يريدون أن يطفئوا نور الميدان بتحرُّشهم لم يعد ميدان التحرير هو المدينة الفاضلة التى حلم بها الثوار طويلا، لم يعد «يوتوبياهم» الخاصة، التى حمتهم طوال 18 يوما، من أيام الثورة، لم يعد مكانا آمنا للمرأة التى كانت فصيلا مهما من فصائله، أو هكذا أرادوا له. يريدون أن يطفئوا نور الميدان بتحرشهم، لكن الميدان متم نوره، ولو كره الفلول، والبلطجية والمجلس العسكرى، لم يكتفوا بضرب الفتيات اللائى يحلمن بالحرية لوطنهن، وسحلهن فى مظاهرات محمد محمود وقصر العينى، والآن يتحرشون بهن، كأنهم يريدون أن يشوهوا الثورة، وشبابها، وبناتها، ويحرموهم من استنشاق عبير الحرية فى ميدان الحرية. ما حدث مساء أول من أمس، لم يكن جديدا، فقد أصبح متداولا، لكن ليس بهذا الشكل. مسيرة احتجاجية تخرج من ميدان التحرير لرفض التحرش، فتجد من يستوقفها فى شارع طلعت حرب، ويتحرش بالفتيات فيها، وهو ما دفعهن إلى اللجوء إلى المحلات التجارية، للاحتماء من الذئاب البشرية، التى تريد الاعتداء على حرائر مصر. ما حدث كان صادما للجميع، الدكتور محمد البرادعى المدير الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية ووكيل مؤسسى حزب الدستور، عبّر عن استنكاره لما قيل عن تعرض نساء للتحرش، فى ميدان التحرير فى أثناء مشاركتهن بالتظاهرات، وقال فى تعليق له على حسابه الشخصى بموقع «تويتر»: «إلى نساء مصر: أعتذر باسم كل مصرى يعرف معنى الدين والقيم والأخلاق». ما حدث لفتيات الثورة، وما يحدث، والشهادات التى تنشرها «التحرير» اليوم، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ما يحدث عمل منظم، لكن من يقف وراءه؟ من يريد أن يمنع الفتيات من النزول إلى ميدان التحرير للمطالبة بالحرية؟ من يريد أن يشوه ميدان التحرير؟ ومن يريد أن يشوه الثورة؟ أسئلة حتى لو كانت إجابتها معروفة، تستحق الإجابة، وتستحق البحث عن جزاء مناسب لمن يتحرش بحرائر مصر. شهادات الفتيات: التحرش مقصود لتشويه التحرير مرارة شديدة تخرج مع الكلمات. مرارة الشعور بالقهر والإهانة والضعف. مرارة الخوف الذى يحاصر أى فتاة أصبحت تخرج إلى الشارع ولا تعلم ماذا سوف تلقى حتى تعود إلى بيتها، حتى ميدان التحرير الذى كان يحمل أيام الثورة الأولى اسم «المدينة الفاضلة»، لم يسلم من التعدى على قدسيته الثورية، ليدخل البلطجية والمندسون إليه ويتحرشون بفتياته، ويحاولون بهجمة -تبدو منظمة- أن يشوهوا الميدان الذى كان ملاذ الخائفين والضعفاء. «التحرير» التقت عددا من الفتيات اللائى تعرضن للتحرش فى الفترة الأخيرة فى الميدان، ليسردن معاناتهن ورؤيتهن. «ن.