أصبح أمام السعودية فرصة كبيرة جدًّا لتحقيق مصالح استراتيجية عميقة من انخفاض أسعار النفط إلى مستويات 60 دولارًا للبرميل أمس، ويأتي ذلك في وقت من المتوقع أن تمر فيه كل من روسياوإيران بأزمة كبيرة جدًّا سببها تراجع أسعار النفط، بالتزامن مع تراجع عملتها بصورة حادة على عكس السعودية التي استفادت من تحسن قيمة الدولار. وفي هذا السياق، نجحت سوق الأسهم السعودية خلال تعاملاتها أمس، في الإغلاق على انخفاضات طفيفة للغاية رغم تراجع المؤشر العام بصورة حادة خلال الساعة الأولى من التداولات، إذ لامس المؤشر العام مستويات 8158 نقطة، وجاء ذلك قبل أن يمحو مؤشر السوق نحو 230 نقطة من خسائره خلال ساعتين من التداول. وفي الإطار ذاته، أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية سهيل الدراج، أن خام برنت من المتوقع أن يحافظ على مستويات 60 دولارًا للبرميل. وقال قد يكون هنالك كسر لهذا الحاجز، إلا أن هذا الكسر من وجهة نظري لن يدوم طويلًا، فأسعار النفط أصبحت هاجسًا لدى الكثير من الدول والشركات العالمية . وأشار دراج إلى أن دول فنزويلاوإيرانوروسيا تتذمر كثيرًا من تراجعات أسعار النفط، على عكس السعودية التي رأت عدم خفض الإنتاج. وأضاف تراجع أسعار النفط من مصلحة المملكة استراتيجيًّا، وفي اعتقادي أن السياسة النفطية السعودية تتمتع بقدر كبير من الحكمة . وأوضح دراج أن كثيرًا من شركات البترول العالمية توقفت عن الإنتاج هذه الأيام للتراجع الحاد لأسعار البترول، وقال هناك شركات عملاقة أعلنت عن تسريح بعض موظفيها، كخطة إنقاذ لعام 2015، إذ أعلنت عن توفير مليار دولار من حجم المصروفات من خلال هذه الخطوة، بسبب ارتفاع تكاليف النفط الصخري وصعوبة الإنتاج بعد انخفاض الأسعار . ولفت إلى أن السعودية استفادت كثيرًا من تحسن قيمة الدولار، في وقت تراجعت فيه أسعار النفط بصورة حادة، مضيًفا على عكس إيران، وروسيا اللتين تلقتا ضربة مزدوجة في الأزمة الحالية، فعُملتا هاتين الدولتين تراجعتا بصورة كبيرة مع التراجع الحاد لأسعار النفط . وتوقع أن تكون مستويات 8 آلاف نقطة دعمًا قويًّا لمؤشر سوق الأسهم السعودية، إلا أنه اشترط لنجاح هذا الدعم ثبات أسعار البترول فوق مستويات 60 دولارًا للنفط الخام، مبينًا أن الاستثمار على المدى المتوسط والقصير يحتاج إلى كثير من التروي لاقتناص الفرص. وتأتي هذه المستجدات، في وقت أكدت فيه شركة جدوى للاستثمار في تقرير حديث لها يوم الثلاثاء الماضي، أن متوسطات أسعار النفط من المتوقع أن تستقر بين مستويات 83 و85 دولارًا خلال عامي 2015 و2016. من جهة أخرى، أغلق مؤشر سوق الأسهم السعودية مع ختام تعاملاته الأسبوعية أمس الخميس عند مستويات 8393 نقطة، وسط ارتداد كبير لبعض أسهم شركات الصناعات البتروكيماوية التي نجحت في تقليص خسائرها، عقب ثبات أسعار النفط الخام فوق مستويات 60 دولارًا للبرميل. ومع إغلاق تعاملات أمس، يكون مؤشر سوق الأسهم السعودية قد خسر خلال 12 شهرًا نحو 27 % من أعلى مستوى جرى تحقيقه، مقابل خسارة أسعار النفط لما نسبته 37.59 % من قيمتها خلال 12 شهرًا، وهو أمر يدل على أن تعاملات سوق الأسهم السعودية تأثرت بشكل ملحوظ بتراجعات أسعار النفط الحادة. وفي السياق نفسه، أكد الخبير الاقتصادي فهد المشاري، أن ثبات أسعار النفط الخام بين مستويات 60 و70 دولارًا سيكون خيارًا مناسبًا للمملكة، وقال منتجو النفط الصخري سيعانون كثيرًا من التراجع الحاد لأسعار البترول، وبالتالي فإن السعودية ستنجح في حماية حصتها من الأسواق النهائية، في ظل توقف بعض الشركات العالمية عن الإنتاج . وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي توقعت فيه شركة جدوى للاستثمار أن يكون لتراجع أسعار النفط تأثير مباشر على ميزان المدفوعات والوضع المالي في المملكة. وأضافت شركة جدوى ، يعتبر قرار منظمة أوبك بعدم خفض الإنتاج خطوة جريئة ترمي إلى تقييد المنتجين خارج المنظمة، خاصة شركات إنتاج النفط الصخري في الولاياتالمتحدة، ويبين قرار عدم الخفض الذي قادته السعودية أن المملكة ليست مستعدة لخسارة حصصها السوقية في الدول الرئيسية التي تصدر إليها النفط، وبدلًا عن ذلك فهي تحاول الإبقاء على قدرتها على المنافسة من خلال خفض الأسعار . وأرجعت جدوى هبوط أسعار النفط إلى مجموعة عوامل بعضها ذو طابع بعيد المدى كتسارع زيادة الإمدادات الامريكية، وزيادة معدلات كفاءة استخدام الوقود لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأخرى ذات طابع قصير المدى كنمو الاقتصاد العالمي بمستويات أضعف مما كان متوقعًا، واستقرار الأوضاع الجيوسياسية، وارتفاع قيمة الدولار. وأضافت هناك عدد من المتغيرات قد تؤدي إلى سيناريوهات مختلفة بشأن الأسعار للنفط خلال العامين المقبلين، ونحن نرجح أن تكون الأسعار في حدود 83 - 85 دولارًا للبرميل لعامي 2015 – 2016، حيث إن هذا المستوى من الأسعار سينعش الاقتصاد العالمي، ويدفع ببعض النفط الصخري الأمريكي خارج السوق .