لماذا لا نصل للقائمة القصيرة للأوسكار؟ سؤال أصبحت إجابته أصعب من الإجابة عن سؤال لماذا لا نصعد إلى كأس العالم؟ ويبدو أن تحقيقه أصبح صعبًا هو الآخر. في البداية هناك خطأ شائع يقع فيه أغلب جمهور السينما، فالأوسكار ليس مهرجانًا وإنما مجرد احتفال للسينما الأمريكية بأفلام العام ومنحها جوائز للأفضل في كل فئات العملية السينمائية، وجائزة أفضل فيلم أجنبي هي جائزة لم تعتمد رسميًّا حتى عام 1956، فنحن بصدد احتفال "محلي" للسينما الأمريكية وليس مهرجانًا متكاملًا كبرلين أو كان أو فينيسيا أو حتى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، كما أن نظام اختيار الجائزة ومنحها يقوم في أغلبه على نظام التصويت دون وجود لجنة تحكيم بالمعنى الحرفي للكلمة، إلا أنه يعد أكبر عرس سينمائي، ويرجع هذا إلى انتشار السينما الأمريكية وكونها أكثر سينمات العالم إنتاجًا للأفلام من الناحية الكمية على الأقل. وبالرغم من أن مصر تحل في مركز متقدم من حيث عدد الأفلام التي رشحتها للدخول في منافسه الأوسكار، حيث بدأت مشوارها مع الأوسكار عام 1958، حينما رشحت الدولة فيلم "باب الحديد" للمخرج يوسف شاهين لتمثيل مصر في الاحتفالية، إلا أننا لم نصل ولو مرة واحدة إلى القائمة القصيرة المؤهلة للفوز بالجائزة. نحتاج منتجًا لديه طموح يقول المخرج أمير رمسيس "في البداية دعنا ننحى الأوسكار جانبًا لأن الأوسكار ليس مهرجانًا، بل توزيع جوائز و يقوم الاختيار في الغالب على التصويت، ومصر ترشح كل عام فيلمًا قد يصادفه الحظ و يدخل إلى القائمة القصيرة الأولى التي تتكون من حوال 60 فيلمًا، ولكن وصولنا للقائمة القصيرة التي تتكون من 5 أفلام فهذا أمر يحتاج إلى خطوات كثير للغاية، أولها وأهمها أن يتم توزيع أفلامك في أمريكا وأن تقوم بالتعاقد مع موزع هناك حتي يمكن للمتلقي الأمريكي أن يعرفك ويتمكن الشخص الذي من المفترض أن يصوت في الأوسكار من مشاهدة فيلمك بعيدًا عن عرض الأكاديمية له". وأضاف "لابد أن يكون لدينا منتجون عندهم هذا الطموح وقادرون على الحلم والمغامرة، بينما يختلف الأمر في المهرجانات الأوروبية التي من الممكن أن نعرض أفلامنا على هامش برامجها أو حتى نشارك فيها، ولكن أيضًا نادرًا ما يخرج فيلم مصري ليكون منافسًا في المسابقة، وهو أيضًا أمر يتطلب الكثير والكثير من الخطوات". أزمة شباك التذاكر والقيمة الفنية ومن جانبه قال المخرج تامر محسن "أنا شخصيًّا لا أهتم بالأوسكار على الإطلاق، وهو بالنسبة لي مجرد احتفال تقيمه دولة لأفلامها واختارت فرعًا واحدًا وهو جائزة أفضل فيلم أجنبي، مثل أن يقيم المهرجان القومي للسينما في مصر جائزة لأفضل فيلم أجنبي". وأضاف "ولكن المهرجانات الدولية الكبيرة هي ما يمكن الحديث عنه، وأنا أهتم جدًّا بتلك المهرجانات، ولكن بشكل عام في منظومة المهرجانات أمامك حلان الأول هو تقديم الفيلم الذي يتمناه المهرجان وده في الغالب بيتعامل معاك على كونك كائن غريب الأطوار عندك مشاكل مدهشة جدًّا غريبة جدًّا، وعندك درجة من الإحباط شديدة، وعندك أنظمة قمعية، وعندك مشاكل في