فى شارع سليمان الحلبى المتفرع من شارع عماد الدين، الذى اشتهر بعالم المسرح والطرب فى الأربعينيات، تجد المقهى المعروف فى الوسط السينمائى ب«قهوة بعرة». هذا المقهى هو ملتقى ما يُسمى بالصف الثانى فى عالم السينما، يشمل مديرى الإنتاج ومساعدى الإخراج والكومبارس، فالمقهى اكتسب أهميته بسبب موقعه القريب من مكاتب وكلاء الفنانين، التى فى الواقع تنظم حشود الكومبارس التى تستعين بها الأفلام والمسلسلات التليفزيونية. نجد أيضًا أنه كان معظم مكاتب الإنتاج والتوزيع يقع فى منطقة عماد الدين ووسط البلد. فسر البعض ذلك لارتباط السينما أصلًا بالمسرح والموسيقى، وكذلك قُرب المنطقة من محطة القطار مناسب لشحن الأفلام إلى المدن الأخرى والأقاليم. اليوم وقد سيطر الديجيتال على صناعة السينما، وعلب الأفلام تحولت بقدرة قادر إلى شرائط ديجيتال ترسل بالبريد أو فضائيا عبر الإنترنت، وتفرقت مواقع شركات الإنتاج وحتى بعض مكاتب وكلاء الفنانين، ومع ذلك تظل «قهوة بعرة» نقطة انطلاق أى فيلم جديد، مركز تجمع للعاملين بالفيلم قبل نقلهم إلى مواقع التصوير. ليس من الغريب أن تكون قهوة بعرة بمثابة بورصة السينما، تخرج منها أخبار السينما وحالها الاقتصادية، من استأنف تصوير فيلم أو يُحضر لتصوير فيلم أو حتى يخطط لفيلم. فى «قهوة بعرة» تحصل على معلومات فورية لإيرادات الأفلام قبل حتى أن تصل إلى شركات الإنتاج، وتقارير تقييم أى مخرج جديد يخرج أول أفلامه، والأهم أحوال شركات الإنتاج المالية، وأخيرًا فضائح الممثلين. من بين الهمسات والمشاريب ودخان الشيَش ورنين زهر وأقشاط الطاولة نستنتج أحوال السينما. صدق أو لا تصدق هناك شخص (كان يعمل أحيانا كومبارس) له الفضل فى إنقاذ كثير من الأفلام التى كانت مُهددة بالتوقف بسبب ضيق مالى، يقرضها ما تحتاج إليه لتدور العجلة مرة أخرى، فكان مثل البنك المتنقل، ولكنه لا يطمع فى أى أرباح. «قهوة بعرة» لا تنسَ الزبون الذى حالفه الحظ ليصبح نجما، فمثل قهوة بعرة فى القاهرة كان هناك «قهوة الملك» فى الإسكندرية وحتى فى بيروت أتذكر فى الستينيات قهوة فى ميدان البرج، كانت مركز تجمع الفنانين والفنيين، لذلك لا يدهشنى بتاتًا أن يكون فى كل بلد ينتج سينما «قهوة بعرة».