في البداية أحب أنوه أن العنوان مأخوذ عن سلسلة حلقات أخرجها المخرج المصري محمد شبل حملت نفس الاسم، يمكننا أن نذكر هنا عدد لا حصر له من المخرجين المصريين المتميزين فمنهم على سبيل المثال «كمال الشيخ، حسين كمال، رأفت الميهي، حلمي حليم، عزالدين ذو الفقار، هنري بركات، توفيق صالح، حسن الإمام، داوود عبد السيد، يسري نصر الله، رضوان الكاشف، عاطف الطيب، خيري بشارة، محمد خان» وغيرهم ممن أثروا السينما المصرية بأفلام ذات قيمة فنية عالية. ولكن من بين كل هؤلاء، واحد فقط هو الذي استطاع بجدارة أن يقتنص لقب العالمي ، الوحيد الذي حاز على جائزة الإنجاز العام في مهرجان كان ثم جائزة فرنسوا شاليه من نفس المهرجان، إضافة إلى جائزة الدب الفضي من مهرجان برلين عن فيلم إسكندرية ليه عام 1979 . لماذا شاهين دون غيره، يقول البعض، أن الإنتاج المشترك هو السبب، أو أن علاقاته الفنية الوثيقة بينه وبين عدد من نجوم صناعة السينما كانت السبب في إنتشاره عالميا ولكن ما هو رأي النقاد في الأمر؟ يقول الناقد السينمائي الكبير محمود عبد الشكور: إن شاهين مخرج عالمى لسببين: أولهما أن أفلامه فيها تلك البصمة الخاصة مع إرتفاع عناصر الفيلم الفنية، وثانيهما لأنه كان حريصًا علي أن يرى العالم هذه الأفلام رفيعة المستوى، ليس صحيحًا أنها مسألة علاقات وإنتاج مشترك مع الأوربيين، ولكنه بالأساس تميز فنى، بصمة خاصة وشخصية. يضيف عبد الشكور: كما أن أفلام شاهين تعبر عن قيم إنسانية عامة ولا تعبر فقط عن شخصيته القلقة، إنها كما وصفتها سينما الإنسان ولو مالوش عنوان ، سينما الحننين إلى الحب والحرية والتسامح، شاهين هو أبن الإسكندرية عندما كانت مدينة كوزمبوليتانية ، وأفلامه تجسد معنى التعددية والتسامح، هذه قيم عامة تؤثر بالذات فى المجتمعات الأوربية، ولا توجد مثل أفلام شاهين معبرًا عنها وسط إنتاج السينما المصرية. ويؤكد شاهين نفسه بأعماله ما قاله الناقد الكبير محمود عبد الشكور، حيث على سبيل المثال لو بحثنا في تاريخ السينما المصرية عن فيلم تناول المهمشين المقيمين حول عالم السكك الحديدية، فلن نجد سوى باب الحديد وهو الفيلم نفسه الذي ناقش أزمة النقابات العمالية. وأيضًا فلنعيد مشاهدة فيلم عودة الأبن الضال كيف استطاع شاهين أن ينتقم للجيل الذي ناصر ثورة يوليو ثم ظلمته الثورة، وظلمت نفسها وظلمت أمة بأسرها في هزيمة 1967، بل ووقفت الثورة عائقا أمام أحلام الجيل الذي تلاه، كيف استطاع شاهين أن يقول أن المطلوب فعله هو أن نمضي إلى الأمام دون أن ننظر إلى ما تركناه ورائنا كي نستطيع أن نصل إلى القمر. حتي في رباعية السيرة الذاتية لا تجدها منصبه على حياة يوسف شاهين و ما رأه فحسب، بل إن ما عاشه ورأه هو مجرد مدخل وبوابة يدخلنا منها شاهين لرصد و تشريح للمجتمع المصري والتغيرات التاريخية والإجتماعية والإقتصادية التي عاشها هذا المجتمع، بشكل غاية في الخصوصية والتفرد. وحينما قسم شاهين حياته إلى أربعة أجزاء في أربعة افلام وقدم في فيلمه اسكندرية كمان وكمان رؤية خاصة وجديدة للطموح و الحلم و الفكرة، وأيضا ناقش تلك المرحلة الهامة في حياته وهي نهاية السبعينات والثمانينات، بل أنه نقد نفسه نقدًا ذاتيًا شديد اللهجة خلال الفيلم. وهو الأمر الذي تكرر أيضا في الجزء الرابع اسكندرية نيويورك حينما أفرد مساحة مطولة للحديث عن علاقته كسينمائي مصري بالبلد التي يعتبرها العالم أم السينما أمريكا ، وهي البلد التي تعلم فيها الفن ليعود ليكون اسطورته عبر سنين طويلة. ربما كان السبب الحقيقى في وصول يوسف شاهين للعالمية هو وعيه وإحساسه الزائد بما يحدث حوله حتى وإن لم يستطع تحليله بالمنطق العقلاني، فبوصلة شاهين دائما هي قلبه، التي تشير له على الطريق الواجب سلوكها.