سنحكى عن الشاذلى «كمال» بعض من التسلية فى أثناء متابعة الجنزورى (كمال) وهو يبنى قائمته الموحدة للاتحاد الاشتراكى (أو مجلس النواب.. لا فرق). الشاذلى كما حكيت من قبل هو الباشا الصاعد بقوة وظيفته البيروقراطية، والإقطاعى بلا أصول إقطاعية، والوزير الدائم، والزعيم الأبدى، والشخصية فوق التاريخية فى مدينته. التصميم الأساسى للنظام السياسى يعتمد على الشاذلى بدرجة لا يمكن تخيلها. يحمى نفسه بملفات جاهزة للجميع. ويدير النواب بمنطق القطيع، يشد ويرخى. عارف بخبايا ودهاليز كل موقع فى مصر. لديه خريطة الأنصار ومناطق الضعف. ورغم أنها قديمة فإنها الوحيدة على العموم. كمال الشاذلى علامة من علامات عصر مبارك، كان رمزًا لقوة النظام وهو فى كامل صحته، وجبروته، مصارع مرعب فى حلبة البرلمان، يوقف المعارضين عند حدودهم فى استعراضات مذاعة على الهواء، وعندما ظهرت صورته بعد العودة من رحلة علاج، وإعلانه عن الترشح فى انتخابات 2010، ليكسر الرقم القياسى الذى أدخله موسوعة جينيس، أقام تحت قبة البرلمان 46 عامًا، ورغم غيابه وانصهار جسده تحت ضربات السرطان، فإنه حتى اللحظة الأخيرة ظل متمسكًا بمقعده رغم أن جسده راح منه، وبقى منه إشارة أو ظل، أو شبح يشير إلى قوة غابرة. صورة الشاذلى الأخيرة كانت هى صورة النظام فى لحظاته الأخيرة/ هزال/ وعدم قدرة على إدراك ما تعنيه الشيخوخة/ وما يستوجبه تجديد شباب الدولة. هو عابر للعصور. فى خدمة السلطة ما دامت سلطة. ولاء على الطريقة الريفية. تابع وليس سياسيا. بارع فى تكوين جيوش الموالين والمرتزقة وفق عقيدة الإيمان برأس النظام وحكمته.. وأنه القادر على تحقيق المصلحة. كان يعرف خريطة السيطرة على الأرض.. عندما كان مسؤول التنظيم فى الحزب الحاكم، يعرف تفاصيل «قيادات الشارع»، ومفاتيح الوصول إلى المقاعد البرلمانية، خريطة سرية، جعلته كاهن البرلمان وحامل أختام الوصول إليه، لم يصل أحد إلى البرلمان، طوال سيطرته على موقعه، إلا ومرّ من بوابته، عبر صفقة أو اتفاق شفهى، أو ملف مستمسكات يخرج فى الوقت اللازم. قال الشاذلى عندما أبعد من الوزارة إن الرئيس رأى أنه يحتاج إليه فى المجالس القومية المتخصصة، وهذا يعنى أنه يريد أن يُحدث بها تطويرًا. «أنا تحت أمر الرئيس»، هكذا قال الشاذلى ليبرهن على أنه المنتمى بإخلاص إلى نظام يعتمد على ثقافة التبعية الريفية للجالس على المقعد. كتب كمال الشاذلى عن نفسه يوم 6 مارس 1964. كان وقتها فى أول أيامه بمجلس الأمة (الاسم القديم لمجلس الشعب). وفى استمارة تعريف تضعها صحيفة «الأهرام» فى صدر ملف يضم الأرشيف الصحافى الخاص بها.. كتب كمال الشاذلى أنه مولود فى 16 فبراير 1934. محل الميلاد: الباجور. رقم تليفونه وقتها كان يحمل رقم 65. ورغم أنه متخرج فقط منذ 7 سنوات فى كلية حقوق القاهرة فإنه كان يشغل منصب مدير مكتب القوى العاملة فى منوف، وقبلها كان مفتشًا أول عمل بمنوف.. بل إنه كان أيضًا رئيس المكتب التنفيذى لنادى الباجور الرياضى. النكتة طبعًا أنه كان يهوى الكرة الطائرة. لكن اللافت هو إجابة كمال الشاذلى على سؤال: ما أهم المشروعات والقوانين التى ترى ضرورة المطالبة بها فى مجلس الأمة؟ قال كلمات من الرائجة أيامها، ومن بينها: «تطبيق مبادئ الميثاق الوطنى الذى هو دستور العمل الثورى لنحقق أهداف الشعب فى الاشتراكية والحرية والوحدة». بالطبع تحدث كمال الشاذلى بنفس الحماس عن فكرة السوق الحرة.. بل إنه غيّر بدلة السفارى الشهيرة فى أوساط أعضاء الاتحاد الاشتراكى.. وأصبحت صوره الشهيرة أقرب إلى أغنياء الانفتاح بالكروش المنفوخة وملامح الثروات المفاجئة. كمال الشاذلى باختصار «مثقف عضوى» لكن بكتالوج لم يعرفه جرامشى. وليس أكثر دلالة على ركاكة الطبقة التى تسعى لاسترداد جد الدولة.. من حنينها إلى الساطع فى سماوات «الدولتين» كمال الشاذلى.