مجدي العفيفي كثيرا ما تراودنى هذه الومضة ذات الحساسية الفائقة، إذ قال الإمام على، رضى الله عنه، لأحد من الناس إن بطش ربك لشديد.. لكن بطشى أشد من بطش الله؟ فسارع الرجل مندهشا مستفزا.. كيف يا إمام؟ قال لأن فى بطش الله رحمة، أما بطش الإنسان بأخيه الإنسان فلا رحمة فيه ولا هوادة. ترى.. لماذا أصبحنا ضحايانا؟ ما بال البطش بأنفسنا صار العنوان الأكبر لعلاقاتنا ومعاملاتنا؟ وليس الذئب يأكل لحم ذئب/ ويأكل بعضنا بعضا عيانا أين ثقافة التسامح.. الحب.. المحبة.. الحوار.. الرحمة.. الثقة.. السلام؟! ما كل هذه العذابات الضاغطة على صدورنا، حتى أصبحنا كل ساعة فى شأن؟! لماذا فقدنا الإحساس بحيوية الحياة؟ لماذا أصبحنا نبطش بمنظومة القيم وفى غياب القيم يصبح كل شىء مباحا؟ هتك أنفسنا حتى صارت قلوبنا أشد من الحجارة قسوة؟ ونبطش بعقولنا حتى لنستحيى براءتنا؟ هل نريد أن يجرفنا «طوفان» الأنانية فلا يبقى ولا يذر؟ هل نسعى لأن يبتلعنا «حوت» الانشطار فلا يلقينا على يم ولا شاطئ؟ هل نرغب فى أن يمسنا «ضر» الوهن بنصب وعذاب؟ هل نرتضى أن تأكلنا «نار» الفتن فلا تك بردا ولا سلاما؟ إذن أين مصابيح الاستنارة.. أين العلماء.. المصلحون.. المبدعون.. المفكرون..الجامعات.. المنابر.. الأدباء.. الفنانون.. المثقفون.. أين الأزهر.. الكنيسة.. العمامة.. القبعة.. أين نحن؟! ألف أين وأين..؟! اذا كان السؤال نصف الجواب.. فأين النصف الآخر؟ لقد تحاورنا بالسلاح الطائش.. فسالت دماء ودموع، وتحاورنا بالغضب اللفظى.. فانكشفنا واكتشفنا أن لغتنا قديمة بالية، وتحاورنا بالقانون فضاع فى أتون الصراع والصراخ والصداع، وتحاورنا بالاقتصاد.. فكان التهديد والتهويل بالجوع والمخازن خاوية حتى وصل الآن إلى التعبير المرعب «ثورة الجياع». وتحاورنا بالسياسة.. فظهر «الهواة» و«الحواة» أكثر من الذين يتعاملون على أنها فن تحريك الجبال فضيعتنا السياسة.. إلا قليلا! أقول تحاورنا -رغم التحفظات- لأنه فى الزحام لا أحد يسمع أحدا. وفى هذا السياق.. قل لى من فضلك: كم مرة جلست إلى نفسك وتحاسبتما؟ كم مرة ناوشك ضميرك وتجاذبت معه أطراف الحوار؟ كم مرة نظرت إلى وجهك فى المرآة؟ كم مرة نزعت قناعك؟ وكم قطعة من وجهك تفتتت من كثرة التصاق الأقنعة وإلصاقها؟ كم مرة صافحت الإنسانية بداخلك؟ وكم مرة صفعتك هى؟ وكم مرة مارست الحياة الحقيقية فى ضوء المصابيح؟ وكم.. وكم..؟! مشكلتك أنك لا تحب حتى نفسك.. فكيف ستحب غيرك؟ ابدأ بنفسك أولا.. ولو تصالح الواحد منا مع نفسه، لأصلح الله بين الذئب والغنم، حاول ولو قليلا..! مشكلتك أنك تناور.. وتغامر.. وتقامر.. تورى غيرك من طرف اللسان حلاوة وتروغ منه كما يروغ الثعلب.. وتلدغ وتختبئ فى جحر ذاتك.. وإن لم تجد من تلدغه تلدغ نفسك.. وذلك أيضا هو الضلال البعيد. لقد بحثت فيك عن «الإنسان» فوجدته منزويا هناك.. هناك فى صحراء روحك.. فى أحراش نفسك.. يتدلى فى جب النسيان.. يلعق الاغتراب ويلعن الأيام. حاول أن تلملم ذاتك المبعثرة.. وتجمع أشلاءك المتناثرة.. صدقنى أنت لا تحتاج إلى معجزة –كما تقول- فما نحن فى زمن المعجزات!.. اعذرنى ما أنا بالواعظ ولا بالذى يرتدى ثوب الناصح.. فما أثقل النصيحة.. لكن من لم تردعه ذاته، تردعه قوة المجتمع، ومن لم تردعه قوة المجتمع، تردعه قوة السماء، أليس كذلك..؟ أعرف أن صوتى سوط.. وأن كلماتى شظايا.. لكن.. لا بد مما ليس منه بد..!