الآن - "نيسان صني 2024" تكنولوجيا القيادة اليابانية على أرض مصرية    نيويورك تايمز: إسرائيل خفضت عدد الرهائن الذين تريد حركة حماس إطلاق سراحهم    القنوات الناقلة لمباراة الهلال والاتحاد في نصف نهائي كأس الملك والمعلقين    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    تراجع أسعار النفط مع تكثيف جهود الوصول إلى هدنة في غزة    مجلس الدولة يلزم الأبنية التعليمية بسداد مقابل انتفاع بأراضي المدارس    حماية المستهلك: الزيت وصل سعره 65 جنيها.. والدقيق ب19 جنيها    تعرف على موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    فيديو| مقتل 3 أفراد شرطة في ولاية أمريكية خلال تنفيذ مذكرة توقيف مطلوب    محلل سياسي: أمريكا تحتاج صفقة الهدنة مع المقاومة الفلسطينية أكثر من اسرائيل نفسها    ولي العهد السعودي وبلينكن يبحثان التطورات في قطاع غزة    قتلى وجرحى إثر غارات جوية روسية على أوديسا وخاركيف    نظافة القاهرة تطلق أكبر خطة تشغيل على مدار الساعة للتعامل الفوري مع المخلفات    د. محمود حسين: تصاعد الحملة ضد الإخوان هدفه صرف الأنظار عن فشل السيسى ونظامه الانقلابى    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة فى قنا    مؤسس صفحة «أطفال مفقودة» يكشف تفاصيل العثور على توأم كفر الزيات بعد 32 عامًا (فيديو)    وجد جثمانها في مقلب قمامة.. قصة طفلة سودانية شغلت الرأى العام    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    فتوى تحسم جدل زاهي حواس حول وجود سيدنا موسى في مصر.. هل عاصر الفراعنة؟    أشرف زكى: "هناك نهضة فنية فى معظم الدول العربية لكن لا يزال الفن المصرى راسخًا فى وجدان الأجيال"    رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم يشهد الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 أبريل في محافظات مصر    أستاذ بجامعة عين شمس: الدواء المصرى مُصنع بشكل جيد وأثبت كفاءته مع المريض    مفاجأة صادمة.. جميع تطعيمات كورونا لها أعراض جانبية ورفع ضدها قضايا    «جامعة القناة» تُطلق قافلة طبية لحي الجناين بمحافظة السويس    ندى ثابت: مركز البيانات والحوسبة يعزز جهود الدولة في التحول الرقمي    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. انهيارات جليدية وأرضية إثر أمطار غزيرة شمالي الهند.. عائلات الأسرى لنتنياهو: لقد سئمنا.. شهداء وجرحى فى غارات إسرائيلية على غزة والنصيرات بقطاع غزة    النيابة تنتدب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق شب داخل مطعم مأكولات سوري شهير بالمعادي    حكم الشرع في الوصية الواجبة.. دار الإفتاء تجيب    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    رسميا.. بدء إجازة نهاية العام لطلاب الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية بهذا الموعد    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    كوافيرة لمدة 20 سنة حتى الوصول لمديرة إقليمية بأمازون.. شيرين بدر تكشف التفاصيل    «المقاطعة تنجح».. محمد غريب: سعر السمك انخفض 10% ببورسعيد (فيديو)    مصطفى عمار: القارئ يحتاج صحافة الرأي.. وواكبنا الثورة التكنولوجية ب3 أشياء    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    مصدران: محققون من المحكمة الجنائية الدولية حصلوا على شهادات من طواقم طبية بغزة    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    «هربت من مصر».. لميس الحديدي تكشف مفاجأة عن نعمت شفيق (فيديو)    بعد اعتراف أسترازينيكا بآثار لقاح كورونا المميتة.. ما مصير من حصلوا على الجرعات؟ (فيديو)    ما رد وزارة الصحة على اعتراف أسترازينيكا بتسبب اللقاح في جلطات؟    تعيين إمام محمدين رئيسًا لقطاع الناشئين بنادي مودرن فيوتشر    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 30/4/2024 في مصر    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    تقديم موعد مران الأهلى الأخير قبل مباراة الإسماعيلى    خليل شمام: نهائى أفريقيا خارج التوقعات.. والأهلى لديه أفضلية صغيرة عن الترجى    بالرابط، خطوات الاستعلام عن موعد الاختبار الإلكتروني لوظائف مصلحة الخبراء بوزارة العدل    خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله -(فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اقرأ.. بقلم الآنسة أم كلثوم
نشر في التحرير يوم 03 - 02 - 2015

في ذكرى رحيلها التي تحل غدًا، وبعد أن مر على غيابها 40 عامًا، نكشف لك عزيزي القارئ وجه أم كلثوم الآخر الذي لم يعرفه الكثيرون.
