صدر تقرير جهاز المخابرات المركزية الأمريكية «CIA» الذى تضمن ملخصًا للأساليب التى اتبعها الجهاز لانتزاع الاعترافات والمعلومات من المتهمين الذين تم القبض عليهم بعد اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر 2001. وفى شأن توقيت صدور التقرير يبدو واضحا أنه جاء فى سياق معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2016، التى بدأت مبكرًا بين الديمقراطيين والجمهوريين، فهناك تفسير يقول إن الحزب الجمهورى الذى هيمن على غرفتى الكونجرس بعد انتخابات التجديد النصفى التى جرت الشهر الماضى، يفكر جديا فى محاسبة الرئيس الأمريكى باراك أوباما على كل الأخطاء التى ارتكبها فى مجال السياسة الخارجية وتحديدًا علاقته الغامضة مع جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولى. الأخطاء القاتلة فى التعامل مع التنظيمات الإرهابية المتطرفة وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام داعش ، وأن الحزب الديمقراطى أراد استباق ذلك كله بفضح سياسات التعذيب التى مارسها الجهاز فى عهد الرئيس الجمهورى جورج دبليو بوش، وقد ردَّ الحزب الجمهورى على ذلك بوثائق تؤكد أن الرئيس السابق جورج دبليو بوش لم يكن يعلم بهذه الأساليب حتى عام 2006 وأنه لم يقر مثل هذه الوسائل فى انتزاع الاعترافات. عمومًا وبعيدا عن السجال حول توقيت ودوافع صدور التقرير، فقد جاء التقرير حافلًا بأساليب بشعة ربما أقلعت عن استخدامها أكثر النظم سلطوية وديكتاتورية فى العالم. طبعًا كشف التقرير عن ممارسة الجهاز لأساليب التعذيب القذرة التى جرت خارج الأراضى الأمريكية حتى يتحلل الجهاز من قيود القوانين الأمريكية الصارمة فى هذا المجال، فقد جرى التعذيب فى معتقل جوانتانامو الواقع على الأراضى الكوبية، كما تمت ممارسة هذه الأساليب البشعة فى سجون العراق وأفغانستان. وكشف التقرير عن نقل واشنطن عددًا من المعتقلين إلى دول عربية حليفة، حتى تتولى أجهزة الأمن فيها انتزاع الاعترافات من المتهمين دون تقيد بضوابط ومن بين هذه الدول: مصر (مبارك - العادلى)، والأردن، والمغرب، وليبيا وسوريا. فقد نقلت واشنطن متهمين عربًا إلى هذه الدول لإدراكها عدم وجو ضوابط قانونية أو أخلاقية تمنع أجهزة الأمن فى هذه البلدان من ممارسة كل أشكال التعذيب والضغط لانتزاع الاعترافات. ما يهمنا التشديد عليه هنا هو أن التقرير الذى جاء فى أكثر من خمسمئة صفحة قد احتوى على أساليب تعذيب انتهكت حرمة الجسد الإنسانى، على نحو ينافس أكثر أجهزة الأمن دموية فى العالم، حدث ذلك، ووقايته لم ترحل بعد، حيث لا يزال جوانتانامو مفتوحًا وزاخرًا بالمعتقلين، حدث كل ذلك دون أن نسمع صوتا للمنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والمحلية، تلك المنظمات التى لا تترك مناسبة إلا وشنت الهجوم على مصر والدولة المصرية، التى تواجه إرهابًا لا يقل عن إرهاب الحادى عشر من سبتمبر 2001، تلك المنظمات التى تدافع عن إرهابيين قتلة، وتبرر جرائمهم الإرهابية فى حق المواطنين الأبرياء ورجال الجيش والشرطة، تلك المنظمات التى تجوب العالم تعقد المؤتمرات للهجوم على مصر وثورة شعبها، التى وصل ببعض مؤسسيها إلى إعلان الرحيل عن مصر، ونقل نشاط مركزه الحقوقى خارج البلاد، لأنها لم تعد قابلة بأنشطة المراكز الحقوقية، وفى تقديرى أن الأمر لا يعدو كونه مزايدة رخيصة أمام المانحين والممولين، وربما مزايدة عليهم فى التطرف تجاه النظام المصرى. بالقطع نحن ندين كل أشكال التعذيب وانتهاك حرمة الجسد الإنسانى بصرف النظر عن عوامل الانقسام الأولى من لغة وعرق ودين وطائفة، والمكتسبة كالجنسية والطبقة الاجتماعية، ندين ذلك بغض النظر عن القائم بالممارسة، ما إذا كان ينتمى إلى دولة كبيرة مانحة وممولة أو دولة صغيرة فقيرة، وهو ما تفتقر إليه الغالبية الساحقة من المنظمات العاملة فى هذا المجال التى عادة ما تحابى الدول الكبيرة المانحة والممولة وتشارك فى تنفيذ أجندات هذه الدول فى الضغط على الدول التى تقاوم سياسات الهيمنة.