تحدّث كتاب «فن الحرب»، للقائد العسكرى الصينى (صن تزو)، الذى وضعه منذ أكثر من خمسة قرون قبل الميلاد، عن أن القائد الناجح لا يبادر دوما بالهجوم، باعتباره الوسيلة المثلى لربح المعارك، لأن الهجوم بلا ترو أو دراسة متأنية، لا يجلب سوى الهزيمة. وأوصى قادته بأن يكون قتالهم دوما محدودا وسريعا، حتى لا ينهك جنودهم بلا طائل، بل عليهم أن يعتمدوا على شن ضربات سريعة موجعة، يشتتون بها قوات العدو، ويكبدونه خسائر فادحة، ثم يتراجعون للتحصّن جيّدا، ليشنوا ضربات ثانية وثالثة، بالكيفية نفسها، حتى يرتاح جنودهم، وينهكوا جنود العدو فى الوقت ذاته، مما يضعف من قوتهم وعزيمتهم مع مرور الوقت، وينهكون من التأهب لانتظار الضربة التالية، فيصبح شن الهجوم الشامل عليهم أيسر، وأعظم تأثيرا، وأكثر ربحا، كما أوصاهم بعدم تكرار الخطة الواحدة أكثر من مرة، لأن ما ينجح مرة، قد يكون سببا فى الفشل الذريع فى المرة التالية بعد أن يدركه العدو، ويستعد له، وأن على قادته الاستفادة فقط من نتائج الخطة الأولى، واعتبارها مرشدا معلوماتيا للثانية. أما بالنسبة إلى الحصار، فهو كان لا ينصح به أبدا، خصوصا لو كان المكان المحاصر أكثر قوة، ولديه موارد تكفيه لاحتمال الحصار لفترة طويلة، فعندئذ يكون المحاصر أكثر قوة من محاصريه، وستزداد قوته، لو أنه فى مكان له أسوار عالية، لأن من يحتل المستوى الأعلى، أكثر قدرة على السيطرة على المستوى الأدنى. وفى نفس الوقت، وضع (تزو) فى كتابه ما يمكن اعتباره اللبنة الأولى لعلم التخابر، إذ أوصى بدس العيون والجواسيس فى أرض العدو، قبل شن الهجوم الأساسى لجلب المعلومات، وإطلاق الشائعات، وإحباط الروح المعنوية للجبهة الداخلية، وأوصى بضرورة إثارة الفتنة فى الجبهة الداخلية للعدو، وبث الفرقة بين صفوفه، ودفعه إلى الانشغال بمشكلاته الداخلية، ومحاولات رأب الصدع فى كيانه الأساسى، مما يحقّق نصف الانتصار، قبل حتى أن تحدث المواجهة المباشرة، وأوصى بأن يقوم عيونه وجواسيسه بتخريب منشآت العدو، والعمل على إضعاف اقتصاده، والتشكيك فى قياداته، ليضعف كل هذا من الروح المعنوية لجنوده، فلا تعود مواجهتهم فى ساحة القتال صعبة. وفى نفس الوقت أوصى (تزو) فى كتابه بحسن معاملة الأسرى، والاهتمام بصحتهم وطعامهم، حتى يمكن اجتذابهم لصفوفه فى ما بعد. والقواعد المدهشة فى كتاب «فن الحرب»، لم تكن مجرّد تعاليم نظرية، فقد طبقها (تزو) فعليا على أرض الواقع، ونجح بجيشه النظامى، المكوّن من ثلاثين ألف مقاتل، فى هزيمة جيوش ممالك أخرى، زادت جيوشها على ثلاثمئة ألف مقاتل، وضم عدة ممالك إلى مملكته، التى تحوّلت على يديه إلى إمبراطورية، أصبح هو القائد الأعلى لجيوشها.. وللفن بقية