استيقظت مبكرًا. فى العادة أجد نفسى ممتلئًا بفكرة أريد أن أسكبها على الورق، لكن هذه المرة الفكرة أمامى حاضرة، لكنها لن تكتمل إلا مع مرور الوقت، أحدثكم عن يوم 28، الذى فلقنا الإعلام بالكتابة عنه، بينما كنت أنا أكتب عن «حلاوة روح»، وقرار المحكمة برفض المصادرة، التى كانت بمثابة صفعة لرئيس الوزراء إبراهيم محلب، وبعدها جاء رحيل الصبوحة، الذى احتل مساحة عميقة من مشاعرنا. لم أجد ما يبرر تلك الكثافة المبالغ فيها، وكل هذه التحذيرات للجماهير، وآخرها مانشيت جريدة «الأخبار» (بالرصاص الحى)، وقبلها إعلان عن نزول الجيش بجوار الشرطة للتأمين، ومع كل ذلك هناك دائمًا نصائح لا تتوقف من الأصدقاء بتأجيل كل شىء لما بعد الجمعة، رغم أن السلاح الوحيد لمن يريدون زرع الفوضى فى الحياة أن نمارس جدول حياتنا دون تعديل. قررت ألا فقط أمارس الحياة، لكن أضيف إليها التجوُّل بالسيارة فى الشوارع، ووجدتها شبه خاوية، تذكرنى بمشاهد من الأفلام الأمريكية، التى تأتى عادة بعد حدث صاخب، فلا تجد ناسًا إلا فى القليل، توجَّهت إلى عامل محطة البنزين أسأل: هل عدد السيارات أقل؟ أجابنى: نعم، وربنا يعدِّى اليوم ده على خير، مع الأسف إنه الإعلام الذى أدخل الخوف فى قلوب المصريين. خططت يومى، وهو أن أكتب العمود، وأذهب إلى السينما فى حفل الرابعة لمشاهدة الفيلم المصرى «وردة»، فيلم رعب عُرض قبل أسبوعين أو أكثر، لكنى كنت مشغولًا بأفلام مهرجان القاهرة، وبعدها بانوراما السينما الأوروبية. الفيلم سأشاهده فى السينما حفل الرابعة، ومن الممكن فى التاسعة والنصف، وأن أنهى يومى السينمائى بفيلم من البانوراما «ترتيب اختفاء». ملحوظة اكتشفت أن ماريان ألغت العروض هذا اليوم، بالتأكيد أخطأت ماريان، تمنيت أن أكتب لكم عن اليوم بعد انتهائه، لكن الساعة تقترب من الثانية ظهرًا، وينبغى أن أنهى العمود سريعًا حتى يلحق بموعد النشر، لا أجد شيئًا فى الشارع غير عادى، أتصوّر أنه بعد ساعة أو اثنتين سيبدأ الناس فى مغادرة بيوتهم ليعيشوا يومهم العادى. ما الذى حدث؟ إنه الإعلام والإفراط فى التوجيه، وهو ما استجابت له الدولة بحالة استنفار مبالغ فيها، البعض سيتساءل: ما الذى يغضبنا من زيادة الاحتياطات الأمنية؟ ويغفلون الثمن الاقتصادى والاجتماعى والنفسى بتلك الحالة المبالغ فيها من الترقب، فهى مكلفة جدًّا وعلى كل المستويات. لا أتصوَّر أن اليوم الصعب كان أمس 28 الجمعة، لكنه اليوم السبت 29، يوم صدور الحكم فى محاكمة القرن، الناس تتعامل مع القضاء مثل الملابس «جاهز» أم «تفصيل»، لا يوجد فى القضاء العادل حكم جاهز مسبقًا لحساب السلطة، كما أنه لا يوجد حكم تفصيل يتوافق مع رغبات ومشاعر الناس. النظرة القاصرة تربط بين ثورة 25 يناير ومنطوق الحكم على مبارك، إدانة مبارك تعنى شرعية الثورة وبراءته إدانة للثورة، ومَن يعترفون فقط بثورة 30 يونيو يعتبرون أن البراءة تدين 25 يناير. لا يوجد ارتباط شرطى بين ثورتَى 25 و30 وحكم القضاء، مبارك يمثّل أمام القضاء بسبب مواقف محددة متعلقة بالشروع فى قتل المتظاهرين والفساد، ولا توجد إدانة دون دليل ملموس، كلنا نعلم أن مبارك كان يجهّز جمال، لكى يمنحه مفتاح دكان مصر، وكل أجهزة البلد كانت تشارك فى الإعداد لهذا اليوم المشؤوم، لكن مبارك ينكر بحجة أنه لا توجد وثيقة مكتوبة، والبينة على من ادّعى، القضاء لا يحاكم على النوايا، لكن على الوثيقة.. نعم هو أفسد حياتنا، وكان يضع مصلحة العائلة والمقربين والحاشية قبل الوطن.. فهل يملك القاضى الوثيقة؟.. أنتظر مثلكم الحكم!