فتلك الأسطورة التي ملأت المسارح وهجًا، وأشجت الأسماع بصوتها الرخيم، وأسرت القلوب بشخصيتها الفذة، كانت تمتلك موهبة أخرى غير الغناء.. فهي صاحبة قلم رشيق، تتقن صياغة الجمل، وتجيد فن التعبير. كل من اقترب منها من أصحاب الأقلام أشاد بقدراتها، وأقسم أنها يمكن أن تكون صحفية بارعة، فقط تعطي لموهبتها الفرصة.. لكن كوكب الشرق اختارت منذ البداية الغناء، ووهبت حياتها للموسيقى وحسنًا فعلت.
العشق مش بالكلام
لم تكن ثومة تهوى الكتابة فقط، أو تعشق الاقتراب من الصحفيين وأصحاب الأقلام الذهبية، لكنها كانت تعشق الصحافة بوجه عام، وتغير على الصحافة العربية، وتدعمها بكل ما أتاها الله من حب.
فيحفظ لها التاريخ مواقف نبيلة ساندت فيها الصحافة المصرية، كان من أهمها تشجيعها للكاتب الصحفي محمد التابعي على إصدار مجلة "آخر ساعة" ومتابعتها لكل مراحل المشروع، وإصرارها على الحصول على نسخة من الإصدار الاول في يوليو من عام 1934 قبل طرحه في الأسواق بأربعة وعشرين ساعة لأنها كانت مسافرة إلى باريس ولن تنتظر حتى تأتيها النسخة بالبريد بعد أيام.
لم يكن موقف أم كلثوم مع التابعي الوحيد الذي يبرهن على غرامها بالصحافة، لكن هناك أيضًا موقفها مع مصطفى أمين حينما كان يؤسس لأخبار اليوم، حيث تبرعت له ب 18 ألف جنيه لتأسيس الدار والجريدة، وطلبت منه أن يظل الأمر سرًّا، ولكن أمين باح بالسر بعد سنوات.
أم كلثوم تكتب
من فرط عشقها للكتابة، مارستها أم كلثوم من وقت لآخر على صفحات جريدة أخبار اليوم، وكانت أول مرة على صفحات العدد الثالث من الجريدة - الذي صدر بتاريخ 25 نوفمبر 1944- بمقال تحت عنوان "حينما أغني" الذي تصدره عبارة " بقلم: الآنسة أم كلثوم وكتبت فيه:
غنيت وأنا طفلة صغيرة، لا أعرف من أمور الدنيا إلا ما يعرفه الأطفال، غنيت وأنا لا أشعر بما أقول، ولا أحس بحلاوة النغم في فمي، ولا أعرف بهزة الطرب في قلبي، وكنت إذا صفق الناس عجبت، وساءلت نفسي: لماذا يصفقون؟!.
وهكذا لا أستطيع أن أقول إننى عشقت الغناء طفلة، أو أن أدعي أنني كنت أردد القصائد والموشحات بدلاً من البكاء. لقد غنيت ل"القمة" لا ل "النغمة".. غنيت لأعيش، لا للفن ولا لآلهة الفن الجميل. وعندما كنت طفلة أغني في الأفراح، كانت أمنيتي أن تحدث مشاجرة واحدة على الأقل بين المدعوين، أو بين أصحاب الفرح، لأتفرج، وأستريح من عناء المغنى! والليلة المتعبة عندي هي التي تمر بسلام، فلا يحدث فيها ضرب، ولا يقع جري، ولا ترتفع فيها الكراسي في الهواء، ولا تتكسر الفوانيس على رؤوس المدعوين، ففي مثل تلك الليلة الهادئة كنت أضطر أن أكرر القصيدتين الوحيدتين اللتين كانتا كل محصولي في تلك الأيام! كنت أصعد إلى المسرح لا يهمنى شيء، ولا أبالي بشيء، ولا يخيفني شيء.. وأي شيء يخيف طفلة صغيرة لا تعي ما تفعل، ولا تفهم كلمة واحدة مما تقول.
