الخطاب الذى يجرى تسويقه بواسطة إعلام السلطة يقول إن حصة مصر المائية السنوية من فيضان النيل لن تتأثر بعد اكتمال سد النهضة الإثيوبى لأنها ستتدفق غير منقوصة عبر بواباته بعد إدارتها لتوربينات توليد الكهرباء. بما يعنى أنه سد بلا بحيرة خلفية لتخزين المياه. بعدها تعود نفس الأصوات لتؤكد بغرابة شديدة أن السودان يمكن أن يتضرر فى حالة انهيار ذلك السد! مما يعنى وجود خزان مائى هائل خلفه! إعصرى مخك يا زينب! كان بشنب والا من غير شنب؟! له خزان والا لأ؟ وتستمر التناقضات بالحديث عن فائدة كبيرة ستعود على السودان لأنه سيتمكن من مضاعفة مساحة أراضيه المزروعة أربع مرات على الأقل. لأن الفيضان، بعد اكتمال السد، لن يغمر مساحات شاسعة من الأراضى الخصيبة التى كانت تتحول إلى مستنقعات يتعذر على السودان استغلالها! لا يحتاج صاحب العقل لامتلاك خبرة فى السدود لإدراك التناقض المنطقى الرهيب الذى يؤكد أن ذلك السد له سعة تخزينية هائلة. لأن انحسار فيضان النيل فى السودان عن أضعاف المساحات التى اعتاد أن يغمرها تفسيره الوحيد أن كميات المياه التى ستمر من السد ستقل كثيراً عن تلك التى كانت تتدفق قبل بنائه. وهذا يعنى أن حصتنا من المياه ستقل بدرجة كبيرة. هذه التصريحات المتناقضة تؤكد أن هناك بحيرة ستنشأ خلف ذلك السد. تماماً مثلما تكونت لدينا بحيرة ناصر. بالتالى ستمر سنوات عجاف، لم يخبرنا أحد كيف سندبر خلالها ما ينقص بفداحة من مواردنا المائية قبل امتلاء تلك البحيرة وبدء قناة مفيضها فى إعادة المياه إلى مجرى النهر أمام السد حتى لا تؤثر عليه ضغوط تؤدى لانهياره. وقتها، وبكل أسف، ربما لا تعود حصتنا المائية لمعدلاتها السابقة. لأن قيام السودان باستغلال مساحات شاسعة، لم تسبق له زراعتها، سيقتطع الكثير من حصتنا القديمة. خاصة إذا قام بزراعة محاصيل شرهة لاستهلاك المياه. لمصلحة من يتم الكذب والتعتيم على معلومات خطيرة كتلك؟ ألم يتعلم أحد شيئاً مما حدث فى فضيحة جهاز الكفتة؟ الأخطر أن إثيوبيا أعلنت بوضوح عن حاجتها مستقبلاً لبناء سدود أخرى لاستكمال مشاريعها التنموية. فهل سيحتاج كل سد منها لسنوات حتى تمتلىء بحيرته قبل أن تبدأ قناة مفيضه فى إعادة مياة النهر لمسارها المعتاد؟ هذه أمور تستدعى الدراسة والمكاشفة. من المؤكد أن سد النهضة ستنشأ خلفه بحيرة عملاقة تقلل من تدفق المياه بطريقة تؤثر على إيراد النهر، وإلا فليخبرونا لماذا ستنحسر المياه عن أراضى المستنقعات السودانية؟ ولماذا سيغرق السودان عند انهيار السد؟ هذا ربط منطقى بين الأسباب والنتائج. لا أطلب من السيسى ولا من أى رئيس أن يكون ملماً بكل العلوم. لكننى أطالبه بالاستماع إلى أصحاب البصائر والضمائر، ومنع إدارته وإعلامييها من التنكيل بهم. الإتفاقيات المصيرية الكبرى تحتاج إلى دراسات مستفيضة وعلنية. التوقف عن اتخاذ القرار فى حجرات مغلقة ضرورة وطنية. أخطاء التعامل مع ملفات وجودية من نوع سد النهضة تتفاقم بسبب سد حنك المواطن بكلمات زائفة معجونة بالسمن والعسل. لكى يستمر سريان النهر بأمر الله كان يجب علينا التمهل قبل التوقيع على اتفاقية إعلان مبادىء تمنح إثيوبيا جوائز مجانية، وتمتلىء بعبارات مطاطية مثل العمل على منع الضرر، دون طمأنة الرأى العام بوجود تفاصيل لاحقة ملزمة تضمن كيف سيتم ذلك المنع! الشعوب التى تستحق الحياة تتمسك بحقها فى صناعة القرارات التى تؤثر على مستقبلها.