شهدت باريس، أمس، تظاهرة ضخمة ضد الإرهاب، تحوَّلت إلى تظاهرة دولية، بعد أن تسابق زعماء العالم فى التوافد على باريس من أجل المشاركة فى المسيرة التضامنية مع الدولة الفرنسية. وقد تحوَّل المشهد إلى ما يشبه المزايدة السياسية الدولية، حيث بادر ملوك ورؤساء دول وحكومات ووزراء بإعلان المشاركة فى مسيرة باريس ضد الإهاب. كشفت جريمة باريس الإرهابية عن جوانب للإرهاب، حرصت الدول الغربية على إخفائها وعدم الحديث عنها، وهى دور الغرب فى ظاهرة الإرهاب الدولى، وتحديدًا الموظف للدين، فهذه المسؤولية تعود إلى الدور الأمريكى فى وضع بذور تنظيم القاعدة الإرهابى على أرض أفغانستان فى أعقاب الغزو السوفييتى لهذا البلد الآسيوى المسلم عام 1979، حيث بادرت واشنطن بالدعوة إلى الجهاد من أجل تحرير أفغانستان أو البلد المسلم من براثن احتلال لدولة ملحدة، كما روّجت الدعاية الأمريكية، وقد تحالفت واشنطن مع الرئيسَين الباكستانى ضياء الحق، والمصرى أنور السادات، ومعهما رئيس مخابرات السعودية كمال أدهم، وشكَّلوا مجموعة عمل لتسهيل سفر شباب مسلم للجهاد فى أفغانستان، وما إن انسحبت القوات السوفييتية من أفغانستان عام 1989 حتى تركت واشنطن ذلك البلد المدمّر مسرحًا لأصابع مجموعات المجاهدين، وتركت شعبه يئنُّ تحت وطأة الفقر، وقد انتهى الأمر بسيطرة حركة طالبان (طلبة المدارس الدينية الذين درسوا فى باكستان) بمساعدة من المخابرات الباكستانية. بنى الغرب استراتيجيته تجاه جماعات العنف والإرهاب المستتر بالدين على عدة مسلَّمات، منها أن هذه الجماعات تمارس العنف والإرهاب بسبب الفقر وغياب الديمقراطية فى بلادها، وأن حل قضايا الفقر ونشر الديمقراطية فى الدول العربية والإسلامية سوف ينهى هذه الظاهرة. وأيضًا يمكن إبرام صفقات مع هذه الجماعات، بحيث يجرى خلالها ضمان عدم القيام بعمليات إرهابية فى الغرب، والمسلَّمة الثالثة التى بنى عليها الغرب سياساته تجاه الجماعات الدينية المتشددة، هى أن وصول جماعات إسلامية معتدلة إلى السلطة فى العالم العربى سوف يساعد على فتح المجال للجماعات المتشددة للعودة إلى موطنها الأصلى وممارسة دورها هناك، لذلك تسابقت الدول الغربية على استضافة رموز الجماعات المتشددة من أجل إبرام صفقات معها، مؤداها ممارسة نشاطها بحرية مقابل التعهد بعدم القيام بعمليات إرهابية فى الدول الغربية، وقد كانت باريسولندن على رأس العواصمالغربية التى مارست هذه اللعبة. وقد تأكد عدم سلامة هذه الرؤية تمامًا، حيث تعرَّضت لندن لعمليات إرهابية وجاء الدور على باريس، والجدير بالذكر هنا أن الإرهاب الذى ضرب لندنوباريس لم تمارسه جماعات لاجئة من الشرق، بل مواطنون يحملون جنسيات غربية، ولدوا فى مجتمعات غربية، وغالبيتهم لا تعرف اللغة العربية، لكل ذلك أحسب أن الإرهاب الذى ضرب باريس مؤخرًا هو بعض من ثمار مُرّة زرعت بذورها أجهزة استخبارات غربية تصوَّرت أنها يمكن أن توظّف جماعات العنف والإرهاب مثلما تصوّر ذلك من قبل السادات، فكانت النتيجة ارتداد نيران إلى صدر من أطلق المارد.