على طريقة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي عندما أعلن في ميدان التحرير بوسط القاهرة عقب فوزه بمنصب رئيس الجمهورية أنه سيكون رئيسًا لكل المصريين، وقف الباجي قائد السبسي أمام نحو 2000 تونسي من أنصاره مرددًا "تحيا تونس.. تونس تحتاج إلى كل أبنائها ويجب أن نعمل يدًا بيد"، في وقت كانت قد اشتعلت فيه جنوب بلاده احتجاجات قادها إسلاميون رافضون له.. السبسي والإسلاميون.. اتهامات متبادلة منذ الثورة زادت حدتها مع مرحلة الإعادة للانتخابات الرئاسية بينه وبين منصف المرزوقي، فهو في نظرهم واحد ممن أفسدوا الحياة السياسية ورمز من رموز نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وهو لا يراهم إلا جماعات أضرت ببلاده وكادت أن تهوى بها وبتجربتها الديمقراطية لولا تدخله رافعا شعار "نداء تونس".. تونس.. تلك التجربة الديمقراطية الأنجح ضمن تجارب الربيع العربي كما يرى المحللون، اختارت قبل أيام رئيسها ذو ال88 عاما، وهو سياسي مخضرم كانت له صولاته وجولاته في ظل نظام بورقيبة عندما تولى وزارات الداخلية والدفاع والخارجية، قبل أن يتولى أيضا رئاسة مجلس النواب في ظل عهد بن علي، تبدأ مرحلة جديدة ما بين تفاؤل حذر ومخاطر بفترة رئاسية ربما هي الوحيدة للسبسي - لكبر سنه – بدأت بمؤشرات أبطالها هما حركة النهضة الإسلامية والمرشح الرئاسي الخاسر منصف المرزوقي ومن والاهما.. الخوف من عودة فلول النظام السابق، وقمع الحريات، وإعادة إنتاج السياسات ذاتها التي كانت منتهجة ضد الإسلاميين من تقييد وإقصاء وترسيخ جديد لمباديء الدولة العلمانية، عوامل ستمثل ركيزة أساسية لخصوم الرئيس العجوز المنتخب من قبل شعب ثار لأجل شاب منتحر ولرفض نظام امتد لسنوات طويلة! المرزوقي يبدأ حربه ضد السبسي مبكرًا أعلن الرئيس التونسي المنتهية ولايته المنصف المرزوقي الثلاثاء عن تأسيس حراك شعبي أطلق عليه "شعب المواطنين"، وأكد أن الهدف منه هو الدفاع عن مبادئ الثورة ومنع عودة الاستبداد بعد فوز الباجي قايد السبسي بالرئاسة. وقال المرزوقي - في كملة ألقاها من شرفة مقر حملته لانتخابات الرئاسة بمدينة أريانة قرب العاصمة - إن مهمة هذا الحراك ستكون قيادة الحركة السياسية ودعم الوحدة الوطنية، بعيدا عما سماها "الإيديولوجيات التافهة". وأضاف أن الحراك الذي أسسه ستكون ركيزته الديمقراطية الحقيقية الرافضة لعودة الاستبداد، ووعد بألا يخذل الشباب في تحقيق مطالبهم الشرعية والثورية. كما قال إنه سيحمي الشعب من الاستبداد والتخاذل والانتهازية، منتقدا ما سماها النخب الفاسدة. وكان المرزوقي (69 عاما) قد ردد كثيرا في حملته لانتخابات الرئاسة عبارة "شعب المواطنين" التي قال إنها على النقيض من "شعب الرعايا". وعبر المرزوقي وساسة وحقوقيون عن خشيتهم من أن تؤدي هيمنة السبسي (88 عاما) وحزبه -نداء تونس- على الرئاسات الثلاث (الدولة والحكومة والبرلمان) إلى عودة الاستبداد الذي كان قائما قبل الثورة. احتجاجات شباب الإسلاميين قبل إعلان فوز السبسي بانتخابات الرئاسة التونسية اندلعت احتجاجات في مدن بجنوب البلاد، احتجاجا على فوز من وصفوه بمسؤول من النظام السابق" بمنصب رئيس البلاد. وفي تطاوينجنوب البلاد أحرق محتجون غاضبون مقر حركة "نداء تونس" التي يتزعمها