يتعالى الصخب المزعج من جانب الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على شعب مصر، وهو ما أثبتت الأيام أنه وهم فادح.. فكل من يتبارى لتقديم النصح أحيانًا، أو دق ناقوس الخطر والفزع من عودة «فلول مبارك» أو «خلايا الإخوان النائمة» أحيانا أخرى، يحاولون، باستماتة، التشويش على القضايا المهمة فى مرحلة من أهم مراحل التاريخ المصرى.. يدّعى هؤلاء الخوف على الشعب من جراء عودة إحدى صور النظامين السابقين، وكأن من أسقط نظام الرئيس حسنى مبارك، ثم خلع بعده نظام حكم الإخوان الفاشى، ليس هو نفسه هذا الشعب الذى يتدافعون لتقديم «النصح» له!.. لا أتصور أن تبلغ البجاحة بأى طرف، شخصية سياسية كانت أو حزبًا سياسيا، ادعاء أنه صاحب دعوة الملايين، التى ملأت ميادين المحروسة، تعلن مطالبها وتؤكد تمسكها بالوطن ووحدته، وليس دليلا فى تقديرى، أبلغ من إخفاق النخب السياسية فى الاتفاق على قواسم مشتركة بينها لعبور المرحلة، بل الأدهى أن حملات التشكيك والتخوين والتشويه، قد انطلقت، وبضراوة أحيانًا، للفوز بأكبر نصيب من كعكة البرلمان القادم! وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى ثقته الكاملة فى شعبه، برفع الوصاية التى سبق وادعاها كثيرون، دون وجه حق، تارة لأننا لسنا مؤهلين للديموقراطية بعد ، وتارة أخرى لأن قطاعًا كبيرًا يعانى من الأمية، ومن الفقر مما يُسهل سرقة قراراته واختياراته ، لكن، ومع الأخذ بالاعتبار بعض الحجج السابقة الإشارة إليها، التى تستدعى تضافر كل الجهود لعلاجها وتجاوزها، فقد أثبتت ثورتا يناير ويونيو، أن الشعب هو القائد وهو المعلم.. فقد أطاح بنظام مبارك، ثم مرسى، بحسه الجمعى، الذى تجلت صلابته الأكيدة فى المواقف المصيرية. قرأ الرئيس السيسى هذا الشعب القراءة الصحيحة، التى كانت تعوز حكامنا فى العقود الأربعة الماضية، ولذا أعلن بوضوح، أن السيسى، لن يمنع أحدا من الترشح، فالشعب هو الذى سيمنع رموز الماضى من العودة إلى المشهد.. والمثير للدهشة أن من كانوا يطلبون من الرئيس التدخل لمنع هذا الشخص أو ذاك، من الترشح، كانوا يستعدون لدق الطبول والصراخ، حزنا؟! على الديمقراطية المهدرة وحرية التعبير المقهورة؟ لو أن السيسى كان قد أصدر، مثلا، قرارا بالحظر السياسى.. ولا أستبعد أن يلطموا الخدود الآن لأنه أعلن رفع أى وصاية عن الشعب وترك له الاختيار وتحمل مسؤولية هذا الاختيار.. ويبقى سؤال شديد المنطقية، ماذا قدم فلول الحزب الوطنى أو قيادات جماعة الإخوان إلى هذا الشعب، حتى يعود وينتخبهم، اللهم إلا إذا كان مصابا، لا قدر الله، بالمازوشية؟ ومن الأمانة بمكان الإقرار بأن كثيرين ممن تولوا مسؤوليات فى عهد الرئيس مبارك كانوا رجالا وضعوا مصلحة الوطن قبل مصلحة النظام، وقاوموا الفساد والإهمال بقدر استطاعتهم، ومن ثم، فلا عودة إلى محاكم التفتيش، مهما رفعت من شعارات براقة، ولا عودة لفرض أى وصاية ومن أى نوع، على شعب قالها من أعماق القلب، عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية ، فى وطن واحد لا تعلو إرادة أخرى على إرادته.