فى إحدى إشارات مرور حى الزمالك، جاء الضابط يسأل دون سبب عن الرُّخص فأعطيتها إليه، فوجدته يسحب رخصة السيارة لا القيادة، ويكتب وصلًا مدعيًا أننى كسرت الإشارة، فى حين أنه يوجد سيارة من خلفى وأخرى من أمامى، وأننى أسوق بلا رخصة قيادة رغم وجودها فى يدى أمام عينيه. حاولت أن أفهم أى سبب مقنع لسحب الرخصة، فلم أجد إلا تطاولًا ثم تجاهلًا. ذهبت بعدها إلى المرور متوكلًا على الله وعلى الإجراءات الحكومية بلا أى واسطة، عاقدًا العزم على عدم دفع أى رشاوى، مخالفًا بذلك تقاليد مصرية راسخة فى بعض المصالح الحكومية. فى أروقة مبنى المرور، وجدت نفسى مضطرًّا إلى الذهاب إلى تسعة مكاتب، بحيث تتكوَّن دورة استعادة الرخصة على الآتى: التأكد من وجودها، ثم ملء استمارة بيانات، ثم تصويرها، ثم توثيقها، ثم معرفة غرامة مخالفة سحب الرخصة، ثم دفع الغرامة، ثم معرفة المخالفات الأخرى، ثم دفعها، ثم الحصول على الرخصة إن لم تنتهِ مواعيد العمل الرسمية. ولا يوجد مَن يرشدك أبدًا عن تسلسل تلك الخطوات، اللهم إلا لو تجرَّأت فسألت أحد الموظفين فصرخ فى وجهك صراخًا غير مفهوم. وجدت قصصًا فى المرور عن رجل مسافر، ورغم ذلك عليه غرامة السير عكسى، وآخر عليه مخالفة سير عكسى، وانتظار فى مكان ممنوع. هل كان يسوق وهو ينتظر فى نفس الوقت؟! لا أعرف. وجدت مَن يتظلَّم من مخالفة لم يرتكبها فتكون الإجابة هى المعارضة فى القضاء والانتظار ثلاثة أشهر لعرض الحالة على المحكمة. وجدت مظالم وأموالًا كثيرة تُدفع من جيوب عائلات متوسطة الدخل، بسبب عدم كفاءة فى نظام إدارة المرور. لا أروى هذه القصة لمشاركة القرَّاء همومى الشخصية، بل للتفكير فى كيفية مواجهة بعض التحديات المالية والوقتية التى تواجه المواطنين عند تعاملهم مع الجهاز الإدارى للدولة. أولًا، علينا أن ندرك أن الفساد الصغير من خلال الرشاوى المعروفة مجتمعيًّا بالإكراميات، لا يختلف عن الفساد الكبير من حيث تأثيره السلبى على الاقتصاد. ثانيًا، تعقيد الإجراءات وعدم الشفافية فيها يعزِّز من الممارسات الفاسدة. ثالثًا، عدم وجود نظام للمراقبة والمحاسبة يعطى بعض الضباط وأمناء الشرطة القدرة على ظلم وتكدير بعض المواطنين بمخالفات لا يمكن ردّها إلا عن طريق محاكمات طويلة الأجل. وأخيرًا، حل أزمة المرور لا يكون فقط من خلال زيادة سعر المخالفة، لأن النتيجة فى الأغلب تكون زيادة غير مباشرة فى سعر الرشوة، فأزمة المرور تحتاج فى حلِّها إلى رؤية شاملة لتطوير الطرق والمواصلات، بالإضافة إلى التفعيل الكفء للقانون من خلال مراقبة ومحاسبة القائمين عليه، وكذلك تنمية الجهاز الإدارى للمرور من خلال تبسيط وتوضيح الإجراءات وتهيئة الموظفين العموميين نفسيًّا للتعامل مع المواطنين. أطرح تلك الأزمة لأن حلَّها سيساعد مما لا شك فيه على رد الكثير من المظالم فى البلد وتقليل حدة الغضب من أداء الحكومة.