السبسي الفائز بالانتخابات احتجاجا على فوزه. وقال شهود لرويترز إن قوات الشرطة التونسية أطلقت في وقت سابق قنابل الغاز في مدينة الحامة الجنوبية لتفريق مئات الشبان المحتجين على إعلان حملة السبسي الفوز يوم الاحد. كما احتج مئات الشبان في مدن بن قردان ودوز وقابس وقبلي رفضا لفوز السبسي. وأحرقوا الإطارات المطاطية ولاحقتهم قوات الأمن. وقبل يومين، شهدت منطقة دوار هيشر التابعة لولاية منوبة الواقعة شمال تونس، حسب ما أعلنه الناطق الرسمى باسم وزارة الداخلية التونسية، محمد على العروى، مواجهات عنيفة بين قوات الأمن ونحو 100 من العناصر المتشددة، بعد أن حاولت هذه العناصر الهجوم على مركز للأمن وحرقه، وتحولت المنطقة إلى ساحة كر وفر بين الطرفين، وأوضحت مصادر تونسية، أن قوات الحرس الوطنى قامت بمطاردة وملاحقة هذه العناصر، وعدد منها معلوم لدى الجهات الأمنية بتورطها فى قضايا عنف. حركة النهضة.. اتهامات بالعنف وسيناريوهات العودة للمشهد تواجه حركة النهضة التونسية اتهامات بجنوح بعضًا من أعضائها للعنف على طريقة الإخوان المسلمين في مصر، فيقول حسين عبد الرازق القيادي اليساري البارز بحزب التجمع في القاهرة: "جناح داخل حركة النهضة يتبنى فكر ومنهج قيادات الإخوان بمصر، والعنف جزء أصيل من عقيدتهم، وما زالوا لا يعترفون بالانتخابات الرئاسية التونسية وخسارة المرزوقى". هذا الرأي يؤكده رائد الغنوشي رئيس حركة النهضة، والذي قال في مقابلة مع "روسيا اليوم" بعد الانتخابات إن 60% من أنصار "إخوان تونس" صوتوا للمرشح الخاسر منصف المرزوقى، فيما توجه ال40% الباقية لتبيض البطاقات الانتخابية أو المقاطعة. ويرى محللون أن "النهضة"وهي واحدة من أيديولوجيات الإسلام السياسي، يجب أن تراجع مواقفها خاصة وأن تلك الأيديولوجيا في تناقض تام مع الحرية والديمقراطية واللذان سيسعى السبسي لترسيخهما في المجتمع، فتقول رجاء بن سلامة أستاذة الحضارة في الجامعة التونسية، ل"العربية.نت": "أيديولوجيا الإسلام السياسي في تناقض كلي مع الديمقراطية ومقوميها الأساسيين الحرية والمساواة"، مشيرة إلى أن حركة "النهضة" مطالبة اليوم، بأن تجذر قراراتها البراجماتية بمراجعات فكرية، وعليها أن تؤطر قواعدها في هذا الاتجاه". ودعت بن سلامة "النهضة" إلى "الانفصال عن تنظيم الإخوان وأدبياته، والانسياق في عملية تجذر في التربة التونسية، حتى تتحول إلى حزب يميني محافظ، يمثل الفئات المحافظة من دون أن يستخدم الدين ودور العبادة في أنشطته". من جانبه، أكد طارق أبو السعد الخبير فى شئون الحركات الإسلامية، أن الإسلاميين عندما يخسرون فى أى معركة وتسقطهم الشعوب يتجهون إلى أعمال العنف والتخريب، بحيث يسعون من خلال تلك الأعمال إلى أن يعودوا إلى السلطة من جديد. وأضاف الخبير فى شئون الحركات الإسلامية، أن ما يحدث فى تونس من قيام عناصر متشددة بمهاجمة الحرس الوطنى بعد خسارة منصف المرزوقى فى الانتخابات الرئاسية يذكرنا بموقف إخوان مصر وما فعلوه بعد عزل محمد مرسى. وأشار الخبير فى شئون الحركات الإسلامية إلى أن الإسلاميين يعتبرون أنفسهم أنهم يحملون الحق، وأنهم لا يمكن عزلهم أو إسقاطهم عن الحكم، ولا يعترفون بدولة ولكن يظنون أنهم من يحملون الرسالة وأنه لا ينبغى لأحد أن يعترضهم.