وكبرت وبدأ حظي يكبر معى، وبدأت " تذوق الفن"، عند ذلك بدأت أتهيب المسرح، وأرهبه، وأخشاه، وأشعر كلما غنيت أنني مقبلة على امتحان رهيب، وأن المستمعين هم أولئك الممتحنون الذين لا يرحمون، ولا يتساهلون، ولا يقبلون عقد امتحان ملحق للراسبين.
وقد يحدث أحيانًا أن أذهب إلى حفلة من الحفلات، وأنا على تمام الاستعداد لها، مزاج رائق، وصحة طيبة، فلا أكاد أفتح فمي للغناء حتى أتمنى لو أخذوا مني كل ما أملك، وعتقوني لوجه الله.. ولا أغني. وفي بعض الليالي، قد تكون صحتي ليست على ما يرام، ومزاجي لا يصلح للغناء، وإنما أذهب لأداء واجب، فلا أكاد أفتح فمي حتى تترقرق دمعة في عيني، وتظل حائرة، ثم لا ألبث أن أنسى الناس وأغني لنفسي، وقد أفتح عيني وأنظر للجمهور ولكننى لا أراه! أتصور المكان وليس فيه أحد سواي، لا أسمع أصوات التصفيق، ولا صيحات الاستحسان، فإذا كررت مقطعًا فإنما أكرره لأنني أريد ذلك، لا لأن صوتًا ارتفع يقول لي: "كمان". في مثل هذه اللحظات أغني وأنا أحلم، وتصبح القطعة الغنائية قطعة من قلبي، فإذا قلت "سافر حبيبي" فإنني أتخيل أن لي حبيبًا، وأنه أسلمني للألم والعذاب.
وإذا أنشدت "غنى الربيع" أحسست أن الدنيا كلها ربيع يغني: الأطيار تغني، والأشجار تورق، والوجوه تبتسم، والنسيم يراقص الغصون على أنغام الطير، وأرى الورد نعسان حقاً، والكون يشاركني فرحي، والجو يعني "كل لحن بلون".. ثم أتلفت وأبحث عن الحبيب الذي تخيلته فلا أجده، وأشعر أنه غاب عن قلبي الحائر، وأناديه: "كلمني"! وأذكره بالماضي الذي أعيش فيه، وأقول له: "طمني"، وأسأله عن حال فؤاده.
هل قسا وأنا صابرة؟ هل غضب وأنا راضية؟ ثم أنظر حولي فإذا أنا وحيدة حقًّا، وإذا الأزهار جفت فوق الغصون، وإذا الشمس غابت من أفق الأحلام، وإذا الأرض صحراء جرداء لا فيها زرع ولا ماء. وفي بعض الليالي أنتهي من غنائي وكأنني أنتهي من حلم، فيوقظني تصفيق الجمهور في نهاية المقطوعة، فأحس بالرعدة في جسمي، وأشعر شعور النائم حين يستيقظ بعد حلم رائع ويتمنى لو أنه لم يفتح عينيه، وعاش إلى الأبد في ذلك الحلم الجميل! وهناك ليلة في عمري لا أنساها، تختلف عن كل ليالي حياتي، ليلة أن غنيت في النادي الأهلي، وكانت ليلة العيد، وأقبل الملك فاروق.
مفاجأة.. أحسست عندئذ أن في قلبي عيدًا سعيدًا، وأن في قلبي موسيقى تعزف بأعذب الألحان. وأحسست في الوقت نفسه برهبة، وخوف. وحرت ماذا أغني في حضرة المليك؟! ورحت أغنى.. ولم أشعر بشيء بعد ذلك، ولم أعرف أنني أجدت، ولم أعرف أنني فشلت. بعد ذلك بأيام كنت في محطة الإذاعة، أسمع الشريط الذي سجلت عليه أغاني الحفلة، فأغمضت عيني، ورحت أسمع، ولم أتمالك نفسي، فوجدتني أصيح: الله.. يا أم كلثوم!
أم كلثوم تكتب عن النرفزة
كررت أم كلثوم التجربة مرة أخرى في مقال ثان نشر على صفحات مجلة آخر ساعة مجلة آخر في العدد 849 بتاريخ 31 يناير 1951 حكت فيه أم كلثوم عن مواقف عدة تعكس وجهة نظرها فيما هو دائر من حلوها فكتبت تحت عنوان "موسم النرفزة"..
