دعت ما يسمى الجبهة السلفية إلى انتفاضة «الشباب المسلم» فى 28 نوفمبر الجارى، وفى بياناتها المتتالية لشرح فاعلياتها، قالت إنها «معركة هوية لتأديب العلمانيين»، وإنها «ثورة للهوية لا تبقى ولا تذر، ترفع راية الشريعة لإعادة الحق وتحقيق القصاص»، و«لتحقيق عبودية الناس لله فى الأرض، فتقيم الشرائع كأصل للدساتير وأساس للقوانين».. ماذا تحمل السطور الثلاثة الأخيرة؟ إنها انتفاضة عنيفة لا مجال للسلمية فيها مثلما قال عاصم عبد الماجد وخالد سعيد من قبل، وإنها لا تعترف بتداول السلطة وفق الديمقراطية، بل وفق فهم هذه الجماعات للشريعة التى هى «أصل السياسة»، وهذا الفهم هو جوهر القطبية والتكفير، يفضح السطر الأخير تحديدا ذلك فاعتبر البيان الحراك المنتظر بمثابة إلغاء «عبودية البشر» والبحث عن «عبودية الله»، وهذا بالضبط ما كتبه سيد قطب فى شرحه «الحاكمية» فى كتابه الأخطر «معالم فى الطريق». على الضفة الأخرى يأتى دور جماعة الإخوان، يكشفه أيضًا بيانها المثمن للأحداث المتوقعة نهاية نوفمبر، فتقول سطور بيانها: «موجة جديدة للثورة المصرية المجيدة يحتشد المصريون فى جمعة الثامن والعشرين من نوفمبر تمسُّكا بهويَّتهم وانتصارا لثورتهم السلمية. وإذ يثمِّن الإخوان المسلمون هذه الدعوة حفاظا على هوية الأمة، التى ناضل الشعب المصرى والإخوان جزءٌ منه من أجلها فإن الإخوان المسلمين يؤكدون أن هوية الأمة هى مصدر نهضتها». ثم تضيف: «يؤكد الإخوان المسلمون استمرارهم مع أبناء شعب مصر الحرِّ فى ثورتهم متمسِّكين بهويَّتهم حتى انتزاع كامل حقوقهم، محققين بإذن الله أهداف ثورة 25 يناير من عيشٍ وحريةٍ وعدالةٍ اجتماعيةٍ وكرامةٍ إنسانيةٍ». وبين البيانين (الجبهة السلفية والإخوان) تثار أسئلة، وتظهر تناقضات، فما علاقة يناير ب«الحاكمية»؟ وما سر تحدث الإخوان عن السلمية بينما تقول الجبهة المنادية والمعدة للتظاهرات إن عصر السلمية انتهى؟ وما معنى معركة الهوية؟! وهل ثار الناس على مبارك لأنه عطل الصلاة ورحبوا بمرسى لأنها أعادها؟! تلخص سطور البيانين مأزق الإسلامجية تجاه قضية الحكم، فالهدف المشترك بين الحركات المتعددة هو السلطة سواء كان بديمقراطية المرة الواحدة مثلما انتهج الإخوان قبل أن يلغوها بالإعلان الدستورى، أو بالعنف كما يعترف عبد الماجد وسعيد وتكفيريو منصة رابعة. دور الجماعة هو تجميل التكفير والعنف، ثم تستخدمهما كورقة ضغط، أو كابن غير شرعى تنفق عليه ولا تتبناه فى الوثائق، كان عبد الماجد وفوزى السعيد يحرضان على قتل وتكفير من لم ينضم إلى رابعة، بينما يتحدث محمد سلطان إلى الميديا الأجنبية بأن الموجودين فى «رابعة» جاؤوا من أجل الديمقراطية والصناديق، لا من أجل مرسى. اليوم يقول المغير إن «داعش» هى المستقبل، ويقول عبد الماجد عصر السلمية انتهى، ويقول خالد سعيد إننا سنؤدب العلمانيين والصليبيين، فى خطاب محمل بالتكفير والعنف والطائفية، ثم تبتسم الجماعة وتقول إنها موجة من موجات يناير ضد الاستبداد. تماما مثلما يتحدثون عن الديمقراطية ويبكون على الحكم المدنى ثم يرفعون صور قطب فى بوسترات صفحاتهم الرئيسية، معتبرين إياه داعية الجماعة مع البنا، يمشون فى تظاهرات يقولون إنها سلمية ثم يهتفون: داعش داعش.. أوه أوه.