تقف ليبيا على مشارف الدولة الفاشلة، أى الدولة التى لا تسيطر فيها حكومة مركزية، بل تتوزع السيطرة على مجموعة من الجماعات والميليشيات المسلحة التى تسيطر كلٌّ منها على منطقة جغرافية معينة وتفرض السيطرة كأمر واقع. وهو حال ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافى. وتلعب دول الجوار دورًا مهمًّا فى تغذية هذه الحالة فى ليبيا، حيث تقوم تركياوقطر ومعهما السودان بإمداد الجماعات والميليشيات المسلحة بالسلاح المتطور من أجل الاستمرار فى السيطرة على ما تحت أيديها من أراضٍ. ويبدو واضحًا أن قطروتركيا وجدتا فى الحالة الليبية حالة نموذجية للضغط على مصر ومحاولة استنزاف الدولة المصرية وإرهاقها عبر توظيف مجموعة من أوراق الضغط، أهمها دعم جماعات العنف والإرهاب فى ليبيا كى تمثل خطرًا شديدًا على الأمن القومى المصرى واستدراج الجيش المصرى لمعركة طويلة وممتدة مع الجماعات الإرهابية فى ليبيا على الحدود الطويلة والممتدة لمسافة أكثر من ألف كيلو متر، والتخطيط لجر الجيش المصرى لدخول ليبيا، ومن ثم خوض حروب عصابات هناك، وهو مخطط قطرى تركى محكم، وسوف يتصاعد فى الفترة القادمة بالتوازى مع نجاح الجيش المصرى والشرطة فى القضاء على الجماعات الإرهابية فى شمال سيناء والإجهاز على نفوذ الجماعة ورفاقها من أمثال الجماعة الإسلامية وبعض عناصر السلفية الجهادية. أيضًا هناك ورقة العمالة المصرية فى ليبيا، حيث تخطط قطروتركيا لاستخدام العمالة المصرية فى ليبيا كورقة ضغط على النظام المصرى، وهو ما بدأت فيه بالفعل مؤخرًا بالقبض على أعداد كبيرة من المصريين العاملين هناك، حيث قُتل بعضهم ومُثِّل بالجثث، وقد ركزت هذه الجماعات مؤخرًا -بنصائح من الجماعة الإرهابية والأجهزة القطرية والتركية- على الأقباط تحديدًا فى محاولة لإحراج الدولة المصرية وإظهارها بمظهر العاجز عن توفير الحماية لمواطنيها من ناحية والأقباط منهم تحديدًا من ناحية ثانية. ويبدو أن الجماعات الإرهابية هناك مثل فجر ليبيا و أنصار الشريعة قد نجحت إلى حدٍّ ما فى الضغط بورقة المصريين العاملين فى ليبيا وتحديدًا الأقباط، فقد قامت باعتقال 20 قبطيا فى مدينة سرت وهو عدد مرشح للزيادة فى الفترة القادمة، خصوصًا مع معرفة أن عدد المصريين العاملين فى ليبيا اليوم يصل إلى ثلاثة أرباع المليون. يحدث ذلك فى وقت تسيطر فيه هذه الميليشيات على مناطق شاسعة من ليبيا ولا قدرة للحكومة الشرعية الليبية على دخول تلك المناطق، ومن ثم تبدو القضية معقدة للغاية، فماذا تفعل الدولة المصرية فى مواجهة تلك المعضلة؟ فى تقديرى أن الدولة المصرية تبذل قصارى جهدها من أجل تأمين أرواح المختطفين عبر استغلال شبكة العلاقات مع قبائل ليبية محبة لمصر والمصريين، وتعمل على تأمين عودة أكبر عدد ممكن من المصريين حتى لا يستمروا كأهداف سهلة للجماعات الإرهابية والمخابرات القطرية والتركية الراغبة فى الضغط على النظام المصرى، ولذلك يبدو مهمًّا للغاية أن يتخذ المصريون فى ليبيا قرارًا سريعًا بالعودة إلى أرض الوطن دون أن يربطوا ذلك بحسابات المكسب والخسارة المالية، فأرواحهم أغلى بكثير من هذه الحسابات. كما أن على أهاليهم وذويهم فى مصر دورًا كبيرًا فى دعوتهم للعودة إلى الوطن، فمثلما على الدولة المصرية مسؤولية تأمين مواطنيها فى الخارج فعلى هؤلاء المواطنين مسؤولية مساعدة الدولة فى أداء هذه المهمة أيضًا. ينشر للمرة الثانية .