وكما هو معتاد فى تلك الأيام الشتوية وحسبما هو مقرر فى دفتر يوميات أمشير، وهو شهر التراب والزعابيب وكافة أشكال العوء الشتوى، فإنه من الطبيعى أن تعود لبيتك بعد الشغل وانت عامل زى ماتكون طالع من كهف صحراوى فى يوم عاصف فى الصحراء الغربية، مناخيرك مسدودة من الرمل وحواجبك وشعرك واخدين صبغة بيضا على أصفر، والنفس واقف فى صدرك مانتاش عارف تكح ولا تتف ولا تنف ولا تموت نفسك وتخلص. ومافيش داعى للبحث فى تفاصيل العواصف الترابية والرملية ولا من أين جاءت وكيف ولا حتستمر كام يوم، وإلا فماذا سيقول بتوع الارصاد، وكمان لأن الكلام مش حيفيدك بأى حاجه، فهو أمر واقع وحادث ولا مناص، وكان الله فى عون كل ستات البيوت، حيث يتم التنفيض والتلميع والكنس والمسح بمعدل مرتين تلاته كل يوم، وسيادتك حتقلع هدومك وانت خايف تنفضها لعدم نشر التراب على الأرض اللى لسه مراتك ماسحاها وملمعاها ثم تدخل على الحمام لتشاهد الماء يجرى وهو واخد لون بنى الى بلاعة البانيو بينما تتحول رغاوى الشامبو الأبيض على شعرك للون أسود فاسخ ناتج من تحول التراب والماء على شعرك إلى طين، وتستمر فى عملية استحمام حتى تتأكد من إزالة آثار العدوان الترابى عليك وتتحول مرة أخرى إلى بنى آدم طبيعى بلون جلدك المعتاد، وكل هذه الفعاليات سهلة وبسيطه ورغم الزهق إلا أنك ستعود بعدها كما كنت قبل ما تاخد قرار ذهابك لشغلك فى اليوم ده. ولكن المشكلة ياعزيزى فى التراب اللى على روحك، والغبار المعشش فى تلافيف نفسك، وده بقى لا ينفع معاه ولا حمام ولا ليفه ولا شامبو ولا أى حاجه، انت محتاج صنفرة تجلى بيها عواطفك وتصنفر أحلامك وتنعم أحاسيسك حتى تسترجع لمعان روحك وبريق نفسك. وبعيداً عن التنظير السيكولوجى أو فتاوى علم النفس الجوفاء، فتراب النفس مالوش دعوه بالشتاء ولا بأمشير وزعابيبه، وإنما هو يتعلق بحياتك وظروف الدنيا معاك، وأجواء ومناخيات عمرك يا صديقى هى التى قد ترميك فى قلب عواصف خماسينية وتراب وطين، أو مع الورود فى ربيع دائم، وهذا ما يخضع لإعتبارات كثيرة انت لا تتحكم سوى فى ثلثها فقط بينما الثلث الثانى يرتبط بالحظ والتوفيق والثلث الأخير بيد رؤية السماء وكيف تم تخطيط حياتك باعتبارك قطعة شطرنج من ضمن القطع البشرية على رقعة الدنيا، والوضع بهذه الكيفية. فلن نستطيع سوى الحديث عن الثلث الأول مع إحترام كل المعايير والإعتبارات المؤثرة فى ممارساتك. أنت تُخلق بإرادة إلهية فى زمن معين ووسط تضاريس مجتمعية خاصة بالزمن الذى خلقت فيه، وعلى هذا الأساس فإنك تنصاع مرغماً لملامح زمنك فتأخذ منه كما يأخذ هو من عمرك. نفسى يكاد التراب يخنقها، الخيارات الخاطئة والأحلام المؤجلة، والهزائم العاطفية، أدى لغبار كثيف أطفأ اللمعان وخبأ البريق، فعندما تنكسر بعض طموحاتك، وتفشل خطط مستقبلك فإن يأسك ومرارة الإحساس بالهزيمة تتحول لحظياً لغيامة ترابية تخيم على تلافيف روحك وتتكوم فى أركان نفسك، مع كثير بالطبع من عنكبوت الإحباط، وهنا صديقى لابد من أى نجاح أو بارقة أمل فى غد أفضل تتحول لمنفضة تستطيع بها أن تزيل غبار روحك وتلمع نفسك من غبار الفشل المقيت، وفى الأيام الأخيرة ومع كل ما نمر به فى هذا الزمن المنسى، أعتقد إن تراب وزعابيب أمشير لا تساوى شيئاً عند مقارنتها بأتربة الغباء وغبار الجهل وزعابيب التطرف، وعندما ننجح جميعاً فى إزاحة كل هذه الغيوم ونستطيع أن ننقب جدار اليأس لتمر منه طاقة نور وأمل، حينذاك سأمسك منفضة الرجاء لأنفض بها كل الغبار عن نفسى، وفوطة خضراء من الأمل سألمع بها كل أركان روحى فأعود براقاً وأرى حينئذ كل شئ حولى فى تلك الحياة مبهجاً وجميلاً وبلا أى تراب.