الرجل لم يكن مترددا حين قال بعد العشاء: إحنا مقبلين على كارثة. هذا ما حدث ليلة الوقفة وفى عشاء ببيت أحد السفراء الأوروبيين.. عندما فوجئ صديقى بحملة عنيفة على الثورة من الشخص المحترم المسؤول عن إحدى الهيئات المسؤولة عن شؤون التجارة. ما الكارثة التى حذر منها الرجل؟ ببساطة أن مصر بعد الثورة أصبحت طاردة للاستثمار. ودليله القوى: إن سوبر ماركت شهير يفكر فى الرحيل. و شركة أخرى تخصصت فى تسويق الخضراوات والفواكه بالجملة تدرس إنهاء أعمالها. «يا سلاااام...» هذه كانت صيحة ضيوف السفير الأوروبى، بل والسفير نفسه، لأنه من المفروض أن الرجل يعرف أكثر من غيره كيف كانت هذه الشركات تدير أعمالها فى مصر، وأين كانت تذهب حصيلة استثماراتها؟ يعرف الرجل المخضرم فى التجارة أكثر من غيره أن الاستثمار فى عصر مبارك لم يستفد منه إلا الشلة المحيطة بقصر الرئاسة ومن حصلوا على تصاريح بعضوية نادى المليارات. التصريح يسمح لعضو نادى الشطار بجمع الثروة بكل أنواع الحيل التى تميز النشاط الاقتصادى الذى كانت فيه الدولة رخوة والرأسمالية متوحشة. الشطار هم أبناء نظام مبارك وقصصهم هى الحكاية الحقيقية لما حدث فى ال30 سنة، هم اللاعبون الأساسيون، يعيشون فى خير النظام وينقذونه من ورطات سياسية، كونوا ثرواتهم بقربهم من المنطقة الدافئة فى قصر الرئاسة وتحولوا إلى ديناصورات مالية ببركة الرضا السامى، ويلعبون أدوارا لا يُعلَن عنها، لكنها تمنحهم المزيد من الثقة وتزيد فرصهم فى حماية أكبر. المثال القوى هنا محمد نصير الذى تقول تقارير اقتصادية دولية إنه اشترى شركة كوكاكولا سنة 1993 مستفيدا من علاقته الوثيقة بالنظام، ثم باعها بعد ذلك بسنتين بثلاثة أضعاف سعر الشراء، كما استفادت عائلة الزيات من علاقاتها المباشرة مع بعض رموز النظام واحتكرت صناعة المشروبات، وأخيرا نجحت عائلتان فى نهاية التسعينيات فى إقناع الحكومة بأن تحصر مناقصة فى مجال صناعة الأفلام عليهما وعدم السماح لأى منافس آخر بالدخول. التقرير انتهى ولم يتحدث عن دور نصير فى تلميع صورة نظام مبارك أمام المؤسسات الدولية فالرجل الذى اشترى كوكاكولا أعطى انطباعا بأن مبارك يتنازل عن ملكية القطاع العام لرجال من القطاع الخاص. بينما كانت الحقيقة أن مبارك يبيع القطاع العام لمجموعة من «أهل الثقة» وتحت الحماية، وهذا غالبا ينطبق على عائلة الزيات إحدى المحميات المعلنة أيضا. فالمحميات أنواع ودرجات خفية وعلنية، هم غالبا رجال أعمال يضعهم نظام مبارك فى محميات ممنوع الاقتراب منها. ليس كل رجال الأعمال، لكنهم الشطار القادرون على اختراق الأسوار والوصول إلى كبير فى السلطة يمكنه أن يمنح الحماية، كل مركز قوى فى النظام يصنع شلة أصدقاء يحتمون به، وممدوح إسماعيل صاحب العبارة لو تذكرونه خريج إحدى هذه المحميات.. لكنها مجرد محمية صغيرة. هناك محمية صغيرة أخرى عاش فيها رجل أعمال، كانت بدايته مشروع صغير جدا لا يصل إلى المليون، لكنه تعرف على سكرتير الرئيس، مطلع على الأمور الخفية ويعرف مسار القرارات، الموظف عرف فقط معلومة وباعها لرجل الأعمال الصغير معلومة بسيطة و«هى اشتر هذه الأرض لأنها ستدخل قريبا جدا كردون إحدى المدن الجديدة». فى المقابل أصبح الشرط أن يكون الموظف بنسبة مكتوبة باسم زوجته، لكن رجل الأعمال تحول إلى ملياردير، اهتزت البلد حين تعرضت حياته للخطر، لأنه كان يدير ربع أموال البنوك وقتها بعد أن انتقل من حماية الموظف الصغير إلى حماية أكبر وصلت إلى الرئيس نفسه. المحمية الكبيرة تتبع الرئيس مباشرة وربما عائلته. هذه الدائرة الجهنمية استفاد منها فى السنوات الأخيرة مجموعات من السماسرة والموظفين يحصلون على فتات الثروة من الديناصورات، هؤلاء من يدافعون عن عودة دائرة الشطار أو يعتبرون غيابهم خلف القضبان كارثة. يعرف الرجل الذى بشر بالكارثة أن الشركات التى تبحث عن مخرج للرحيل كانت محمية من وزير أو اثنين من سكان مزرعة طرة الآن.. وأنهم كانوا شركاء وعرابين لأكبر عملية نهب فى مصر. وسألت صديقى بعد أن ختم الحكاية: هل قال لكم الرجل المهم أين ستكون الخسارة الكبيرة فى نسبة الديناصورات أم فى الفتات الذى يستفيد به البلد؟!