حظى كثير من كتّاب الغرب والشرق باهتمام المثقفين المصريين بأشكال مختلفة، فمنذ أواخر القرن التاسع عشر، والترجمات الأدبية تعمل على قدم وساق، وهناك دور نشر مصرية أوقفت كل إصداراتها على الكتب والروايات المترجمة، وهناك سلسلة الروايات الجديدة التى كان يصدرها نقولا رزق الله منذ عام 1900، واستمرت حتى عشرينيات القرن العشرين، ونشرت من التراث الفرنسى نصوصًا روائية كثيرة، كذلك كانت دار الهلال تفعل ذلك فنشرت روايات لفيكتور هيجو وغيره، كما أن هناك روايات الجيب التى كان يترجم غالبيتها عمر عبد العزيز أمين، وتكونت ذائقة كثير من الأجيال من هذه السلسلة الممتازة، وهناك المجلات والصحف المصرية التى كانت تهتم اهتماما بالغا بنشر قصص مترجمة عن الإنجليزية والفرنسية، فكان المترجم والأديب الكبير محمد السباعى يترجم فى صحيفة «البلاغ» الأسبوعية قصة لتشيكوف أو موباسان أو جوركى، وكان محمد عبد الله عنان يقوم بالدور نفسه فى صحيفة «السياسة» الأسبوعية، وكان ذلك منذ عشرينيات القرن الماضى، ولم يخل عدد من هاتين الصحيفتين من قصة منشورة لأحد أعلام الأدب الغربى، هذا عدا المقالات والأبحاث الأدبية. وكان بعض الأدباء يكتبون الدراسات والبحوث المطولة عن الأدب الغربى، ويعرضون الكتب فى الصحف والمجلات المصرية، وعلى رأس هؤلاء الكاتب والمفكر عباس محمود العقاد، الذى ظل يكتب سلسلة من الدراسات تحت عنوان ساعات من الكتب ، وأصدرها فى ما بعد فى عدة مجلدات، ومن خلالها استطاع أن ينقل لنا مساحة واسعة من نبض الغرب فى ذلك الوقت، وكذلك كان يفعل سلامة موسى وإبراهيم عبد القادر المازنى ومحمد عوض محمد وإبراهيم المصرى وأحمد حسن الزيات وغيرهم. ثم فى عام 1945 تأسست دار الكاتب المصرى، وأشرف على إصداراتها عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وأصدرت الدار مجلة باسمها، واستكتبت كتّابا غربيين للمجلة، وراحت لتعرّفنا بكتاب جدد فى العالم، خصوصا فى فرنسا، والتى كان يعرفها وينحاز لها بامتياز الدكتور طه، فعرفنا على صفحات المجلة جان بول سارتر وأندريه جيد وغيرهما. وإذا كان التعرف على مثقفى وكتّاب الغرب فى مصر يأتى عن طريق الترجمات، فهناك طريقة أصبحت أكثر تأثيرا ومعرفة، وهى استدعاء أو زيارة الكاتب إلى مصر، مثلما حدث مع الشاعر الهندى طاغور، عندما جاء إلى مصر وقابله بعض الكتاب المصريين، وحدث ذلك مع آخرين. وفى فبراير 1967 استضافت الجمهورية العربية المتحدة الكاتبين الفرنسيين جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار، وصدرت الدعوة من جريدة الأهرام العريقة، أكبر المؤسسات الصحفية المصرية، وكان فى استقبال الكاتبين رهط من كبار الكتاب المصريين، ومن بينهم توفيق الحكيم ومحمد حسنين هيكل ولطفى الخولى. وسارتر وبوفوار كانا معروفين عربيًّا على نطاق واسع، وكانت كتاباتهما قد تركت آثارا بالغة فى الوجدان والعقل المصريين، من خلال الترجمات التى كانت تصدرها دار الآداب اللبنانية، وكان سارتر مثار إعجاب كثير من الكتاب المصريين، وكانت الفلسفة الوجودية تعمل فى الكتابات المصرية بشكل واسع، وتركت أفكارًا ومشاعر فى ما يكتبه المصريون، ولا نستطيع إنكار أثر هذه الفلسفة فى كتابات جيل الستينيات، وإن انحاز البعض إلى الفلسفة الماركسية بشكل معلن، ولكن لسان حاله الإبداعى والسياسى يقول بغير ذلك، وسوف نلمح ذلك فى بدايات إبراهيم أصلان ومحمد إبراهيم مبروك ومحمد البساطى، وهذا يحتاج إلى بحث مستقل تضيق هذه السطور عن بسطه. وكان الاستقبال الصحفى للكاتبين كبيرا، فأصدرت مجلة الهلال عددا كاملا عن جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار، وخصصت مجلة الفكر المعاصر ملفا شاملا عنهما، كما أفردت مجلة الطليعة اليسارية ملفا عن سارتر وكذلك بوفوار، ونشرت محاضرة سارتر التى ألقاها فى جامعة القاهرة فى حشد كبير من المثقفين المصريين، كما نشر لطفى الخولى كتابا صغيرا صدر عن سلسلة اقرأ ، وهو عبارة عن حوار طويل مع الفيلسوف الفرنسى المرموق جان بول سارتر. وفى 2 مارس 1967 كتبت الصحفية الشابة سهير فهمى، فى مجلة صباح الخير ، مقالا تحت عنوان سيمون.. فى القاهرة.. الجنس الآخر وغير الآخر ، واستهلت سهير مقالها ب وصلت سيمون.. إلى القاهرة.. وسيمون.. يطلقون عليها وصف صديقة المرأة.. وهى صديقة من نوع آخر، فهى لم تصف للمرأة أحدث طرق التجميل وأجود أنواع الطهى.. ولم تهمس فى كتاباتها.. كيف تحتالين على الرجل، أو كيف تحتفظين بقلب زوجك.. وإنما دعتنا سيمون دى بوفوار إلى أن نفكر ونحتج ونقرر.. وإذا كان البعض منا -فتيات ونساء هذا الجيل- بعيداً عن عالمها الواسع المضطرم، فإن البعض الآخر الذى تابعها من خلال مواقفها وكتاباتها.. لا يسعه إلا أن يطلق فرحة كبيرة من القلب.. أهلًا بك يا سيمون . وفى العدد نفسه كتب الكاتب القصصى والروائى المغبون عبد الله الطوخى مقالًا بديعًا عن مسرحيتها الوحيدة الأفواه اللا مجدية، وحاول التعريف بالمسرحية بشكل فنى جميل. وإذا كان جان بول سارتر له تأثير واسع فى تجارب المثقفين المصريين والعرب، الذين أعجبوا بموقفه عندما رفض جائزة نوبل، وانحازوا له ولأفكاره، وتأثروا بها، فسيمون دى بوفوار كانت نموذجا يحتذى بالنسبة إلى الفتاة المصرية، وكان كتابها الجنس الآخر بمثابة التأسيس الأهم والأكثر تأثيرا فى ترشيد الحركات النسائية العربية، وكانت حياة بوفوار نفسها تمثل الإغراء الأوسع على معظم فتيات الجيل، هذه الحياة الحرة والمنفتحة، والتى لا تنغلق على بضعة مطالب نسوية فقط، بل نضال أفكار وحياة بوفوار من أجل المرأة الإنسان، والتى لا تنحصر فى آليات سوق التجميل والتخسيس ومعظم المخدرات الرأسمالية القذرة التى تسلب إنسانية الأنثى فى العالم.