كتب- ناصر عبد الحميد: لعل الموضوع الأكثر لمعانًا من حيث جدية التحرُّك، والأكثر حيرة بسبب ضعف المعلومات المتاحة عنه، والأكثر أهمية لما سيلعبه من دور فى المنطقة، هو القوة العربية المشتركة التى جاءت على لسان رؤساء ومسؤولين وصحفيين عرب، وأعلن عنها كموضوع رئيسى خلال الزيارات التى تمت من وإلى السعودية ومصر فى الأسبوع الماضى، وفى سياق ما يدور حول الدور الذى يمكن أن تلعبه تلك القوة نقف أمام عدد من الأسئلة المحورية التى تطرح نفسها فى فضاء احتمالات هذا التشكُّل. اتفاقية الدفاع المشترك.. هى الأصل لا يمكن أن نتجاهل ونحن بصدد هذا الموضوع أن خلفيته التاريخية الأساسية حتى وإن لم تكن هى المسار الذى يتم من خلاله التشكيل الجديد هى اتفاقية الدفاع العربى المشترك التى تم توقيعها عام 1950 فى أعقاب هزيمة 1948، وإدراك العرب أهمية الفكرة لما حاك بهم من تهديدات، وبالتالى أصل الفكرة ليس جديدًا، ولكن الواقع العملى على مدار السنوات التى تلت هذه الاتفاقية أثبت فشلها الذريع فى أغلب الاختبارات التى وقعت فيها، بداية من تحرُّك نورى السعيد لتكوين حلف بغداد عام 1954 مع حلفاء أجانب ضد المصالح العربية، وانتهاءً بغزو العراق، ومرورًا بتوقيع اتفاقيات السلام، وحرب لبنان، وغزو العراق للكويت، والإجرام الإسرائيلى فى فلسطين سياسيًّا وعسكريًّا، وبالتالى يجب أن يدرك القادة الآن وهم بصدد هذا التحرُّك الجديد أن خلفهم سنوات من الفشل قد يكون فى ظروف مختلفة ولكن هذا التاريخ لا شك يضغط على أى حاضر. هناك سيناريوهات عدّة تلوح فى أفق هذا التشكيل، إذ إن سُبل إنشاء قوات لدول تقوم بمهام، خصوصًا فى الحالة العربية، لها عدة مسارات: 1- إطار جامعة الدول العربية حيث اتفاقية الدفاع العربى المشترك، والتى تنص على أنه يعتبر أى عدوان على أى دولة موقعة على بروتوكول الدفاع العربى عدوانًا على باقى الدول، وأى مساس بدولة من الدول الموقعة، والذى يعطى هذه القوة صلاحيات نسبية جيدة تسمح لها بتدخلات سياسية وعسكرية، حيث تنص الاتفاقية فى عدد من موادها على فض المنازعات بالطرق السلمية واتخاذ التدابير الوقائية فى حالة طلب دولة جراء تهديد سلامة أراضيها أو استقلالها وأمنها، أو فى حالة خطر حرب، أو حالة دولية يخشى خطرها، ويقضى بتأليف لجنة عسكرية دائمة من ممثلى هيئة أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة لتنظيم خطط الدفاع المشترك وتهيئة وسائله وأساليبه. 2- التحالفات الدولية كما استندت اتفاقية الدفاع العربى المشترك إلى المادة 51 فى الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، فيمكن من خلال الاستناد إلى نفس المادة وذات الفصل تشكيل قوة عربية مشتركة بين عدة دول فقط بعيدًا عن أى مظلة إقليمية حيث تنص المادة على ليس فى هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعى للدول، فرادى أو جماعات، فى الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء (الأممالمتحدة)، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولى، والتدابير التى اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورًا، ولا تؤثر تلك التدابير بأى حال فى ما للمجلس -بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق- من الحق فى أن يتخذ فى أى وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولى أو إعادته إلى نصابه ، وبالتالى تحتاج هذه الدول فقط إلى التنسيق مع المجتمع الدولى. 3- قوات حفظ السلام وهى القوات التى تسعى للسلام ومساعدة البلدان المشتعلة بالحروب، وهى قوات عالمية، وهى إحدى عمليات الأممالمتحدة، وهى تعمل على تنفيذ اتفاقيات السلام ونشر الأمن والاستقرار، والمهم هنا أن مصر إحدى الدول المهمة والفاعلة فى قوات حفظ السلام، حيث أرسلت قوات إلى البوسنة وجورجيا والصومال وأنجولا وليبيريا والعراق وغزة ودارفور وأماكن أخرى، وفى تنسيق مع الأممالمتحدة قد تكون قوات حفظ السلام أحد الحلول المطروحة لتشكيل القوة العربية المقترحة إذا لم يكن أحد الأغراض من إنشائها التدخل لحسم بعض الصراعات. 