إذا أردت أن تفهم ما صنعه امتزاج الحضارات المتعاقبة بالشخصية المصرية، وتحديدًا في مجال الفن، فعليك بمشاهدة أعماله، ولد في منزل يتحدث 4 لغات، ومن أصول لبنانية، ولد في مثل هذا اليوم 25 يناير عام 1926، درس في مدرسة "سان مارك" بالإسكندرية، ثم أكمل دراسته في مدرسة" كلية فيكتوريا"، وكان أحد زملاء دراسته المخرج الكبير الراحل توفيق صالح، سافر إلى أمريكا لدراسة المسرح، ولكنه عاد ليصبح أسطورة سينمائية خالصة، عاد ليصبح يوسف شاهين. في البدء كانت السينما عمل يوسف شاهين بعد عودته إلى مصر مساعدًا للمخرج الإيطالي فريونتشو في فيلم "امرأة من نار"، الذي عرض عام 1950، بطولة كاميليا ورشدي أباظة، وفي العام نفسه وبمساعدة المصور السينمائي ألفيزي أورفانيللي الذي ساعده في دخول عالم السينما، أخرج شاهين أول أفلامه، وهو فيلم "بابا أمين"، من تأليفه بالاشتراك مع السيناريست الكبير على الزرقاني، وبطولة فاتن حمامة وكمال الشناوي وهند رستم وحسين رياض وماري منيب وفريد شوقي، يكفي أن تعرف أن شاهين منذ أول أفلامه وهو في صدام مع الرقابة حيث اعترضت الرقابة على قصة الفيلم الذي يتحدث عن رجل يموت وتظل روحه تشاهد مصير عائلته بعد وفاته وما تسببت أفعاله من ضرر لها. كان اعتراض الرقابة منصبًا على نهاية الفيلم التي تشير إلى وفاة الرجل، مما دفع شاهين لتغيير النهاية ليصبح ما اعتبره البطل وفاة كان مجرد حلم يستيقظ منه ليعيد جميع الأمور إلى نصابها، كما أقنع يوسف شاهين سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة بالغناء في الفيلم، وهو الأمر الذي لم يتكرر مرة أخرى مع أي مخرج آخر. وفي 1951، قدم شاهين أولى بطاقات تعارفه عالميًّا، حينما أخرج فيلم "ابن النيل" من تأليفه وشاركه في الكتابة نيروز عبدالملك، وكان بطولة فاتن حمامة شكري سرحان ويحيى شاهين، وهو الفيلم الذي شارك في مهرجان كان عام 1952. وقدم بعدها جو عددًا من الأفلام التي أكدت في كل مشهد من مشاهدها أننا أمام مخرج من المقدر له أن يكون مختلفًا، امتلك الجرأة و الطموح والأدوات التي تؤهله للذهاب بالسينما المصرية بعيدًا، فقدم في عام 1952 فيلم "سيدة القطار" بطولة ليلى مراد ويحيى شاهين، وقدم في العام نفسه فيلم "المهرج الكبير" من تأليفه وحوار محمود إسماعيل وبطولة فاتن حمامة ويوسف وهبي، وقدم عام 1953 فيلم "نساء بلا رجال" الذي شاركه في كتابته نيروز عبدالملك، بطولة ماري كويني وهدى سلطان وعماد حمدي وكمال الشناوي، وفي عام 1954 قدم ثاني أفلامه التي عرضت مهرجان كان، وهو فيلم "صراع في الوداي"، من تأليف على الزرقاني وحلمي حليم، وبطولة عمر الشريف وفاتن حمامة وزكي رستم وفريد شوقي وعبدالوارث عسر وعبدالغني قمر، وفي العام نفسه قدم فيلم "شيطان الصحراء"، من تأليف حسين حلمى المهندس، وبطولة مريم فخر الدين وعمر الشريف، وفي عام 1956 قدم فيلم "صراع في الميناء"، بطولة عمر الشريف و فاتن حمامة وأحمد رمزي، كما قدم في العام نفسه من تأليف السيد بدير فيلم "ودعت حبك" بطولة فريد الأطرش وشادية، وفي عام 1958 قدم من تأليف أبو السعود الإبياري فيلم "أنت حبيبي" بطولة فريد الأطرش