إلى مظاهرة خلع الحجاب ووصفه بأنه «كذاب»، وبأن «دعوته فاجرة»، وتامر أمين من شيوخ الإعلام المعروفين منذ ظهوره على شاشة التليفزيون المصرى بأنه دائمًا يدعو إلى الحق والتقوى ومكارم الأخلاق، ولم يحدث أن كذب على مشاهديه ولا نافق مسؤولا كبيرًا ولا صغيرًا، وكان مثالا للأمانة المهنية ويمكن أن نسرد ألف دليل على هذه الأمانة، والفيديوهات متاحة ولا أول لها ولا آخر.. لكن ليس هذا موضوعنا، موضوعنا هو لغة الحوار ومناقشة أى فكرة مهما شطحت أو قفزت أميالا وفراسخ فوق عادات وتقاليد المجتمع والأفكار السائدة، وقد لا يعرف الشيخ تامر أن السوق الحرة للأفكار جزء مهم من تقدم أى أمة، فصراعها تنتج عنه شرارة تنير عقول البشر، حتى لا تعتاد العتمة وتدمنها. وشخصيًّا أختلف مع دعوة الشوباشى لأسباب مثيرة، وهى أقرب إلى الفرقعة الإعلامية، فالمجتمعات لا تتحجب ولا تتعرى بدعوات، لا تغير شكلها ولا أغانيها وفنونها ومنها الأزياء لمجرد «فكرة طقت» فى دماغ واحد، وإنما الثياب ولغة الخطاب والفنون والقيم هى «تصرفات موضوعية» فى بنية أى مجتمع، مرتبطة بنمط نظامه السياسى وتطوره الاقتصادى وعلاقاته الاجتماعية وتفاعله الثقافى. ومن حق الأستاذ الشوباشى وغيره أن ينادى بما يشاء، بشرط أن يلتزم بالقانون ولا يخرج عليه، ومن حق الآخرين أن يؤيدوه مثلما حدث من البعض أو يعارضوه مثلما حدث من الغالبية ومنهم الشيخ تامر أمين، لكن فى حدود الفكرة وأسبابها ومنطقها ومعناها، دون الانحراف إلى ألفاظ من عينة «كذاب»، و«دعوة فاجرة»، واستعداء الأزهر عليه، فدعوة الشوباشى لا تنتظرها النسوة المتمردات على الحجاب على أبواب البيوت، وبمجرد أن ينفخ فى بوقه سوف ينزلن إلى ميدان التحرير معلنات «الثورة الثالثة»، ولم يكن هناك داعٍ إلى أن يسأل الشيخ تامر عن رخصة الأستاذ الشوباشى فى رفضه الحجاب، والأستاذ تامر نفسه ليس معه رخصة دينية ليؤكده، خصوصًا أن عمر الحجاب يتجاوز ألفى عام تاريخيا ولم يكن فى الأصل عربيا. لكن هذه هى مصر التى ينطبق عليها المثل الشائع «الناس منتظرة جنازة وتشبع فيها لطم»، وهل ثمة جنازة أكثر صخبًا وضوضاء من الحجاب؟! أما الدكتور عبد الله النجار، وهو عضو بمجمع البحوث الإسلامية ومن الشخصيات التى أتابع كتابتها، فقد رأى فى الدعوة «قنبلة موقوتة» تهدد روابط الأسرة وتدمر العلاقات الإنسانية وتستهين بقيمة المرأة، وفى الحقيقة لا أعرف من أين جاء بكل هذه المخاطر الرهيبة فى دعوة الشوباشى وهى دعوة محدودة التأثير والقيمة. تاريخ الحجاب نفسه فى مصر قصير، فالمصريون شعب متدين محافظ بطبعه، والمرأة المصرية محتشمة منذ أن ولدت على أرض هذا الوطن، ولم تعرف الأزياء العارية ولا تستسيغها، وكانت جدتى وأمى تلبسان الطرحة السوداء، وكانت نساء الأحياء الشعبية يلبسن «المناديل بِأوية» على رؤوسهن قبل الحجاب بألف سنة، ويغطين وجوههن ب«بيشة»، وهى التى خلعتها هدى شعراوى ولم يكن حجابًا، وهى كلمة حديثة ولدت مع الجماعات الدينية!