سألوها: لو عادت بك الحياة ومن أول السطر هل تكررين الشريط «كلاكيت تانى مرة»؟ فأجابت: نعم، حتى الأخطاء ماعدا شيئًا واحدًا، لن أتزوج مجددًا. قالتها وهى تضحك كأنها تقول لنا: لا تصدقوا سأتزوج منهم جميعًا. تعرضت صباح لكل أصناف الخيانة من أزواجها على تعددهم واختلاف أعمارهم وأديانهم وجنسياتهم، ورغم ذلك قالت «يا ناس يا هوه الحب ليه بتعقدوه.. الحب ليه بتفلسفوه يا ناس يا هوه» وواصلت «حب الدنيا وسيب الدنيا تحب». الصبوحة عنوان جاذب لحب الحياة، تغنى للحياة كما تعيش الحياة، وتدعونا لكى نعيشها ونواجه حتى قسوتها وغدرها بابتسامة. الفنان يحمل رسالة للبشر أجمعين، وصباح أودعها الله هذا السر لتملأ حياتنا بهجة وسعادة، فهى تملك سر الشفرة وكانت تفسرها لنا بأغانيها وأفلامها. عندما جاءت صباح إلى القاهرة منتصف الأربعينيات كان المناخ بكل تفاصيله مهيئًا لكى تستقبل الشاشة تلك الفتاة الجميلة الساحرة خفيفة الظل بصوتها الأخاذ. كانت ليلى مراد قد سبقتها بسنوات قلائل فصارت ليلى هى مثلها الأعلى، ولكنها لم تدخل ولم تسمح لأحد بأن يفتح الباب لأى صراع محتمل بين نجمتين، بينهما فى العمر فقط 8 سنوات، بالطبع تسبقها ليلى فى الميلاد، رغم أن صباح وجدت سينمائيا فى أول مشوارها فى عز وهج ليلى مراد، لكنها أبدًا لم تنافسها، فكلٌّ منهما كانت لديها بصمتها. عندما أنتج كمال الشناوى فيلم «طريق الدموع» للمخرج حلمى حليم الذى يؤدى فيه كمال حياة أنور وجدى طلب من ليلى مراد أن تؤدى دورها فى الحياة، ولكنها اعتذرت وعلى الفور وافقت صباح، وأتصور أنها من فرط عشقها لليلى مراد أرادت أن تتقمص حياتها على هذا الشريط. صباح فى الحياة الغنائية ليست فقط صوتًا مبدعًا، ولكنها صوت ملهم، أغلب أغانى صباح، الناجحة منها تحديدًا هى تلك التى ترى فيها ملامحها، كأن الشاعر والملحن يرسمان صباح بالكلمة والنغمة، فكانت هى المنبع بقدر ما كانت هى أيضًا المصب. مضت الأيام بها مثلما تمضى بنا، وكان للزمن بصمته، أرادت الصبوحة مواصلة العطاء ولم تضع فى الحسبان صورتها الذهنية التى يحرص عليها الفنان حتى لا يخدش ملامح رصيده القديم، صباح أرادت أن تظل على تواصل مع الزمن. ولم أكن سعيدًا بظهورها فى سنواتها الأخيرة، خصوصًا أن الإعلام لم يكن يعنيه إلا البحث فقط عن فقرة ساخنة. تعاملوا معها باعتبارها ورقة جاذبة للجمهور، ليعرف ما الذى تفعله الأيام ويتحسر على قسوة الزمن، لا أنكر أننى انتقدتها، لكن مع قليل من التأمل نكتشف أنها كانت ضحية «ميديا» لا قلبَ لها. الفنان عندما لا يغادر المشهد فى توقيت مناسب يظل يوميا فى حالة ترقب، ينتظر من يطرق الباب ليسأله عن دور أو أغنية أو حوار صحفى، كل هذه التفاصيل تعنى شيئًا واحدًا هو أنه لا يزال على قيد الحياة الفنية، وأتصور أن صباح ظلت حتى اللحظة الأخيرة مدركة أن رسالتها فى الحياة هى زرع البهجة فى القلوب، وهكذا كانت من خلال هذه البرامج تُغنى لإسعاد الناس. ووصيتها الأخيرة أكدت ذلك، فهى أرادت أن يرقص الجميع فى الكنيسة، لا بكاء ولا سواد، ومن الملكوت الأعلى تُكمل رسالتها. يحلو للبعض أن يفتش فى جذور صباح، وعن حقيقة إسلامها ثم عودتها مرة أخرى إلى المسيحية، لا أتصور صباح سوى أنها تحب الله، سواء ذهبت إلى الكنيسة أو الجامع.