فى التغطية التى أفردتها الصحف لنبأ موافقة أحمد عز «تحت ضغط الجماهير» على الترشح فى انتخابات البرلمان المقبل، نقلت عن أهالى دائرته فى مدينة السادات بالمنوفية أسباب دعمهم له، وكان على رأسها أنه «تعهد بعودة الإنفاق على الأوتوبيسات التى تنقل الطلاب إلى الجامعات، وقام بتوزيع أسمدة وبطاطين على المزارعين فى قرى المركز، وعرض إعادة تجهيز مصالح حكومية مهجورة، وتنظيم مجموعات تقوية مجانية للطلاب». أما فى موقع آخر فى محافظة بنى سويف، حيث بدأ أحد المرشحين حملة دعاية مبكرة، فلقد عدد الأسباب التالية لدفع المواطنين للتصويت لصالحه: شخصية تفوق الخيال- هادئ الطباع- مستمع جيد- وجه بشوش- صادق الوعد- مخلص فى أعماله- صدر كبير يتحمل الكبير والصغير- ملتزم دينيا وأخلاقيا- توزيع شنط رمضان على الفقراء- تكريم المرأة المعيلة- مهرجان رياضى يضم 29 فريقا لكرة القدم . طبعا فارق كبير بين إمكانيات عز رمز فساد الحقبة الأخيرة فى مرحلة حكم المخلوع مبارك الطويلة والمزور الرسمى لانتخابات 2010، والمرشح المحترم فى بنى سويف صاحب الصدر الكبير. لكن كليهما سيترشح، لو اتخذ عز قرارا نهائيا بذلك بعد حملة الهجوم التى تعرض لها غضبا من هذا التبجح، على مقعد بالنظام فردى والذى صممت مؤسسة الرئاسة والحكومة على التمسك بأن يشكل ثمانين فى المئة من مقاعد البرلمان المقبل، بحجة أنه الأقرب للناخب المصرى ، وبدعوى أن الأحزاب ضعيفة ولا شعبية حقيقية لها. طبعا النظام الفردى هو الوحيد الذى يعرفه الناخب المصرى على مدى عقود الفساد الطويلة فى عصر مبارك وقبله، لأنه هو الذى رسخ مفهوم نائب الخدمات الذى يرى فى دخول البرلمان فرصة رائعة للاقتراب من أهل الحكم والوزراء لتحقيق مصالح شخصية غالبا، أو لزوم الوجاهة الاجتماعية وتمثيل العائلات الكبيرة فى الريف والصعيد. ولا بأس، مقابل ذلك، أن ينفق المرشح الفردى الفتات على أبناء دائرته بشكل موسمى، وذلك بدلا من أن يقوم بدوره الحقيقى فى محاسبة الحكومة على سبب إهمالها الخدمات الأساسية، وتقديم التشريعات والقوانين التى تخدم المصريين جميعًا وليس فقط أبناء دائرته. ولنا أن نتوقع أن معظم الدعاية فى الانتخابات المقبلة لن تختلف كثيرًا عن نماذج عز والطامح فى الفوز بلقب نائب فى بنى سويف، لكن من المؤكد أنه ليس هذا هو البرلمان الذى نريده. فى أعقاب ثورة 25 يناير، التى رفعت شعار تغيير النظام، كان الأمل إقامة حياة سياسية جديدة تقوم على التعددية الحزبية. وأبدى المصريون تجاوبا إيجابيا للغاية مع الأحزاب الجديدة الناشئة، وتزايدت بمعدلات غير مسبوقة أعداد المنضمين للأحزاب بمختلف توجهاتها، ليبرالية ويسارية وقومية ودينية، ظنا أنها ستكون من الآن فصاعدا الكيانات التى تتم من خلالها ممارسة السياسة ومراقبة الحكومة وضمان عدم بناء نظام شمولى تتركز فيه السلطات فى يد شخص واحد هو رئيس الجمهورية، ولعبت الكثير من هذه الأحزاب الجديدة دورا بارزا فى مواجهة الرئيس الإخوانى المعزول وسعيه لبناء ديكتاتورية جديدة، باسم الدين هذه المرة، تحت مظلة جبهة الإنقاذ الوطنى. فى أعقاب 30 يونيو، كان هناك اعتقاد سائد بأن شراكة حقيقية قد نشأت بين هذه الأحزاب السياسية المدنية ومؤسسة الجيش التى دعّمت الإطاحة بمرسى والإخوان، لما مثلوه من خطر على مستقبل مصر كدولة ومشروعهم الطائفى، لكن الرئيس السيسى اختار الانحياز إلى النظام القديم، وعند إقراره قانون تقسيم الدوائر سيكون قد وجّه ضربة قاصمة إلى الأحزاب السياسية الناشئة فى مصر، التى لا تستطيع التنافس فى مجالات شراء الأوتوبيسات لنقل الطلاب أو توزيع الأسمدة والبطاطين.