ألم تلاحظوا أن كل إنسان في مصر أصبح عصبياً هذه الأيام؟ الوزراء عصبيون، والصحفيون أشد عصبية من الوزراء، والزعماء "متنرفزون" والشعب أكثر نرفزة من الزعماء، والنساء ساخطات، والرجال غاضبون، والإضرابات في كل مكان، وكل إنسان في مصر يقول: "شكل للبيع"!.
وليس السبب في كل هذا الغلاء كما تصر الصحف، ولا السبب الحركات الشيوعية، المفاوضات والخلافات الحزبية.. ولكن اكتشفت السبب الوحيد في كل ما نراه الآن من عصبية الشعب المصري هو التليفون!.
تصور مثلاً وزير التجارة يستيقظ في الصباح ليشرف على حالة الغلاء.. ويسأل عن صحة البرتقال والسكر والزيت! ويطلب الوزير في التليفون وكيل وزراء التجارة، فيرد عليه حلاق صحة السيدة زينب ويتنرفز وزير التجارة ويعود ليطلب رقم الوكيل فيرد مستشفى رعاية الأطفال في إمبابة!.
ويضرب وزير التجارة السماعة بشدة ويعود فيطلب نمرة وكيل التجارة.. وهنا يسمع رداً متقطعاً، وأزيزاً متواصلًا.. ثم صراخاً في الأسلاك، ثم طقطقة في السماعة.. فإذا تحمل الوزير كل هذا ولم يصب بالإغماء، جاءت النمرة مشغولة! وتزداد عصبية وزير التجارة ويعود إلى طلب الرقم من جديد، فإذا الوكيل لا يرد، ويعجب الوزير كيف أن الوكيل ليس في مكتبه، فيزداد عصبية، ويطلب سكرتير الوكيل، وبعد أن ينقطع التليفون سبع مرات، يعلم أن الوكيل موجود في مكتبه من الصباح الباكر، فيطلب أن يحادثه، فيحول له السكرتير "السكة"، ثم يسمع الوزير صوت الوكيل، وهو يبدو من بعيد كأنه وزير تجارة مراكش يتكلم مع وكيل وزارة الصين!.
ويصرخ الوزير ليسمعه الوكيل، ويتنرفز الوزير والوكيل والسكرتير الذي يتدخل كل خمس دقائق في الحديث ليصلح السكة، وليتوسل لسنترال الوزارات ألا يقطع محادثة معالي الوزير.. ويهدأ الجو. وتنتظم المحادثة، ويبدأ الوزير في ذكر ما يريد أن يقول للوكيل.. وفجأة، يدخل صوت في التليفون ويصيح:
أنا أبوعوف.. أنا أبوعوف.. عم محمد البقال موجود؟
ويصرخ وزير التجارة: عم محمد مين يا جدع!
ويتدخل السكرتير ويقول: إنت بتتكلم مع وزير التجارة، ويقول الصوت ببرود عجيب: خلي محمد البقال يكلمني يا وزير التجارة!.
ويتنرفز الوزير والوكيل والسكرتير، وأبوعوف أيضاً، ويذهب الوزير إلى مكتبه وأعصابه فوق جلده والعصبية تركب السيارة معه بجوار السائق بدلاً من الساعي!.
ويدخل الوزير مكتبه بهذه الحالة، فيتخانق مع التجار، ويتشاجر مع المستهلكين، ويختلف مع الموظفين.. ويزداد الغلاء!.
ووزير الخارجية كذلك... يبدأ صباحه مبكراً، فيتكلم في التليفون مثلاً طالباً سفير إيطاليا.. وبعد أن يقول له: "هاو دو يو دو؟" وأهلاً بحلفائنا الأعزاء، يكتشف أن هناك لخبطة في الخط، وأن الذي يرد عليه هو سفير روسيا. ولما كنا ضد الشيوعية، فإن الوزير يسرع ويقفل السكة. ثم يعود الوزير فيطلب رقم السفير البريطاني، وإذا الذي يرد عليه هو حانوتي باب الخلق!! ويسأله الوزير عن موعد الجلاء مثلاً، فيجيبه "الساعة الثالثة من ميدان الإسماعيلية". ويحاول الوزير عبثاً أن يتصل بمكتبه، ولكن المكتب لا يرد، ثم يرد المكتب، ثم تنقطع المحادثة، ويتنرفز الوزير، ويذهب إلى مكتبه عصبياً، فيتخانق مع سفير بريطانيا، وأمريكا، وروسيا، وسفير اليمن أيضاً... وتخرج الصحف تقول إن علاقتنا مع الدول كلها سيئة.. وهي لا تعرف أن المسؤول التليفون!.
