منذ عدة سنوات كانت لى جولة فى عدد من الدول الأوروبية، مرَّت نحو ثمانى سنوات، قبل أن أكررها فى شهر مارس الماضى، لفت انتباهى عدد من المتغيرات، فى المرة السابقة كان الكتاب هو رفيق ركَّاب المترو والباص فى أوروبا، لم أرَ ذلك فى سفريتى الأخيرة، بل استبدل الأوروبيون بالكتاب الهواتف الذكية، الجميع منشغل بها فى وسائل المواصلات العامة. ما إن لمست أقدامنا مطار روما حتى أخرج الجميع هواتفه المحمولة، مطار روما مجهز ب«واى فاى» يتيح للمسافرين الدخول على الإنترنت بسرعة كبيرة. لم أنزل فى أى من البلاد الأربع التى تنقلت بينها مع أسرتى فى أى فندق فخم، بل كانت إقامتى فى شقق فندقية مجهزة بكل ما تحتاجه أسرة، ما إن تدخل الشقة حتى تجد لوحة تعليمات عليها اسم الاشتراك فى الإنترنت و«الباسورد»، فى مصر نزلت فى عدد من الفنادق «الخمس نجوم» التى لا تتيح لك خدمة الإنترنت إلا فى أماكن معينة وبالمقابل. الدول التى تسعى لجذب السائحين توفر خدمة «الواى فاى» فى كل مكان، فى بودابست ركبت أوتوبيسا يقوم بجولة لأهم معالم المدينة السياحية، مجهز ب«واى فاى» وسماعات أذن تسمح لك بمتابعة الجولة السياحية بلغتك، فاللغة العربية كانت متاحة فى الجولات السياحية بالمدن التى زرتها. الأماكن الأثرية لها تذاكر موحدة السعر، لا فرق بين ابن البلد والسائح، كثيرا ما تكون سعر التذكرة مرتبطة بطول فترة الجولة، فعلى سبيل المثال قصر شونبرون فى النمسا، والذى كان قصرا صيفيا لعائلة هابسبورج الإمبراطورية الشهيرة التى حكمت النمسا على مدى ستة قرون، وصاهرت عددا كبيرا من ملوك أوروبا، هناك جولة بالسماعة لعدد معين لغرف القصر، وهناك جولة لغرف القصر كلها، وأخرى مضاف إليها الحديقة والتى يوجد بها متاهة وأقدم حديقة حيوان فى العالم ونافورة رائعة، ولأن مساحة القصر بملحقاته شاسعة، فلقد تم تفسيم المزارات على قدر استطاعة السائح البدنية والمالية، فكلما توسعت الجولة زاد سعر التذكرة، وهو ما يمكن أن نفعله فى المتحف المصرى، الذى لا يستطيع كثيرون أن يتجولوا فيه فى يوم واحد، حيث يمكن تقسيمه إلى مراحل مع توفير سماعات تتيح للسائح التعرف على تفاصيل القطع المعروضة أمامه بأرقامها دون الاستعانة بمرشد لو أراد. فى أغنية «مصر قريبة» التى جمعت بين عدد من الفنانين المصريين والعرب، قدّمنا سياحة القرن الماضى، فما زلنا نتصور أن التجول فى شوارع القاهرة وعلى كورنيش النيل وشرب الشيشة على القهاوى والابتسامة والترحاب كافية لجذب السائح العربى، هذا السائح تعود استخدام أعلى مستويات تكنولوجيا الاتصال فى بلده، ويجد مثيلا لها وأكثر فى الدول الجاذبة للسياحة.. إن عدم توافر خدمات إنترنت فى الأماكن العامة والفنادق والمقاهى يحرم مصر من ميزة أصبحت متاحة فى معظم الدول الطامحة لزيادة عدد السائحين. مع الأسف ما زال القائمون على السياحة فى بلدنا مقتنعين بحلاوة شمسنا، وبأن «لأقصر بلدنا فيها الأجانب تتفسَّح وكل عام وقت المرواح بتبقى مش عايزة تروَّح وتسيب بلدنا»، يتصورون أنه يكفى أن مصر بها أكثر من ثلث آثار العالم، ولكن صناعة السياحة ليست مجرد أثر أو حجر، ولكن تفاصيل حياة، وسائل المواصلات المريحة والمتوفرة، المراحيض العامة النظيفة، ويمكن أن تكون مقابل تذكرة كما فى كل الدول الأوروبية، توفير خدمة الإنترنت للسائح فى كل الأماكن السياحية والمطاعم والقهاوى، سلوك الشعب مع السائح والبعد عن الغش والاستغلال أو الإلحاح. لا يكفى أن نردد أن مصر أم الدنيا ومهد الحضارة لنقنع السائحين بزيارتنا، لكن علينا أن تقدم إليهم خلطة بيت الحياة العصرية والأصالة التاريخية، حينذ يمكن أن نردد عن حق: والشمس تطلع كل صباح بفرحة وبدمعة تروح لفراق بلدنا.