وشادية وهند رستم. نقطة تحول أما عام 1958 الذي شهد التأكيد الأكبر على اختلاف وعبقرية يوسف شاهين، فقدم فيه واحدًا من روائع السينما المصرية على الإطلاق وهو فيلم "باب الحديد" من تأليف عبدالحي أديب وحوار محمد أبو يوسف، وهو الفيلم الذي يعد نقله نوعية مختلفة في سينما شاهين، ومن بطولته بالاشتراك مع هند رستم وفريد شوقي وحسن البارودي. قدم بعدها شاهين في عام 1959 فيلم "حب الى الأبد" تأليف محمد أبو يوسف ووجيه نجيب، وبطولة أحمد رمزي و نادية لطفي ومحمود المليجي، وفي عام 1960 قدم يوسف شاهين ثلاثة أفلام الأول هو "جميلة" من تأليف على الزرقاني ونجيب محفوظ، وبطولة ماجدة ورشدي أباظة وزهرة العلا وصلاح ذو الفقار وحسين رياض وصلاح نظمي، وفيلم "بين إيديك" سيناريو وجيه نجيب، وبطولة ماجدة وشكري سرحان وعبدالفتاح القصري وزينات صدقي، وفيلم "نداء العشاق" تأليف وجيه نجيب و عبدالحي أديب، وبطولة شكرى سرحان وبرلنتي عبدالحميد وفريد شوقي، ليقدم بعدها في عام 1961 فيلم "رجل في حياتي" تأليف وجيه نجيب وعبدالرحمن الشرقاوي، وبطولة سميرة أحمد وشكري سرحان. وفي عام 1963 قدم شاهين واحدًا من أكثر أفلامه شهرة وجماهيرية، وهو فيلم "الناصر صلاح الدين" الذي شهد وجود جمع من أكبر الكتاب وقتها لكتابته ضم يوسف السباعي لكتابة القصة، والمعالجة السينمائية كتبها نجيب محفوظ وعز الدين ذو الفقار ومحمد عبدالجواد، والسيناريو كتبه عبدالرحمن الشرقاوي ويوسف شاهين أما الحوار فكان لعبدالرحمن الشرقاوي ويوسف السباعي، وكما شهد الفيلم كل هذا الحشد من الكتاب، شهد حشدًا أكثر زخمًا من النجوم حيث شارك في الفيلم "أحمد مظهر وصلاح ذو الفقار وحمدي غيث وليلى فوزي ونادية لطفي وحسين رياض وعمر الحريري وليلى طاهر ومحمود المليجي و زكي طليمات وتوفيق الدقن وصلاح نظمي والموسيقار محمد سلطان وفتوح نشاطي وأحمد لوكسر وكنعان وصفي وإحسان الشريف". وفي عام 1964 قدم شاهين فيلم "فجر يوم جديد" من تأليف عبدالرحمن الشرقاوي وسمير نصري، وبطولة سناء جميل ويوسف شاهين والوجه الجديد وقتها سيف الدين الذي عرف بعد ذلك باسم سيف عبدالرحمن، ويعد هذا الفيلم الأخير لشاهين في مصر قبيل فترة الهجرة المؤقتة التي قضاها في لبنان هربًا من مضايقات النظام الناصري، حيث كان شاهين عرضة للاعتقال في أي وقت بسبب مواقفه المناهضة لسياسة النظام الناصري. وفي لبنان كان من الطبيعي أن يلتقي شاهين بجارة القمر فيروز ليقدم معها فيلم "بياع الخواتم" عام 1965، تأليف الأخوين رحباني بالاشتراك مع صبري شريف، ثم قدم بعدها فيلم "رمال من ذهب" عام 1966، وهو الفيلم الذي عرض جماهيريًّا في مصر عام 1971، من بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف، وقد لاقي الفيلم هجومًا شديدًا من النقاد لعدم رضاهم عن مستواه. عاد شاهين إلى مصر عقب نكسة يونيو 1967 ليقدم فيلم "الناس والنيل" عام 1968، الذي يحكي قصة بناء السد العالي، ثم قدم شاهين بعده واحدًا من أهم أفلام السينما المصرية على الإطلاق وهو فيلم "الأرض" عام 1970 عن رواية عبدالرحمن الشرقاوي التي حملت نفس الاسم، وسيناريو وحوار حسن فؤاد، وبطولة محمود