م» إحدى فتيات مسيرة «لا للتحرش» التى تم الاعتداء عليها مساء جمعة «الإصرار»، قالت: «كانت المسيرة هادئة وتجولنا فى الميدان، وخرجنا فى طريقنا إلى ميدان طلعت حرب، وكان أغلبنا قد شارك فى الصباح فى جمعة الإصرار، ووضعنا ملصقات (أنا مقاطع الانتخابات)، و(لا انتخابات تحت حكم العسكر)، ولم يعترض أحد عليها، إلا أن بعضا اعترضوا المسيرة، وقالوا: أنتوا بتوع أحمد شفيق اللى بتقولوا مقاطعة علشان الانتخابات تتزور له، فحاولنا تجاهلهم واستكمال المسيرة، إلا أنهم بدؤوا فى التحرش بأجسادنا ونزع الملصقات عنَّا، ووجدنا أنفسنا محاصرات بهم، من جميع الجهات، وقام أحدهم بتطويق جسدى بذراعيه، وأخذ يتحسسنى، فصرخت وأنا أرى فتيات المسيرة تحدث معهن أمور مشابهة، إلا أن أحدا لم ينقذنى». فى حين رَوَت شيماء كمال، إحدى المشاركات فى المسيرة أيضا، أنهن فوجئن بهجوم الشباب على المسيرة وإحاطتهن، ولم تتبين ما الذى يحدث، لكنها أدركت أنهن سوف يتعرضن للتحرش، وقالت باكية: «وجدت يد أحدهم تمر على جسدى سريعا فحاولت إبعاده، إلا أنه كرر فعلته مرة أخرى، وقال: إحنا هانخليكم تقعدوا فى بيوتكم، وأخذ يعبث بجسدى وخلع عنى حجابى، ولم أستطع منعه حتى جاء أحد الشباب وجذبنى من يدى المتحرش، فأسرعت للاحتماء فى أحد المحلات التجارية». مى الأنصارى التى لم تخجل من ذكر اسمها ل«التحرير»، قالت إن ميدان التحرير كان مزدحما بعض الشىء بعد المحاكمة الشعبية لقتلة النظام البائد، وفوجئت بيد تتحسس جسدى فأمسكت بها وخبطت الولد، كان شكله بلطجيا، وبعد قليل وجدته يتبعنى ويخدش حيائى بكلمات، فرفعت صوتى، فتجمع حولى شباب من الميدان وأمسكوا به، مضيفة «أن التحرش فى الميدان منذ أول يوم خرجنا فيه نندد بالحكم على مبارك والعادلى ورجاله، فكانت هناك عديد من صور التحرش والتى حدثت لى ولزميلاتى فى الميدان بالكلمات واللمس فى ظل التزاحم والمسيرات، ومعظم الشباب الذين يتحرشون بنا شكلهم بلطجية مش ثوار». «س.ن» إحدى البنات اللائى تعرضن لحادثه تحرش، قالت إن حوادث التحرش ليست حوادث عابرة، ولكنها منظمة لبث الرعب فى قلوب الأهالى لمنع نزول بناتهم إلى الميدان ولتشويه صورة الميدان، قائلة «أنا تعرضت للتحرش من عصابة.. فوجئت فى الزحام خلفى بنحو 6 شباب يتحرشون بى بالكلام واللمس، وعندما حاولت الابتعاد عنهم عملوا حولى دائرة وقام آخرون بافتعال مشاجرة، وكأنهم يدافعون عنى وكانوا يبعدون الثوار الذين يحاولون إنقاذى ويتركون من يتحرش بى»، واستكملت باكية «صرخت وقعدت أقول دول تبعهم لحد ما ازدادت حدة المشاجرات الوهمية حولى وبعد نصف ساعة فوجئت بزملاء لى تعرفوا علىّ هم الذين أنقذونى». «م.م» قالت إنها تعرضت للتحرش من مجند شرطة فى ميدان التحرير مساء يوم جمعة «الإصرار» وهى فى طريقها إلى ميدان عبد المنعم رياض، حيث اعترض طريقها، وقال لها «نفسى أتجوزك يا مُزة»، فحاولت تجاهله والاستمرار فى طريقها، ولكنه منعها وأمسك بيديها فقالت له «مش عيب عليك تكون بتحمى الناس وتعمل كده»، قال لها «يا منجاية تعالى أوصلك». فدفعته بقوة بعد أن شتمته واستكملت طريقها إلى ميدان عبد المنعم رياض. ثلاث فتيات ذكرن لنا معاناتهن من تحرش جنود الأمن المركزى بهن فى أثناء غلق شارع قصر العينى، وكيف كن يتجنبن المرور من الشارع حيث يسكن ويتكبدن مشقة استبدال الطريق بآخر أطول بكثير لحماية أنفسهن من التحرش. وكالة «أسوشييتد برس» الأمريكية: محاولة من فلول النظام