وزير المالية هو الآخر ضحية مصلحة التليفونات..
يطلب مثلاً نادي رجال البوليس، ليبلغهم سراً أنه قرر زيادة مرتباتهم، و"ما تقولش لحد"، فتختلط المحادثة بتليفون نادى الأطباء، فيطالبون هم الآخرون بإنصافهم.. فيحاول أن يبلغهم تليفونياً أنه أجاب طلباتهم.. "وما يقولش لحد".. فتختلط السكة بخط نقابة المهندسين.. ويسمعون المحادثة.. فيثور المهندسون ويطالبون بإنصافهم.
ويطلب الوزير مثلاً شركة سعيدة ليبلغها أنه قرر منحها إعانة مالية، فيظهر أن النمرة التي جاءت هي نمرة مشيخة الأزهر، ويقول الوزير: سعيدة.
فيرد شيخ الأزهر: سعيدة.
ويبلغ المشايخ البشرى.
ثم تصدر وزارة المالية بلاغاً تكذب فيه أنها قررت إعانة الأزهر، فيقوم العلماء ولا يقعدون، ويعرفون مسألة إعانة شركة سعيدة ويقولون إن الإعانة تكفي لإنصاف الأزهر والمعاهد الدينية وهيئة كبار العلماء!.
ويتنرفز وزير المالية وتتنرفز معه الميزانية وتضرب الطوائف.. وأنا شخصياً ضحية التليفون، وما أنا إلا فرد من هذا الشعب العصبي، أستيقظ في الصباح نشيطة متمتعة بكامل صحتي. وأمسك سماعة التليفون فإذا بأعصابي تتحول إلى شبكة تلفزيونية ملخبطة.. أسمع وزا، ثم يعود الوز، ثم يختفي كأنه يلعب معى لعبة "حاورينى يا طيطة"!.
وأعيد السماعة إلى التليفون وأبدأ في تهدئة أعصابي وإقناع نفسي بأن أزمة التليفون ستحل بعد سنتين كما تبشرنا الصحف، ثم أمسك السماعة فأسمع الوز فأفرح، وأسرع فأدير قرص التليفون بالرقم الذي أريده.
وفجأة يسكت التليفون.. فأضع السماعة وأبدأ من جديد، وبعد خمس وعشرين محاولة تقريباً، أنجح في إدارة الرقم الذي أريده، وإذا بالكهرباء تتوقف ثم أسمع الجرس يدق.
وأقول: هالو.
ويقول صوت: هالو مين؟
أقول: أنت عاوزة مين؟
يقول: إنت عاوزة مين
أقول: انت اللي طلبتني
يقول: أبداً انت اللي طلبتني..
ويفقد الصوت أعصابه فجأة، ويقول: يا ستي انت اللي طلبتي.. إحنا ناس مشغولين.. إحنا ناس متجوزين.. ما تجيبلناش مصيبة ع الصبح!.
وأتضايق وأشتمه، ويشتمنى، وأتنرفز ويتنرفز.. ويتنرفز الشعب المصري الحليم!.
وأعالج نفسي بالأدوية المهدئة.. ثم أمسك التليفون وأطلب صديقتي، فترد على بعد طلوع الروح! وما أكاد أقول: صباح الخير.. حتي يرد علي سبعة أشخاص في وقت واحد. وأسمع صوتاً يقول: إقفلي السكة! وصوتاً ثانياً يقول: يا محمد أفندي ما تنساش الفراخ، وصوتاً ثالثاً يصرخ: ده بقى راديو مش تليفون، وصوتاً رابعاً يصرخ: ياالدلعدي خلينا نتكلم! ......... وصوتاً خامساً يقول: بعتوا القطن بكام؟ فيرد سادس ويقول: وانت مالك يا بارد، اسمع يا محمد أفندى، ما تنساش الفراخ! فيصيح سابع بحالة عصبية: اقفلوا السكة خلينا نتكلم! ويشترك السبعة في مناقشه حادة. وتنتهي بأن يشتموا بعضهم البعض ويقفلوا التليفون.. عصبيين.. متنرفزين.. غاضبين.. مضربين. وهكذا تعودت الآن أنني إذا طلبت رقماً في التليفون لا أقول "هالوه"، وإنما أقول: سيداتي... سادتي!.