4- التكوين بداية لا شك من أن أمن الخليج مهم بالفعل لمصر، وأن المنطقة كلها على شفا حفرة، وفى ذلك يجب التوقُّف أمام التكوين الداخلى لهذه القوات المشتركة، إذ إنه سيفصح عن أمور كثيرة وله تبعات وفيه حساب تكاليف كل دولة. فى هذا السياق لم تخرج أى معلومات إلى النور سوى بعض تصريحات من مسؤولين سعوديين ومصريين عن أن القوات المقترحة ستتمركز فى القاهرة، لكن ستكون لها تشكيلات تعتمد بالأساس على القوات الخاصة والتدخل السريع، وأنه ستكون لها قيادة مشتركة بما يشبه المجلس العسكرى العربى وأن هذا المجلس ستوكل إليه بلورة خطة للتدريبات على مواجهة الأخطار سيتم تلقينها لتلك القوات، لتكون جاهزة للتدخل فى البؤر الملتهبة حين تحتاجها الظروف، وأنه سيتم توزيع الأدوار على الدول العربية المشاركة فى تلك القوات، بحيث تعتمد على مشاركة عسكرية من الدول التى تمتلك جيوشًا ومعدات، بينما ستتلقى دعمًا لوجيستيًّا من الدول الأخرى . يجب أن نعود هنا سريعًا، لأن أحد بنود الملحق العسكرى لاتفاقية الدفاع العربى المشترك الموقعة عام 1950 كان ينص على أن تكون القاهرة مقرًّا للجنة العسكرية الدائمة ، ومن خلال ما تم التصريح به والمعلومات المتاحة عن أحوال الجيوش فى المنطقة، فالجيش المصرى هو الأقوى والأكبر عددًا وعتادًا، وتمتلك الإمارات طائرات متقدمة وتمتلك السعودية معدات متطورة وحديثة جراء صفقات سلاح بعشرات المليارات، فلديها طائرات حديثة وصواريخ، ولدى الأردن قوة عسكرية جيدة، وقد يحيلنا ذلك بالتقارب مع التصريحات المطلة من الغرف المغلقة لترتيب المشروع إلى أن الاحتمال الأكبر فى أن يكون عصب القوات من مصر وأن تتحمل هى توفير القدر الأكبر من القوات، بالإضافة إلى الخبراء العسكريين والمدربين والقادة الميدانيين، وأن تتحمَّل السعودية والإمارات التكاليف، بالإضافة إلى الدعم اللوجيستى، بمعنى الإمداد بقطعها العسكرية المتطورة والعاملين المدربين على بعضها مثل طيارى الإمارات مثلاً، وأن تقدّم الأردن بعض القوات والأفراد المدربين. مواجهة الإرهاب والحوثيين الأمر الآخر الحاكم فى تصوّر إنشاء القوة العربية التى يلوح فى الأفق أن عناصرها المهمة هى مصر والأردن والسعودية والإمارات، هو ضرورة الإنشاء طبقًا للتهديدات الواقعة. ليبيا فى هذا السياق صرَّح الثنى بترحيب ليبيا بل طلبها تشكيل القوات المشتركة، كما طالب بمزيد من الضربات الجوية على معاقل المسلحين، والبحث فى مسألة تزويد الجيش الليبى بطائرات مقاتلة حديثة، وبالتالى فتصوُّر ليبيا عن هذه القوة أنها قوة تدخل من ناحية ودعم عسكرى (استخبارات وتدريب وسلاح) للجيش الليبى من ناحية أخرى، وقوة حظر للسلاح الموجه إلى الميليشيات المتطرفة، ومنع توريد النفط، يتماشى ذلك مع تصوُّر الأمين العام للأمم المتحدة بفشل حظر الأسلحة المفروض على ليبيا وتنامى خطر المجموعات الإرهابية فيها، إضافة إلى فشل حظر توريد النفط غير المشروع الذى يسهم فى إشعال النزاع المسلح فى البلاد، إضافة إلى تقرير لجنة الخبراء فى الأممالمتحدة الذى أوصى بتشكيل قوة مراقبة بحرية لمساعدة الحكومة الليبية، على منع تدفق الأسلحة، والتصدير غير المشروع لنفط البلاد. فى السياق ذاته، بدأت تقارير غربية تتحدث عن احتمالات تدخل بحرى إيطالى وفرنسى فى ليبيا، بما يفتح الباب لاحتمالات أن تكون القوة العربية المقترحة فى ظل اتفاق ودعم دولى قادرة على التنسيق للتدخل فى ليبيا، وهو الخطر الأهم بالنسبة إلى مصر، ولكن ذلك غير واضح، خصوصًا مع وجود شبه إجماع عالمى على الحل السياسى فى ليبيا وضرورة إبعاد حفتر والتحالف بين الجيش الليبى وقوات فجر ليبيا. باب المندب أحد المحاور التى تم الإعلان عنها هو حماية باب المندب، إثر التوجُّس من خطر إغلاقه، ولكن المعروف سلفًا أن باب المندب قضية دولية لا تخص مصر وحدها وأن الدول الكبرى لن تسمح بأن يتم إغلاقه، لأن ذلك يكون بمثابة إعلان حرب عليها، لأن معناه توقُّف جزء كبير ومهم من حركة تجارتها، ولديها الاستعداد لدخول حرب مع إيران نفسها أو دخول اليمن إذا ما تحوَّل هذا التهديد إلى حقيقة. داعش والحوثيون لعل القضية الكبرى هنا والمهمة بالنسبة إلى الخليج، خصوصًا السعودية، هى تنامى خطر داعش على حدودها والهزائم المتكررة لسياستها فى سورياوالعراق وازدياد التطويق الإيرانى لها، خصوصًا بعد تحرُّك الحوثيين الأخير مما دفع السعودية لمحاولة إنشاء حلف سياسى جديد يشمل مصر وتركيا، وأيضًا الدفع بقوة فى قضية القوة العربية المشتركة، وتتحدَّث تقارير غربية عن وجود قوات مصرية بالفعل فى شمال السعودية، لتزايد الخطر المحتمل من هذه النقطة على السعودية.