العلاقة بالأنثي، ومشاكل عقائدية، وما إلى ذلك، فهم يحبون هذه الأفلام جدًّا، وأعتقد أن سبب حبهم هو أنهم يرون ما هم فيه، مثل أن تشاهد فيلمًا من وسط إفريقيا عن القبائل والحياة هناك فتحمد الله على ما أنت فيه". واستأنف قائلًا "والحل الثاني أن تثبت للمهرجان أنك سينمائي ولديك لغة سينمائية رائعة ومدهشة وأفضل مما يقدمه، لأن ذلك سيعد تجديدًا في السينما، ولكي يحدث هذا لابد أن يقدم سينما على درجة كبيرة جدًّا من الفنية والرقي، ولكن هذا يضعه في إشكالية أنه إذا قدم هذا فالذوق العام للجمهور لن يصل بعد لدرجة الاستيعاب التي تتيح له استقبال هذه الأعمال، فأنت تقدم فيلمًا على مستوى عالمي وعال فيرفضه الجمهور أو لا يحقق إيرادات، وبذلك فأنت تقع حائرًا بين أزمة القيمة الفنية وشباك التذاكر، فلابد أن تحاول تقديم فيلم يرضي شباك التذاكر ويحقق قيمة فنية عالية في الوقت نفسه، حتى لا تدفع المنتجين للإحجام عن إنتاج الافلام ذات القيمة الفنية العالية". المنافسة شرسة وبصمة "المخرج الكبير" تحسم الأمر أحيانًا وحول هذا السؤال قال الناقد السينمائي الكبير محمود عبدالشكور "الأوسكار مسابقة أمريكية مفتوحة للأفلام الأجنبية المميزة، أعتقد أننا كان لدينا دومًا أفلام على مستوى رفيع، ولكن المنافسة شرسة للغاية، كما أن الكثير من أفلامنا تفتقد البصمة المحلية الخاصة، طبعًا بالإضافة إلى وجود بصمة للمخرج الكبير، وفى كل الأحوال لا يمكن المصادرة على المستقبل، وقد يوجد جيل شاب يحقق الأوسكار، ما المانع؟". وأضاف "الأمر نفسه بالنسبة للمهرجانات العالمية التى لا تهتم فقط بالجيد، ولكن لابد من البصمة الخاصة سواء للمخرج أو للسينما التى ينتمى إليها كما حدث مثلًا مع السينما الإيرانية ومخرجيها، وكان يوسف شاهين دؤوبًا فى متابعة مهرجان كان بأفلامه، كما كان يشكل خطًّا ومؤسسة مستقلة فى إطار سينما تقليدية تمامًا، لا أريد أن نربط الجودة دائمًا بالمهرجانات أو الجوائز، ولا أحب أن نصادر على المستقبل، الحصول على الجوائز ليس مستحيلًا ولا هو صك النجاح الوحيد". الجوائز ليست معيار ومن جانبه قال الناقد السينمائي أحمد شوقي"أنا شخصيًّا لا أملك إجابة نموذجية لهذا السؤال، ولكنني أعلم كما يعلم غيرى أن الجوائز ليس معيارًا لأي شيء، ولكن ببساطة في الأعوام الأخيرة كان لمصر عدد من الأفلام في المسابقة الرسمية لمهرجان كان، وفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا، وعدد كبير من الأفلام في البرامج الموازية التي تقام على هامش المهرجانات، ولست أرى تقصيرًا كبيرًا بالنسبة لصناعة تنتج 30 فيلمًا في العام فقط". العنصر الغائب واختلف معه الناقد السينمائي مصطفى الكيلاني، قائلًا " الأوسكار يحتاج إلى سينما، وأنا أرى أن نوعية الأفلام التي تقدمها مصر حاليًا ترقى إلى مستوى مهرجانات دولية متوسطة، لأن المهرجانات الكبرى تحتاج صياغات سينمائية ترتقى للتنافس مع الموجود في الدول الأخرى التي تتمتع بحرفية أكثر ورقي". وأضاف الكيلاني "إن الصناعة لدينا لا تمتلك القدرة على إكمال الدائرة، فدائمًا هناك عنصر غائب