المليجي وعزت العلايلي ونجوى ابراهيم وعلى الشريف وصلاح السعدني وحمدي أحمد ويحيى شاهين، وهو الفيلم الذي رشح لنيل جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي الدولي. وفي عام 1971، قدم شاهين "الاختيار" وشاركه التأليف الأديب العالمي نجيب محفوظ، وكان بطولة سعاد حسني وعزت العلايلي وسيف عبدالرحمن ومحمود المليجي وهدى سلطان وسعد أردش وعلى الشريف، وهو الفيلم الذي حصل جائزة التانيت الذهبية من مهرجان قرطاج السينمائي. أما في عام 1972 فكانت رائعته "العصفور" الذي كتبه لطفي الخولي، وقام ببطولته محسنة توفيق ومحمود المليجي وصلاح قابيل وسيف عبدالرحمن وعلى الشريف ونظيم شعراوي، وهو الفيلم الذي رفضت الرقابة عرضه فور الانتهاء منه وأجلته حتى عام 1974. وفي عام 1976 قدم شاهين فيلم "عودة الابن الضال" وشاركه الكتابة صلاح جاهين، وقام ببطولته هشام سليم وماجدة الرومي ومحمود المليجي وشكري سرحان وهدى سلطان وأحمد محرز وسهير المرشدي ورجاء حسين وعلى الشريف، وهو الفيلم الذي عبر فيه شاهين عن الصراع بين جيل أفرزته الثورة وانتهكته بكل السبل والوسائل، ولكنها حينما هزمت عام 1967 لم تجد غيره لينقذها مما أوقعت نفسها فيه. الإسكندريات في عام 1978 قدم شاهين الفيلم الأول من رباعية السيرة الذاتية وحمل اسم " إسكندرية.. ليه؟!" وهو من تأليف محسن زايد ويوسف شاهين، وحشد له شاهين عددًا ضخمًا من النجوم ، حيث شارك في الفيلم "محسن محيي الدين وعبدالله محمود ومحسنة توفيق ومحمود المليجي ونجلاء فتحي وفريد شوقي وعزت العلايلي وأحمد سلامة ويحيى شاهين ويوسف وهبي وأحمد عبدالوارث وعبدالعزيز مخيون وأحمد زكي وليلى فوزي وعقيلة راتب و يوسف وهبي ونعيمة الصغير وزوزو حمدي الحكيم وأسامة عباس"، وهو الفيلم الذي حصل على جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين عام 1979. وفي عام 1982 قدم ثاني أفلام السيرة الذاتية وهو "حدوتة مصرية" عن قصة يوسف إدريس، وبطولة نور الشريف ويسرا وماجدة الخطيب وسهير البابلي ومحسن محيي الدين ومحمد منير ورجاء حسين ومحمود المليجي وتوفيق الدقن وعبدالله محمود وسناء يونس". وبعدما صار إنتاج يوسف شاهين أقل أصبحت أفلامه بمثابة عيد لكل محبي السينما، فبعد توقف 3 سنوات قدم فيلم " الوداع يا بونابرت" عام 1985، وشاركه في كتابته المخرج والسيناريست يسري نصر الله، وقام ببطولته عدد من نجوم السينما الفرنسية بالإضافة إلى محسنة توفيق ومحسن محيي الدين وأحمد عبدالعزيز وصلاح ذو الفقار وحسن حسين وعبلة كامل وهدى سلطان وتحية كاريوكا وجميل راتب، وعلى الشريف وتوفيق الدقن وصلاح جاهين. وفي عام 1986 قدم فيلمه " اليوم السادس" مع النجمة العالمية داليدا، عن رواية للكاتبة الفرنسية أندريه شديد، وبطولة حمدي أحمد ومحسن محيي الدين ومحمد منير وحسن العدل وسناء يونس وصلاح السعدني"، وهو الفيلم الذي أعقبه فترة توقف استمرت 4 سنوات قدم بعدها شاهين ثالث أجزاء سيرته الذاتيه بعنوان "إسكندرية كمان وكمان"، الذي شاركه في كتابته سمير نصري ويسرى نصر الله، ومن بطولة كوكبة من النجوم " هشام سليم ويسرا وعمرو عبد الجليل والمخرج