شخصيتنا.. يجب أن تسيطر على فنوننا
هذا هو عنوان المقال الثالث لام كلثوم والذي نشر على صفحات الأهرام في 14 أكتوبر 1962 كتبت فيه عن رؤيتها الفنية، فكتبت:
أرحب كل الترحيب بمعاهدنا الفنية؛ القديم منها والجديد، فعندنا المعهد العالي للفنون المسرحية، والمعاهد الموسيقية، ومعهد الباليه، ومعهد الشعبية، وأخيراً معهد السينما والمعهد القومى العالي للموسيقى "الكونسرفتوار". إن هذه المعاهد قد أنشئت، وهدفها محو الأمية من ميادين الفن، ومما لا شك فيه أن محو الأمية هدف قيم، تتطلبه طبيعة التطور من ناحية وواجبنا القومى من ناحية أخرى.
أما المعهد العالي للفنون المسرحية والمعاهد الموسيقية فقد أدى وتؤدي ما عليها نحو بلادنا في هذه الفترة الدقيقة من حياتنا، هذه الفترة الثائرة التي تجتازها جمهوريتنا العربية الطامحة التي نريد أن تثبت مجالها في الميادين الفنية العالمية، بعد أن أكدت ثورتنا شخصيتنا الدولية في المجال العالمي.
قصص حياتنا تنافي فن الباليه وأريد أن أقول إن فن الباليه الذي بدأت تباشيره تظهر في محيطنا الفني، لابد وأن يتجه نحو قصصنا، فالباليه يعتمد على القصص المستمدة من الأساطير والتاريخ ومن الماضي والحاضر، ومستقبل فن الباليه عندنا يجب أن يعتمد على حياتنا.. على تاريخنا.. وألا نعيش عالة على غيرنا.. ولا نقلد سوانا، وإلا كان الباليه العربي اسمًا لا فعلًا.
أما عن الأغاني عندنا هذه الأيام، فأؤكد أنها في أحسن حالاتها، وهى أحسن من ذي قبل، غير أن هناك بعض الأغاني الرخيصة الهابطة، سواء في كلماتها أو في ألحانها، وأرجو أن تتكتل جهود الموسيقيين العازفين والملحنين والمؤلفين والمغنين لجعل الأغنية بعيدة عن الرخص والهبوط والتفاهة.
مستقبل الأغنية والإطار العلمي وأوكد أن مستقبل الأغنية سيكون معتمداً على الإطار، وهذا الإطار هو "العلم"، العلم الذي يشمل كل ما له صلة بالأغنية من أداء صوتي وتلحين وتأليف وعزف وتوزيع.
ويدفعني الحديث عن التوزيع الموسيقي إلى القول إن بلادنا هي الوحيدة الشاذة التي يعتمد فيها الملحنون على غيرهم عندما يوزعون ألحانهم.. في الغرب يعتمد كل ملحن على نفسه في توزيع ألحانه، لأن العلم قد فتح له أبواب التوزيع الموسيقي، ويمكن للكونسرفتوار وغيره من المعاهد الموسيقية التي تعتمد على العلم، أن تفتح الطريق أمام الموسيقيين عندنا، لكي يقوموا بأنفسهم بتوزيع ألحانهم، فليس أقدر من الملحن نفسه على التوزيع الموسيقي لإنتاجه.
بعيداً عن الجري وراء الغرب وأؤكد مرة أخرى أن التطور الموسيقي الحقيقي يدفعنا إلى التمسك بروحنا وطابعنا وشخصيتنا في أي عمل من أعمالنا الفنية المتطورة، وبعيداً عن الجري وراء الغرب والانسياق في تياراته، لقد أكدنا بثورتنا شخصيتنا الدولية، فلتترسم فنوننا في تطورها هذا الاتجاه، ولتسيطر قوميتنا أولاً وقبل أي شيء على أهدافنا، لأن القومية هي رسالة بلادنا الطامحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.