السابق لكسر إرادة المرأة «غوغاء يهاجمون مسيرة نسوية ضد التحرش الجنسى»، هذا كان عنوان تقرير وكالة «أسوشييتد برس» الأمريكية حول تعرض مسيرة فى ميدان طلعت حرب تطالب بوضع حد للتحرش، وهو ما حدث أيضا فى ميدان التحرير أول من أمس الجمعة. وقالت الوكالة إن مئات من الرجال قاموا مساء أول من أمس، الجمعة، بمهاجمة 50 سيدة كُنّ يقُمن بالاحتجاج ضد التحرش الجنسى فى ميدان التحرير بمصر، لافتة إلى أن المهاجمين تغلبوا على حراسهن الرجال الذين شاركوا فى الاحتجاجات وكانوا يحمون النساء، وقاموا بالتحرش جنسيا بالمتظاهرات. الوكالة الأمريكية نقلت عن إحدى السيدات قولها: «ما حدث كان لإجبارنا على وقف احتجاجاتنا وسحق الديمقراطية التى كنا نحلم بها». ووصف مراسل الوكالة محاولة التهجم على السيدات فى مسيرة طلعت حرب وسقوط إحداهن مغشيا عليها ب«الوحشية»، مؤكدا أنه لولا نجاح آخرين فى حمايتها لكانت فارقت الحياة بسبب الهجوم الضارى الذى تعرضن له، حيث حاول المهاجمون التحرش بهن وخطف الحقائب التى كُنّ يحملنها، وحاول الشباب الذين كانوا يحمون المسيرة الدفاع عنهن بضرب المهاجمين بالأحزمة ولكن عدد المهاجمين كان كبيرا. «هذا التصرف لن يدفعنا أبدا إلى الابتعاد عن الاحتجاجات»، هذا ما قالته مريم عبد الشهيد الطالبة الجامعية، مضيفة أن «فلول النظام السابق كانوا يسعون من ذلك التصرف لإبعادنا عن الحركة الاحتجاجية المصرية، لكنهم بذلك استفزونا، وسنشارك بقوة أكبر.. فهم لن يكسرونا ولن يكسروا إرادتنا». ولفتت الوكالة النظر إلى أن هجوم أحد جنود القوات المسلحة على فتاة فى التحرير وتعريتها، لم يجعل النساء يخشين من النزول إلى الميدان، بل تسبب فى أكبر مظاهرة نسوية غير مسبوقة شارك فيها أكثر من 10 آلاف امرأة. «الجارديان»: وسيلة لإبعاد المرأة المصرية عن التظاهر «محاولة منظمة»، هكذا وصفت صحيفة «الجارديان» البريطانية التحرشات التى حدثت لعدد كبير من النساء فى ميدان التحرير أول من أمس (الجمعة)، التى تبعتها مسيرة احتجاجية فى ميدان طلعت حرب شارك بها المئات من الرجال والنساء للمطالبة بوضع حد لتلك الممارسات، وتعرضت أيضا للتحرش. وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن تلك الممارسات ما هى إلا محاولات لدفع المرأة للابتعاد عن المظاهرات وعدم مشاركتها فى حركة الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية والمنددة بحكم المجلس العسكرى. ونقلت الصحيفة عن الناشطة سالى ذهنى، وواحدة من منظمى المسيرة، قولها إن غضبها ازداد بصورة أكبر بعد ما رأته اليوم. «إنهم يسعون لأن ينفّروا السيدات من ميدان التحرير»، هكذا استمرت «الجارديان» فى وصفها حوادث التحرش، خصوصا بعدما كانت -والقول للصحيفة- المرأة تحتل دورا أساسيا مؤثرا وقياديا فى تلك المظاهرات على مدى الأشهر ال15 الماضية. وأشارت الصحيفة إلى أن مشاهد التحرش تلك تأتى فى خضم مشاهد عديدة تُظهِر عنف الدولة ضد المرأة، والتى ظهرت جلية فى مشهد تجريد جندى من القوات المسلحة لمرأة من ملابسها فى إحدى التظاهرات بميدان التحرير. ثم نقلت الصحيفة عن أحد المشاركين فى التظاهرات يوم الجمعة قوله: «هل تلك هى الشجاعة التى يظهرها النظام القديم فى تعديه على السيدات المشاركات فى المظاهرات؟! إنهم يسعون لكسر إرادة المرأة لأنهم يعلمون أن كسرها هو كسر للثورة». 