يمر الشرق الأوسط بفترة من التحولات السريعة المتلاحقة منذ لقاء مسقط الرباعى، الذى ضم وزراء خارجية الولاياتالمتحدةوإيران وسلطنة عمان والاتحاد الأوروبى، فى العاصمة العمانية يومى 9 و10 نوفمبر الحالى. وقد جاء توقيت اللقاء وسط ذروة من النشاط الدبلوماسى الأمريكى حول العالم، فى الأسبوع نفسه، لكنه انصب تحديدا على مسائل تتعلق بإعادة ترتيب الأوضاع فى الشرق الأوسط، استعدادا لجولة المباحثات الأخيرة فى فيينا بين مجموعة «5+1» وإيران التى انتهت مساء الإثنين. وبصرف النظر عن النتيجة التى انتهت إليها المباحثات، التى تحتاج هى الأخرى إلى التحليل والمتابعة، فإن اللقاء الرباعى فى مسقط كان يعكس حقيقة أن إيران أصبحت من وجهة نظر الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى لاعبا رئيسيا فى الشرق الأوسط، سوف يتعين على دول المنطقة، خصوصا دول الخليج، أن تتقبله وأن تتعايش معه. إن انتقال السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران من مرحلة «الاحتواء» إلى مرحلة «الوفاق»، يستتبع طبقا لتوازنات القوى الحالية انتقالا مقابلا للسياسات الخارجية العربية تجاه إيران. وقد أحيطت موضوعات الحوار فى العاصمة العمانيةمسقط بسرية شديدة، وجرى التصريح إعلاميا بما يفيد أنها دارت حول الإعداد لمباحثات فيينا التى انتهت أمس، لكن هذا الإعلان من جانب المشاركين كان يخفى حقيقة أن الولاياتالمتحدة أرادت أن تحصل من إيران على تطمينات لدول الخليج، بشهادة من إحدى دول مجلس التعاون الخليجى، وهى سلطنة عمان، وأن تطلب من سلطنة عمان أن تقوم بدور فى فتح الطريق لتهدئة العلاقات الخليجية مع إيران، وأن تساعد أيضا على إعادة ترتيب المسرح السياسى العربى لقبول دور إيرانى فى المنطقة، من شأنه أن يمنح «مشروعية» لما تقوم به إيران فى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، وأن تتضمن هذه المساعدة كذلك تحسين العلاقات العربية- الإيرانية بشكل عام، وبحث اللقاء إضافة إلى ذلك تعزيز الجهود ضد تنظيم ما يسمى ب«الدولة الإسلامية فى العراق والشام». إن تشكيل الوفد الذى صاحب جون كيرى فى زيارته إلى مسقط ربما يكشف كثيرا عن الموضوعات التى جرى تناولها فى الاجتماع، فقد ضم الوفد الأمريكى السفير وليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأمريكى سابقا، وكان بيرنز قد شغل من قبل مناصب مهمة، فكان مسؤول إدارة الشرق الأوسط فى الخارجية وسفير الولاياتالمتحدة لدى كل من مصر وإسرائيل، كما ضم الوفد الأمريكى أيضا وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية ويندى شيرمان التى تقوم حاليا بدور محورى فى إعداد السياسة الأمريكية تجاه إيران والشرق الأوسط، إلى جانب جاك سوليفان مستشار الوزير جون كيرى، والذى عمل قبل ذلك مستشارا لنائب الرئيس جو بايدن لشؤون الأمن القومى، وأسهم فى تشكيل آراء بايدن بشأن مستقبل العراق. إن طبيعة هذا التكوين للوفد الأمريكى يشى بالكثير عن الموضوعات التى تصدرت مباحثات اللقاء الرباعى. وكان من أبرز التطورات التى وقعت فى المنطقة فى أعقاب اللقاء الرباعى: تقارب خليجى- إيرانى من بوابة مسقط، وتقارب سعودى- عراقى من بوابة زيارة الرئيس العراقى للرياض، وتقارب إسرائيلى- أردنى من بوابة اللقاء الثلاثى بين كيرى والملك عبد الله بن الحسين وبنيامين نتنياهو فى العاصمة الأردنية عمان. كما أعقب اللقاء الرباعى قيام وفد عمانى رسمى بزيارة لليمن بغرض تفعيل المبادرة الخليجية من أجل المصالحة وإعادة البناء السياسى فى ظل حالة من التهدئة بين كل الأطراف. وتعتبر زيارة الرئيس العراقى فؤاد معصوم للرياض من أهم وأبرز التحولات التى وقعت بعد اللقاء الرباعى، حيث عقد لقاءات مهمة مع قيادات سعودية على رأسها الملك عبد الله بن عبد العزيز. وقد أسفرت هذه الزيارة عن بدء صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين، واتخاذ قرار بإعادة فتح السفارة السعودية فى بغداد، والثناء على الدور الذى يقوم به المرجع الشيعى السيد على السيستانى فى العراق، إضافة إلى بحث أوجه التعاون المشترك فى مجالات مكافحة الإرهاب. إن العلاقات السعودية- العراقية والتى كانت قد وصلت خلال الأشهر الأخيرة لحكومة نورى المالكى إلى نقطة شديدة الانحدار، تتحرك منذ تلك الزيارة فى اتجاه جديد. ومن الواضح أن اختيار العاصمة العمانيةمسقط مكانا للقاء الرباعى يعكس الثقة التى توليها الأطراف المشاركة فى القيادة السياسية العمانية وشخص السلطان قابوس (شفاه الله). وتكتسب السياسة الخارجية العمانية، الحذرة بطبيعتها، مصداقية كبيرة لدى الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى ولدى إيران، وهو ما يؤهل مسقط لأن تلعب دورا مهما، ليس فقط فى ما أسميته «دبلوماسية الوساطة العمانية» فى دراسة منشورة فى مجلة «السياسة الدولية» منذ أكثر من عشرين عاما، بل أيضا فى المساهمة فى إعادة بناء النظام الإقليمى فى الشرق الأوسط على قواعد جديدة. إن إيران، شئنا أم أبينا، بقدراتها النووية والسياسية، فرضت نفسها فرضا على تفاعلات الأحداث فى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والسودان، وأخيرا فى اليمن، وهو ما يدعو إلى ضرورة إعادة النظر فى سياسات الدول العربية تجاهها.