فى توقيت متزامن مع الاحتفال بعيد الشرطة صدر تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» عن السجون فى مصر، وفى الوقت الذى بكينا فيه ونحن نرى أسر شهداء الشرطة خلال الاحتفال، أطفالهم الصغار اليتامى، وزوجاتهم الشابات الأرامل، والآباء المحزونين المكلومين، والأمهات الثكلى اللاتى لم ولن تجف دموعهن، كانت المنظمة تقول فى تقريرها «إن عشرات المصريين وافتهم المنية فى أقسام الشرطة عام 2014، وتم احتجاز العديد منهم فى أماكن مكتظة داخل أقسام الشرطة فى ظروف تهدّد الحياة، ومع ذلك لم تتخذ السلطات أى خطوات لتحسين ظروف الاحتجاز أو التحقيق بشكل مستقل فى وفاة المحتجزين». كان المشهد مؤلمًا ونحن نرى الرئيس وهو يحتضن عددًا من أطفال الشهداء ويطلب منهم الصعود إلى المنصة والوقوف بجانبه وهى يلقى كلمته، فى إشارة أن الدولة لن تتخلَّى عنهم وأنها ستقدِّم لهم ما تستطيع من أجل إسعادهم، بعد أن قدَّم آباؤهم حياتهم فداءً للوطن. وفى المقابل كان كلام المنظمة محزنًا -إن كان صادقًا- يقول التقرير إن بعض المحتجزين وافتهم المنية بعد تعرضهم للتعذيب، أو سوء المعاملة الجسدية، ولكن بعضهم توفى نتيجة احتجازهم فى زنازين مكتظة للغاية أو لم يتلقوا الرعاية الطبية الكافية لعلاج الأمراض الخطيرة . امتلأت عيون المصريين جميعًا بالدموع وهى ترى الرئيس يُقبّل رأس أم أحد شهداء الشرطة، وكأنه يعتذر لها عن وفاة ابنها فى حادثة إجرامية خسيسة، كان يعزيها ويحنو عليها مؤكدًا أنه سيكون مثل ابنها، لن يتركها فى شيخوختها، ولن ينساها فى كبرها، وأن آلامها هى آلام المصريين جميعًا، وأن الوطن يقدر حجم تضحياتها العظيمة، هى وكل الأمهات اللاتى استشهد أبناؤهن دفاعًا عن البلد. وفى الوقت نفسه، كانت المنظمة تقول فى التقرير إنها وثَّقت 9 حالات وفاة فى السجن، بداية من منتصف عام 2013، بناءً على أدلة من أقارب ومحامى الضحايا، وإنها وصلتها رسالة مسرَّبة من أحد السجناء فى طرة يقول فيها إن أعضاء النيابة العامة زاروا السجن بشكل منتظم، ولكن رفضوا الاستماع إلى الشكاوى، وكل ما فعلوه إلقاء نظرة سريعة داخل السجن وتسجيل أسماء الموجودين بالزنازين وعدد الأسِرّة بها . وفى الاحتفال تأثَّر المصريون بوالد الشهيد الذى بكى فى حضن الرئيس وهو يسلمه وسام ابنه، كاشفًا أن حضن الوطن يسع جميع آباء الشهداء، وأن دماءهم لن ننساها مهما طال الزمن، فقد كانت الوقود الذى طهّر الوطن من رجس المتطرفين وأفعالهم التى تخالف الدين، كانت إشارة ذكية وحنونة بأنكم آباؤنا جميعًا ونقدركم ونحترمكم ونجلّكم كما كان يفعل أبناؤكم الشهداء، ولن نترككم أبدًا تعانون فى شيخوختكم بعد ما قدمتموه أنتم وأبناؤكم للوطن. وفى التقرير تقول المنظمة بدا أن السلطات المصرية راضية عن نفسها بشكل صارم فى مواجهة حالات وفيات المعتقلين الكثيرة للغاية، ويجب على السلطات ضمان التحقيق بشكل مستقل فى جميع حالات الوفاة، ومزاعم سوء المعاملة . صورتان فى الاحتفال بعيد الشرطة، الأولى تكشف عن التضحيات التى قدمتها الشرطة، والدماء الذكية التى سالت فى مواجهة الإرهاب، والثانية تلقى بظلال على الأولى، وتقلل من بهائها، ولذا من الضرورى الرد على تقرير هيومان رايتس بجدية والاستجابة إلى مطلبها الطبيعى بتشكيل لجنة مستقلة ومحايدة للتحقيق فى كل ما جاء بالتقرير ومحاسبة المسؤول عن الوقائع التى تثبت صحتها، أو كشف أكاذيب المنظمة التى تحاول تشويه ما تقدمه الشرطة، علمًا بأن التقرير لم يكتب شيئًا عن شهداء الشرطة، نعم هيومان رايتس تتبنّى مقولات الإخوان وتستمد معظم معلومتها من أعضاء الجماعة، ولكنها تتحدَّث عن وقائع محددة، ولهذا أتمنَّى فى عيد الشرطة وعيد ثورة 25 يناير التى قامت بالأساس ضد انتهاكات الداخلية أن يكون هناك عهد جديد، لا يتجاهل مثل هذه التقارير، ولا يكتفى بالرد عليها بالكلام فقط واتهامها بأنها كاذبة دون أن تقوم الجهات المختصة بإجراء تحقيق عادل وشفاف ومحايد، يكشف للشعب المصرى الحقيقة، ويقول إن الثورة لم تنتهِ وإنها حققت فعلًا الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.