يدمر فرصة منافسة أى فيلم مصري على جائزة دولية، وهذا العنصر ليس ثابتًا بل متغير كأن تكون كل العناصر الفنية مكتملة ولكن الإنتاج ضغط كي يلعب النجم الفلاني دور البطولة، أو أن السيناريو يعاني من مشكلة ما، أو المخرج لديه قصور أو أو أو ، دائمًا هناك عنصر غائب يدمر العملية". الإنتاج ضعيف بينما يقول الناقد السينمائي محمد عاطف "لاتوجد روشتة لهذا الأمر، نحن نتعامل هنا مع عملية إبداعية لا يمكن وضعها في إطار محدد الشكل، إضافة لأن حسابات الأوسكار تختلف تمام الاختلاف عن حسابات المهرجانات السينمائية الأخرى، حيث تتمتع الأخيرة بقدر كبير من الاستقلالية ولها معايير تتعلق بالموضوع المطروح نفسه وطزاجة التناول الذي تقدم من خلاله". وأضاف "حينما كنا نقدم أفلامًا جيدة، كان تذهب الأفلام للمشاركة مثل "باب الحديد" و"شباب امرأة" و"الأفوكاتو"، ولكننا الآن نقدم سينما "على قدها"، ولكن هذا لا يمنع من ذهاب عدد من الأفلام المصرية للمهرجانات العالمية، مثل "ديكور" الذي شارك في مهرجان BFI بإنجلترا، و"الشتا اللى فات" الذي شارك هو الآخر في مهرجان فينيسيا، كما أن لديك عدد من المبدعين في مجال السينما التسجيلية حققوا جوائز مهمة مثل أحمد نور الذي حصل على العديد من الجوائز العالمية، ونحن نمتلك جيلًا من المخرجين قادر على المنافسة وبقوة مثل أحمد عبدالله السيد وهالة لطفي وأمير رمسيس". واستأنف قائلًا " الإنتاج في مصر ضعيف من ناحية الكم، أما من ناحية الكيف فهو أضعف بكثير، وأيضًا للأوسكار حسابات أخرى وعوامل كثيرة من بينها العامل السياسي". لأننا نلعب كي نفوز على الأهلي ولا نفكر في منافسة برشلونة ومن جانبه قال الفنان صبري فواز "لأننا كمصرين نلعب ونريد أن نكسب الدوري على حساب الزمالك أو على حساب الأهلى أو على حساب الإسماعيلي، ولا نفكر في أن نلعب لكي نفوز على ريال مدريد أو برشلونة، وهذا الأمر أيضًا في السينما، نحن نقدم أفلامًا من أجل أن يكون الفيلم الأكثر من ناحية الإيرادات أو يأخذ لقب أحسن فيلم مصري أو أول فيلم مصري، فليكن جميعنا عظماء وجيدين، فلنخرج نتنافس مع الدول الأخرى، ولكن مقاييسنا محلية وأهدافنا وطموحتنا محلية أيضًا، والأمر يحتاج لأن "تفرد" نفسك أكثر وهذا سيأتي حينما تستقر الأمور". وأضاف "أمتلك صورة لتوزيع الأفلام المصرية، قديمًا كنا نصل إلى الهندرواس وجزر الأنتيل وبورتريكو وأستراليا وأمريكا وهولندا، وكنا نوزع أفلامنا في تلك الدول وأكثر، والمسأله تحتاج هذا الأمر، تحتاج إلى أن توزع نفسك في الخارج أكثر من هذا، كيف يأتي هذا، يأتى بأن تنظر إلى مستويات السينما في الخارج، وهذا يحدث حاليًا فصناع السينما الشباب عينهم الآن مفتوحة على الخارج أكثر، وبالتالى فالفترة المقبلة ستشهد أعمالًا جيدة بلا شك، وأنا متفائل بهذا الأمر، وأتمنى في يوم من الأيام أن أصعد لكي أستلم جائزة الأوسكار وانا أرتدي "الجلابية" الفلاحي، وسأفعلها إن أراد الله وفزت بالجائزة، وهذا يعنى أن تنظر إلى العالم بقيمتك وبعزتك، فنحن جميعًا أشقاء في الإنسانية، ولكن لكل منا طعمه وشكله المختلف".