أعلن اتحاد الإخوان والسلفيين «قرية العور» أول ولاية فى الصعيد، وفرضوا قانون الولاية ودستورها فى جلسات عرفية برعاية المحافظ ومدير الأمن، وأهم بنوده «بالطول بالعرض مافيش كنيسة ع الأرض»، وتأكيدًا لقوتهم حشدوا لحرق كنيسة العذراء قبل إقامة صلوات جنازة الأربعين لشهداء الفقر والتعصب فى قرى المنيا، المذبوحين فى ليبيا أمام العالم كله، فى رسالة واضحة للدولة تؤكد وجودهم وقوتهم. والعجيب أن الصلاة أقيمت رغم غياب أصحاب المعزى -أهالى الشهداء- اعتراضًا على استمرار الاضطهاد والترويع وتغابى الدولة، ولم يحضر الصلاة من كبار المسؤولين سوى أساقفة المنيا وملوى والشرقية فقط، طبعًا لأن البابا لم يحضر، لكن حضرت وفود كهنة كنائس البحيرة وبنى مزار، بشىء من الاطمئنان لكثافة الوجود الأمنى، وربما بأوامر لملء فراغ الكنيسة أمام عدسات التليفزيون، وحضر بعض رهبان الأديرة القريبة غالبًا مهللين بفرصة الاستشهاد. أهالى شهداء قرى المنيا وسوهاج غاضبون ورافضون ومستبيعون، لن يتنازلوا أو يخافوا من إنسان بعدما فقدوا الابن والزوج والعائل، وتمتعوا بتعزيات الله، واستمدوا قوة وصلابة من انتسابهم لشهداء قديسين، العمر واحد والرب واحد، والشهداء فداءً لمصر ولإيمانهم بالمسيح وتمسكهم بالعقيدة، أوصاهم المسيح أن لا يحبوا العالم، لأنه زائل، لكن بأن يحبوا كل إنسان، لأن المحبة تطهر النفس، توقظ الضمير فيتمسك بالحق، وينبذ الشر، بل ويقاومه، إما بالتغاضى والتسامح وإما بالمواجهة إن اضطر.. وأوصانا بالشجاعة فى الحق، وكلمة «لا تخافوا» مكتوبة 365 مرة فى الإنجيل.. «لا تخافوا ممن يقتلون الجسد، لأن ليس لهم سلطان على الروح»، ولا تنحنوا لبشر واحذروا المنافقين، لأنهم الأخطر. احتجاب الأهالى يوم الاحتفال بذكرى شهدائهم هو رسالة منهم للدولة وللكنيسة، تقول: نرفض المجالس العرفية، لأننا نعيش فى دولة ولسنا فى قبيلة.. ونرفض شروطهم، بناء كنائس للعبادة هو حق، وشروط كنيسة دون منارة وصليب، وإذا هدمت لا نطالب ببديل، مرفوضة، لأن من هدموها جاهزون بالمعاول. احتجب البسطاء أقوياء الإيمان، فأعطوا درسًا بليغًا للكهنة، وللمسؤولين.. ورسموا صورة مقربة لعصور عانى فيها مسيحيو مصر الاضطهاد والتعذيب، لكن من دخلاء احتلونا ونهبوا خيراتنا واستعبدونا بسلاح الدين وأوامر الله، مستغلين الجهل والفقر، فهل أعادنا فساد حكامنا للخلف قرونًا! مطلوب من شيخ الأزهر سرعة الحركة، السلوك الدينى هو الهدف وليس الخطب والمواعظ، مطلوب نشر روح المحبة، ميكروفونات خطبة الجمعة فى الجوامع المحيطة بنا تصرخ بالدعاء للمسلمين فقط، وللأمة الإسلامية، وتدعى بجهنم وبئس المصير على الآخر، هذا مرفوض ويجب تغييره. جزء من قداس الكنيسة الأساسى دعاء لكل المخلوقات، والنهر، ونبات الحقل والزرع والحصاد وطيور السماء، الدعوات تنتهى برجاء احفظ بلادى يا رب، ولا نسمع أبدًا احفظ المسيحيين فقط.. المسيح عندما قال من ضربك على خدك الأيمن حوّل له الأيسر، قالها من منطق رحمة القوى، فالضعيف يهاجم ويغتصب ويكره ويقتل.. وعلاجه هو محبته لإصلاحه ونزع شروره. وقرية «العور» هى نموذج للجهل والفقر السائد فى الصعيد، والذى نما وترعرع فى عهد مبارك البرىء بفعل فاعل.. وبدأت أدلة فساده تظهر فى سرعة وقوة إنجازات الرئيس السيسى، واستعادة مصر لقامتها، وشراسة حرب تكسير العظام التى نعيشها، وأخطرها مخطط حصار قناة السويس بعد تحدى اكتمال المرحلة الأولى، بهدف إفلاس مصر بدلا من مضاعفة دخلها وجرها لخسائر الحروب. ستصبح هذه السنوات العجاف تاريخًا كما أصبح خط بارليف ذكرى مجد لمصر، إذا استعادت العدالة شموخها، واستعاد القانون قوته، وعدنا آمنين بالفعل وليس بالأغانى. وسؤال: هل تتحرك الدولة للمواجهة أو تعود الكنيسة لمهمة تمهيد المسيحيين للاستشهاد؟ أكرر نشر المقال بعد تجدد الاشتباكات فى قرى المنيا وحرق كنائس وبيوت المسيحيين وتحدى قرارات السيسى.. وأكرر: المجالس العرفية مرفوضة وأمن المواطن وحماية حقوقه أول واجبات الدولة.