اقتتال عنيف ودموى فى سوريا.. معارك على نطاق واسع فى العراق.. حرب مستعرة فى اليمن.. حرب أهلية فى ليبيا.. تفجيرات فى تونس.. معارك ضارية ضد الإرهاب فى سيناء.. الصومال يكاد يُنسى من طول مأساته.. السودان انقسم إلى دولتين وما زال مضطربًا.. تحالف السعودية مشتبك مع الحوثيين.. الجزائر على شفا حفرة من النار.. أما عن الدول الإسلامية الأخرى فحدّث ولا حرج.. بوكو حرام فى نيجيريا.. إسلاميون فى النيجر ومالى يخرّبون ويدمّرون.. وطالبان تقتل بلا رحمة حتى الأطفال فى باكستان.. وفى أفغانستان القتال لا يتوقف. وأسماء منظمات الإسلام السياسى، وكلها تتبنى العنف المسلح بلا حصر، بداية من «القاعدة» وانتهاء ب«داعش»، وما بينهما عشرات إن لم يكن مئات المنظمات الإرهابية، كلها ترفع يافطة الإسلام، وعلى يدها تتدفق شلالات الدماء وتزهق مئات الآلاف من الأرواح، وتتغرب الملايين من أبناء هذه البلدان مشتتة هربا من جحيم الإرهاب وخرابه. عودة للسؤال مرة أخرى.. من يفعل هذا بالعرب والمسلمين؟ ببساطة شديدة وبلا لف أو دوران، وبعيدا عن نظرية المؤامرة الجاهزة لتغطية الخيبات والعيوب، يفعل هذا بالعرب والمسلمين العرب والمسلمون أنفسهم، فكل الدول العربية والإسلامية تحكمها أنظمة استبدادية لا يمكن أن تنتج من داخل شعوبها سوى العاهات والاستبداد المضاد فى ظل الجهل الذى يعم، فكل البلاد العربية والإسلامية تعم فيها الأمية، وتتفشى فيها الخرافات، والحكام المستبدون يحافظون بكل ما أوتوا من قوة وحيل على تخلف شعوبهم، ويحاربون أن تتفتح فى الواقع السياسى قوى سياسة فاعلة، وهذه أوضاع لا تنتج بالطبع حركات يتصف أتباعها بسلوك سوى، وعند هذه النقطة تحديدا يتفجر السؤال: لماذا لا ينشأ العنف إلا من تيارات الإسلام السياسى فقط؟ أى لماذا لا ينشأ من حركات ليبرالية أو يسارية؟ الرد على هذا السؤال الذى يبدو للوهلة الأولى ملغزا أسهل مما يتصور البعيدون عن واقع المسلمين المعاصر، لأنه واقع ملىء بالتشوهات والآفات العقلية والموروثات الفاسدة، التى تصل فى بعض الأحيان إلى أن تكون هزلية وعبثية، والعقل المسلم يعيش حالة من الارتباك والتوهان فى العالم المعاصر، فهو يرى نفسه متراجعا إلى الحضيض وبلا أى إسهامات أو إنجازات الآن فى المشروع الحضارى الإنسانى، ويقف المسلم المعاصر فى مكانة منحطة بين الأمم، لا يفعل شيئا سوى أنه يستهلك المنتجات التى تقدمها له دول العالم المتقدم من الشرق أو الغرب، بدءا من الأجهزة ذات التكنولوجيا المعقدة، وصولا إلى فانوس رمضان والسبحة وسجادة الصلاة، ولا فرق بين هذا المسلم المسكين والقرد فى حديقة الحيوان، فالأول تلقى له الأجهزة والأدوات، والثانى تلقى له أصابع الموز. لكن اللافت والمذهل أن هذا المسلم الذى يدرك ولو بالعقل الباطن فقط وضعه المهين والمأزوم، عندما يخرج من بلاد الإسلام إلى بلدان تحترم حقوق الإنسان وتأخذ من الجدارة مقياسا للاختيار والترقى، وتضع الدين فى مكانته المحترمة الصحيحة بعيدا عن السياسة، حيث تقتصر العلاقة بالدين على طرفين فقط هما الإنسان والخالق ولا ثالث بينهما، هذا المسلم فى البيئة الجديدة يتحول إلى شخص ناجح يسهم باقتدار من موقعه الجديد فى الإسهام فى المشروع الحضارى الإنسانى. المشكلة الكبرى التى تواجه المسلمين بعد أن عرفت البشرية فكرة الدولة القومية كمفهوم سياسى حاكم، طور أساليب الحكم وإدارة الدول، وبناء العلاقات الدولية، ثم انطبع فى ما بعد بصورة شكلية على الدولة الحديثة فى العالمين العربى والإسلامى، وليس نتيجة تفاعل تاريخى فى هذه البلدان المصابة بشيزوفرينيا انقسمت فيها شخصية المسلم بين الدين والدولة، وحدث فى هذا الشأن صراع مكتوم ولكنه جذرى بين أن الدين يجب أن يكون علاقة خاصة بين الإنسان وربه، وليس أداة تستخدم فى مناورات سياسية أو تفاعلات يحكمها واقع متغير، وفى جانب من هذه الإشكالية أن فساد السلطة المزمن فى الدول العربية والإسلامية جعل من الدين بين جموع الجماهير الغفيرة التى ترتع فى التخلف ملاذا شكليا على الأقل فى مواجهة الظلم والاستبداد، كما أن الحكام فى هذه الدول استخدموا الإسلام لترسيخ وجودهم واستمرارهم فى الحكم باستغلال العاطفة الدينية، وهكذا تحول الدين إلى أحد المسوغات السياسية فى صراع السلطة وكإحدى الأدوات المؤثرة، وفى المرحلة التى تفاقم فيها هذا الصراع أخذ الإسلام على أيدى الساعين من خلاله إلى السلطة أبعادا متطرفة فكريا فى المرحلة الأولى، من أجل خلق مسافة للاختلاف مع الأنظمة التى ركبت هى الأخرى قاطرة الدين كوسيلة للتميز عنها، وشحذ الأتباع، وفى المرحلة الثانية تم التحول إلى العنف المسلح، ومع هذا الوضع الملتبس فى استخدام الإسلام دخلت على هذا الخط قوى خارجية إقليمية ودولية لتحقيق مصالحها باستخدام تنظيمات الإسلام السياسى المسلحة، بدعمها ماليا ومعلوماتيا ولوجيستيا، ووصل الأمر إلى حد تدريب كوادرها وعناصرها، وبالطبع إمدادها بسلاح متطور، لكن يبقى فى الأساس أن العيب كان داخليا، والميكروب الذى أضعف المناعة كان داخليا أيضا قبل أن تكون ساحة الإسلام السياسى ملعبا لكل من هب ودب.