16 منظمة حقوقية تندد.. واتهامات للأمن بالوقوف وراء الجريمة أعربت 16 منظمة حقوقية عن قلقها جراء وقائع التحرش التى وقعت بميدان التحرير مؤخرا، وندد عدد من نشطاء حقوق الإنسان بخروج الميدان عن أخلاق الثورة، واعتبروا هذا السلوك يعد طعنا فى الثورة. وصفت عايدة سيف الدولة مديرة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، ما حدث بالميدان بأنه جريمة، مؤكدة أنه جريمة منظمة من قبل الأمن. مشيرة إلى أن التحرش جاء مختلفا فهو ليس مثل التحرش العادى الذى يحدث يوميا فى الشارع. وأضافت سيف الدولة أن ما حدث هدفه ترهيب البنات من المشاركة مرة أخرى فى المظاهرات والاحتجاجات. قالت نهاد أبو القمصان مدير المركز المصرى لحقوق المرأة، إن ما حدث بميدان التحرير هو نتيجة لدعوة سريعة انتشرت على الإنترنت، فهى بالطبع غير مدروسة وغير منسقة جيدا، مشيرة إلى أن خريطة الميدان تغيرت فلم تصبح الخريطة الثورية مثلما كانت أيام الثورة، فقد أصبحت الأغلبية فى الميدان للبلطجية والباعة الجائلين، وليس الثوار. وأشارت أبو القمصان فى تصريحات ل«التحرير» إلى أن ما حدث هو أيضا نتيجة لإقصاء المرأة من خلال السياسات الفاشلة التى حكمت على إقصاء المرأة من العمل العام، وعدم التأكيد على حقوقها، مؤكدة أن هذا انعكس على سلوك الشارع. مشيرا إلى أن المليونية مشارك فيها الإخوان الذين يفصلون بين الرجل والمرأة فى المؤتمرات ونوابهم الذين يمثلون بالمرأة بنسبة 6% فى اللجنة التأسيسية للدستور، فهذا طبيعى أن يؤثر فى الكوادر الصغيرة. وأوضحت أبو القمصان أن المركز لم يتلق أى بلاغات أو طلب مساعدات قانونية، بل إن الحالات اكتفت بإبلاغ الإعلام، مضيفة أن المركز كان قد تلقى 6 بلاغات من قبل عن ميدان التحرير. فى نفس السياق، أعربت 16 منظمة و3 أحزاب عن قلقها البالغ من ارتفاع وتيرة التحرش الجنسى والعنف ضد المتظاهرات فى ميدان التحرير والشوارع المحيطة به منذ اندلاع موجة الاحتجاجات الأخيرة فى أعقاب إعلان الحكم فى قضية مبارك يوم السبت الثانى من يونيو. وأكدت المنظمات الموقِّعة، وفى مقدمتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وجمعية «نظرة» النسوية، أن الممارسات المهينة التى يتعرض لها المتظاهرات، والتى تنتهك حرمة أجسادهن وسلامتهن الجسدية، تمثل عائقا يحد من مشاركة النساء فى المجال العام، وفى تشكيل حاضر ومستقبل البلاد وتنفى المتظاهرات خارج دائرة الفعل السياسى. وفى هذا الصدد قالت نهى، إحدى المتظاهرات التى تعرضت لحادثة تحرش جسدى: «لقد كان الميدان مزدحما جدا، وتعرضت لحادثة تحرش جنسى، ولم أستطع تبين المتحرش نظرا للزحام، منذ ذلك اليوم لم أتوجه إلى الميدان مرة أخرى.