بعد الخامس والعشرين من يناير 2011، بدأت مصر مرحلة جديدة، أشبه ما يكون بنشأة الحياة على الأرض.. ففى البداية مررنا بمرحلة همجية، الكل فيها منفلت مندفع ملتهب فوضوى، يقاتل من أجل القتال، ويحارب من أجل الحرب، بلا هدف واضح، أو أيديولوجية ذات ملامح.. الفوضى انتشرت على نحو غير مسبوق، مع الغياب المرحلى للشرطة، والحضور التآمرى المنظم للإخوان وأتباعهم.. الكل شعر أنها ساحة خالية، والأشطر من يحتل أكبر مساحة ممكنة منها.. غابت العقول وانفتحت الآذان، ولم تعد الألسن تردّد سوى كلمات الحقد والغل والغضب، والشائعات المغرضة، التى تؤلفها وتطلقها كل فئة، تسعى لفرض وجودها على الساحة.. الشباب الذين قالوا إنهم قاموا بالثورة من أجل الديمقراطية، صاروا كتلة وحشية من الديكتاتورية المطلقة، يعادون كل شىء وأى شىء، ويرفضون كل شىء وأى شىء.. وبسرعة، دفعهم المستفيدون إلى الانقسام والانشقاق، مستغلين انفعالهم واندفاعهم، حتى يصير المخططون هم القوة الوحيدة المتماسكة على الساحة، ولأن الشباب أطهار، بلا خبرات عملية فى الحياة، فقد انساقوا حتى خلف الشعارات، التى أطلقها المنتفعون، ووقفوا خلفهم وكانت مرحلة التخلّف العظمى، ولكن وكما تسير سنة التطوّر، سرعان ما أفاق البعض، وبدأ مرحلة الإنسان المفكّر، الذى يغلب عقله انفعاله، فى نفس الوقت الذى أسفر فيه الإخوان ومن يتبعونهم، من أهلهم وعشيرتهم، عن أنيابهم الصفراء الديكتاتورية الطغيانية، وعن انعدام صلتهم بالوطن والوطنية، وعن سعيهم المستميت لطمس هوية الوطن، وعن عدائهم الشرس لمصر وشعبها وجيشها، فبدأت موجة الإفاقة تسرى فى المجتمع، واستيقظ الكثيرون من سبات الكراهية، وأدرك معظم الشعب أنه يتم احتلاله، من قبل أهل وعشيرة الإخوان، وظهرت حركة تمرّد، التى أيقظت الوعى، وجذبت إليها الناس، فانضم إليها الملايين، حتى جاءت ثورة الثلاثين من يونيو 2013، لتعلن سقوط دولة اللا وطنية، وعودة دولة الوطنية.. وكما يحدث دومًا، ظهر المخلّص، الذى أسقط دولة اللا وطنية فعليا، فى الثالث من يوليو 2013، لتبدأ أشرس حرب عرفتها مصر، ضد أشرس إرهاب فى المنطقة.. ولكن هذه الحرب، التى لم تضع أوزارها بعد، تختلف عن كل الحروب المعروفة سابقًا، فهى حرب بلا دبابات ولا جيوش ولا مواجهات تصادمية.. إنها حرب من النوع الرابع، تعتمد على تدمير الخصم من داخله، ولهذا لم يشعر بها أو يدركها إلا الذين حباهم الله سبحانه وتعالى بالعقل والحكمة، أما الباقون، الذين لم يدركوا الضغوط الهائلة على النظام والحكومة، فهم أشبه بالطفل، الذى يطلب الآيس كريم بالأناناس، وعائلته لا تجد العيش الحاف، وهو يبكى ويدبدب فى الأرض.. لأنه طفل.. ولأنه لا يدرك أنه إن أردت أن تطاع، فأمر بما يستطاع، ولكنها مسألة وقت.. فالحضارة تحتاج إلى وقت لتنمو، والوقت المناسب لم يحن بعد.. فانتظروا.