هذا هو السؤال الصعب.. إن كنت لم تطرحه على نفسك بهذا الوضوح فتلك مصيبة، وإذا كنت طرحته دون أن تمتلك إجابة فتلك مصيبة أكبر. المسألة لها علاقة بالرؤية، حتى ولو على المدى الطويل، تعرف أن كل شىء يدار فى هذا البلد دون رؤية، دون استراتيجية تعرف بها أو تطمئن على الأقل أن الربان يعرف ماذا يريد؟ وإلى أين يمضى؟ وأين هى تحديدا محطة الوصول؟ فى تحقيقات النيابة اتهمت السلطات د.محمد على بشر بالانتماء إلى جماعة إرهابية مناهضة للدستور، هذا اكتشاف مذهل للرجل الذى ظل يتفاوض باسم الجماعة طوال العامين الماضيين. الدولة إذن تعتبر الإخوان والمتعاطفين معهم والمحسوبين عليهم كلهم ملة واحدة، لا فارق بين من أغلق عليه بابه أو خطا خطوات للخلف بحثًا عن حل سياسى، ومن دخل الصراع متظاهرًا ومحرضًا وداعمًا العنف، ومتقدمًا خطوات كثيرة فى طريق استمرار المواجهة من دعم العنف، وحتى الهتاف باسم «داعش» ورفع أعلامها فى شوارع القاهرة. حسنًا.. لنقل إذن إن الدولة لديها رؤية، كل ما له علاقة بالإخوان فى سلة واحدة، حتى أولئك القابعين على يسار الجماعة، من مجموعة «أبو الفتوح» مثلا ومن على مناهجهم. ماذا نريد من هذه السلة إذن؟ وكيف سنحقق ما نريد؟ هل هذه الرؤية لها هدف استئصالى، بمعنى أن الجملة التى أعلن عنها الرئيس خلال حملته الرئاسية، حين قال لن يكون هناك إخوان فى عهدى، تعنى استئصال كل هذه المجموعات تمامًا، وتحويلها إلى أسطورة تاريخية. إذا كان الهدف هو الاستئصال، هل يعنى ذلك أن مزيدا من السجون ستفتح لمزيد من هؤلاء؟ هل ستعالج السجون الأزمة، أم ستفرض عزلًا لهؤلاء عن المجتمع لوقت محدد فحسب؟ هل هذه الرؤية إن كانت موجودة تخص الإخوان فحسب، أم الاسلام السياسى ككل؟ الرئيس السيسى قال لقناة «فرانس 24»، إنه لا يجد فارقًا بين «داعش» و«حماس» و«القاعدة» و«الإخوان»، ماذا عن السلفيين هل هم محسوبون فى هذه الرؤية فى إطار الإسلام السياسى أم فى إطار آخر؟ هل تجد الدولة فى رؤيتها المفترضة أنها يمكن أن تقبل أحزابًا بمرجعية إسلامية بعيدة عن عباءة الإخوان؟ هل يمكن مثلا أن تكون هناك رؤية قائمة على كبح الإخوان بإجراءات أمنية عنيفة، ومحاولة دعم نماذج إسلامية لديها المرونة الكافية للتوافق مع الدستور؟ بهدف خلق نموذج إسلامى ديمقراطى، مثل ذلك الذى كان يبشر به خبراء الحركات الإسلامية فى حديثهم عن ضرورة دمج الجماعات الإسلامية فى العملية السياسية خلال عهد مبارك. هل كان الرئيس السيسى وهو يقول: «لن يكون هناك إخوان فى عهدى» يعنى أنه لن يسمح بوجود كيانات شرعية لتنظيم عمل الإخوان فى العملية السياسية، وأنه قد يعود تدريجيا إلى صيغة «الحظر القانونى مع الحركة تحت عين الأمن»، التى كانت سائدة فى عهد مبارك؟ هل كان يعنى الرئيس بجملته أنه ولمدة محددة سيضع الإخوان فى السجون وسيحاصر نشاطهم تمامًا حتى ينتهى عهده؟ بمعنى أن الإجراءات الأمنية ستستمر لسبع سنوات أخرى على الأكثر، مستلهما نموذج عبد الناصر فترة الستينيات، وهو ما يعنى أن لغم الإخوان سيعود إلى الانفجار فى المجتمع بعد نهاية عهد السيسى، دون أن يكون المجتمع قد وجد حلًّا سياسيًّا وفكريًّا وثقافيًّا لهذه المعضلة المستعصية على الحل، وهذه الحاضنة الفكرية الكبيرة التى تخدم الإرهاب بتراثها وأفكارها، وتخدم النماذج السياسية الحداثية بأفكار منظريها الحداثيين «الغنوشى نموذجًا»؟ هل يمكن بناء رؤية على تطهير الجماعة من تراثها القطبى ومعتنقيه، ودعم تسليمها لجيل جديد من الديمقراطيين القادرين على التمييز بين الدينى والسياسى؟ وما الذى يجب على الإخوانى غير المتورط فى جرائم أن يفعله ليعود إلى المجتمع؟ كل هذه أسئلة بلا إجابات، وأفكار لا أدعمها بالضرورة، لكنى أرجو أن يكون لدى الدولة ما تدعمه منها، أو أى رؤية أخرى، حتى لو كانت هذه الرؤية أننا سنظل نسجن الإخوان إلى الأبد وفقط، دون حلول سياسية ولا مواجهات فكرية، ليس يهم إن كنت متفقًا أو متحفظًا على ذلك، المهم أن تثق بأن الدولة تعرف ماذا تريد من الإخوان؟ وإلى أين تسير بنا فى هذا الملف؟