كثيرة هى التصريحات والأحاديث التى تعبر عن مخاوف حقيقية على مسار التطور الديمقراطى فى مصر، هناك من يقول بذلك كنوع من الحرب على النظام القائم، على أساس أنه نظام عسكرى سوف يعيد إنتاج نظام ما بعد 1952، وهذه الفئة لا نتوقف كثيرًا أمام ما تقول، لأنها تعمل على تشويه نظام 30 يونيو. لكن هناك من يطرح مخاوف حقيقية تتعلق بتصدى غالبية وسائل الإعلام المصرية، وتحديدًا الفضائيات الخاصة لأى صوت يوجه نوعًا من النقد للنظام القائم، أو يعبر عن مخاوف حقيقية. سيادة الصوت الواحد واللون الواحد، ويظهر هنا دور «فلول الوطنى» من رجال أعمال وإعلاميين يسعون لانتقام من 25 يناير، التى يعتبرونها مؤامرة أو على الأقل المسؤول عن إسقاط نظام مبارك. ما يستحق التوقف هنا هو امتداد المخاوف لشخصيات وطنية مؤيدة لثورة الثلاثين من يونيو، بدأت فى التعبير عن مخاوفها من انحراف عملية التحول الديمقراطى، ومن أن يصبح النظام للون الواحد والصوت الواحد، وهى مخاوف مبررة من الناحية المبدئية، لكنها لا تأخذ فى الاعتبار الواقع المعقد الذى تعيشه مصر داخليا وخارجيا، لا تأخذ فى الاعتبار أن الدولة المصرية قبل الثلاثين من يونيو كانت على شفا الانهيار، وأن الجماعة والتنظيم الدولى والجماعات الإرهابية تشن حربًا بلا هوادة على الدولة المصرية، لا تأخذ فى الاعتبار المخاطر المحدقة بمصر من الشمال الشرقى، والغرب والجنوب، لا تأخذ فى الاعتبار مؤامرات تركيا والتمويل القطرى والدعم الأمريكى لهذا المحور المعادى لمصر. لكل ذلك أحسب أن المخاوف التى يطرحها البعض حول مآل التحول الديمقراطى فى مصر هى مخاوف مبالغ فيها من ناحية، وتحمل النظام القائم المسؤولية عن هذه العملية فى حين أن المسؤولية مشتركة مع الأحزاب المدنية القائمة، فبعض هذه الأحزاب يطالب النظام بتأجيل الانتخابات البرلمانية تحت دعوى الاستعداد لهذه الانتخابات، وبعضها الآخر يصارع من أجل الفوز بحصة أكبر من المقاعد المخصصة للقوائم، وفى إطار الصراع والمناورة يجرى الحديث عن عشرات الائتلافات الانتخابية التى تنتهى إلى لا شىء. فى تقديرى أن أكبر ضمانة لمسيرة التطور الديمقراطى فى مصر هو ارتقاء الأحزاب المدنية إلى مستوى المسؤولية والتحديات، ومن ثم التنسيق فى ما بينها، أو على الأقل التنسيق بين الأحزاب القريبة فكريا وأيديولوجيا حتى تجرى الانتخابات خلال شهر يناير القادم، ويكون لدينا برلمان قوى يعمل على تكريس عملية التحول الديمقراطى فى مصر، فالبرلمان يتمتع بصلاحيات كبيرة، فهو الذى سوف يشكل الحكومة، ويبدأ بمراجعة كل القرارات التى أصدرها الرئيس، كما أنه سيتولى مراقبة أداء السلطة التنفيذية. باختصار انتخاب برلمان قوى تستحوذ فيه الأحزاب المدنية على غالبية مريحة هو الضمان الحقيقى لمسيرة التحول الديمقراطى فى مصر، وهى مسؤولية الأحزاب المدنية الموجودة على الساحة اليوم. لذلك أحسب أن المسؤولية الوطنية لهذه الأحزاب تقتضى التوافق حول قائمة الدكتور كمال الجنزورى، بعيدًا عن المحاصصة الحزبية والتنسيق حول المقاعد الفردية التى تمثل أربعة أخماس مقاعد البرلمان.