توفيق صالح وتحية كاريوكا وهدى سلطان وزكي فطين عبدالوهاب وحسن العدل وحسين فهمي وعبلة كامل"، وتناول الفيلم عددًا من القضايا منها إضراب الممثلين عام 1987، اعتراضًا على قانون رقم 103، الذي يتيح لنقيب الفنانين ترشيح نفسه لمدى الحياة، كما تناول الفيلم قصة هاملت لشكسبير وقصه أنطونيو وكيلوباترا، وقصه الإسكندر إضافة إلى علاقة شاهين بالفنان محسن محيي الدين، وهو الفيلم الذي فاز بجائزة أفضل تصوير في مهرجان القاهرة السينمائي. وفي 1994 يصطدم شاهين بالرقابة مرة أخرى من خلال فيلمه "المهاجر" الذي شاركه في كتابته أحمد قاسم، والذي يتناول قصة نبي الله يوسف، وهو ما تحايل عليه شاهين إرضاء للرقابة حينما كتب بالعربية في مقدمة الفيلم أنها قصة من التراث الإنساني، وثارت عاصفة ضد شاهين بزعامه الأزهر وعدد من التيارات الدينية التي كانت ترتع في البلاد وقتها وصلت لحد إهدار دمه، إلا أن شاهين كعادته انتصر في النهاية وعرض الفيلم الذي شارك في بطولته " محمود حميدة ويسرا وخالد النبوي وحنان ترك وسيد عبدالكريم وحسن العدل وحسن عبدالحميد وأحمد سلامة وأحمد فؤاد سليم وصفية العمري وعمرو عبدالجليل، والفنان الفرنسي ميشيل بيكولي". وفي عام 1997 قدم شاهين درته " المصير" الذي يروي قصة اضطهاد الفيلسوف الأندلسي ابن رشد، وشارك في الفيلم " محمود حميدة ونور الشريف وسيف عبدالرحمن وصفية العمري وخالد النبوي وروجينا وهاني سلامة وليلى علوي ومحمد منير وأحمد فؤاد سليم"، وهو الفيلم الذي عرض في مهرجان كان السينمائي وفاز شاهين وقتها بجائزة الإنجاز العام. وفي 1999 قدم شاهين فيلم " الآخر" بطولة نبيلة عبيد ومحمود حميدة ولبلبة وهاني سلامة وأحمد فؤاد سليم وحنان ترك وعزت أبو عوف وأحمد وفيق، وقد فاز شاهين عن الفيلم بجائزة فرنسوا شاليه من مهرجان كان السينمائي الدولي. وفي عام 2001 قدم شاهين فيلم "سكوت هانصور"، وهو الفيلم الذي واجه انتقادات شديدة لانخفاض مستواه عن باقي أفلام شاهين التي قدمها، واعترف شاهين بنفسه أنه أراد إخراج فيلم بسيط بدون حسابات فنية كبيرة، وشارك في الفيلم " لطيفة وروبي ومصطفى شعبان وأحمد بدير وزكي فطين عبدالوهاب". وفي عام 2004 اختتم شاهين رباعية السيرة الذاتية بفيلم " إسكندرية نيويورك"، الذي تناول فيه قصة علاقته بالولايات المتحدةالأمريكية منذ وصولها في نهاية الأربعينات للدراسة بأكاديمية باسيدينا للمسرح، وقدم فيه شاهين الفنان أحمد يحيى راقص البالية ممثلًا لأول مرة إضافة إلى محمود حميدة ويسرا ولبلبة وهالة صدقي وبشرى. وفي عام 2007 قدم شاهين آخر أفلامه الذي شاركه في إخراجه المخرج خالد يوسف "هي فوضى"، بطولة خالد صالح وأحمد فؤاد سليم ومنة شلبي وهالة فاخر ويوسف الشريف و درة. وفي عام منتصف يوليو 2008 دخل شاهين في غيوبية إثر إصابته بنزيف دماغي وتم نقله بطائرة إسعافات ألمانية إلى المستشفى الأمريكي بباريس إلا أن حالته الصحية استلزمت عودته للقاهرة، وظل في غيبوبة لمدة أسبوع حتى أعلنت وفاته في 27 يوليو 2008، ليخبو بريق الحياة في عين شاهين التي كانت تشع تحديًا وطموحًا، لتبقى أعماله دررًا خالدة في تاريخ السينما.