وجدوا «كمال». بعد أن افتقدوا «كمال». كمال الأول قادم إلى عالم الانتخابات بروح كاهن الكهان، بينما كمال الثانى رحل عن الدنيا والمعبد الذى خدمه طوال الوقت ينهار. كمال الأول جنزورى/ قادم من أروقة الدولة الشمولية/ حيث الكل فى واحد/ والدولة سيدة البلاد والشعب قطيعها الحبوب الطيب. كمال الثانى شاذلى أيضًا، خادم المعبد الصاعد من أسفل ليحمل مفاتيحه كلها/ لا يهتم بكون الدولة شمولية أو ديمقراطية/ المهم السيد فى الأعالى يستقر ويسعد بتمكنه من الكرسى. كمال الأول لا يقدر على ما يفعله الثانى، تركيبته النفسية تمنعه فهو ابن الموديل الواحد/ الذى يمكن أن يتسع قليلًا ليعيش فى فترة الانفتاح الاقتصادى/ لكن لأن الانفتاح لم يكن نظامًا مكتملًا، بل بوابات جديدة تفتح أمام عصابة جديدة ولا بد للسيطرة عليها بفرق الكهان القدامى استمر الجنزورى كمال ممثلًا لعصر الضبط والربط وفى موقع (التخطيط). بينما الشاذلى كمال يسير مع التيار وتتلون بدلاته حسب الموسم السياسى، ويقرأ قبل أن يخرج من بيته تفاصيل الطقس الرئاسى، ولهذا تفتقده المجموعة الحاكمة الآن، وهو يرتدى بدلة فصلت خصيصًا لبرلمان ما بعد الثورات. الأول حائر عاد بخطاب عاطفى من تراث سنينه الأولى فى الأروقة الكهنوتية فقال إنه «لبى نداء الوطن وكان يتمنى أن يلعب مع أحفاده»، قال ذلك ولا يدرك كم من السخرية نالها/ ولا أن هذا لا يتناسب مع رغبته فى العودة إلى الاتحاد الاشتراكى والقائمة الموحدة التى تجمع فى سلتها كل الأطياف من فلول مبارك (أحزاب كرتونية) إلى فلول الإخوان (السلفيين) مع تطعيم اضطرارى بوجوه من الثورة.. قائمة موحدة تمثل (الوطن) كما يراه الكمال (جنزورى). ولأن الوطن لم يعد برومانتيكيته الستينية وعقله المنضبط على أضابير البيروقراطية، ليس الوطن كما هو، فى الواقع فوجئ العائد من اللعب مع الأحفاد بمطالبة الكرتونيات التى أسهم عندما كان رئيس حكومة مبارك فى ترسيخ وجودها، تطالب بحصص، قال مساعدوه «إنها مبالغ فيها». وهنا تبزغ مواهب الكمال (شاذلى) فى التأمل مع الأضابير على أنها «مستمسكات» على من يفكر فى الخروج عن حجمه. وربما لا يعلم الجنزورى (كمال الأول) الذى يخرج من بيته بروح (منقذ الوطن) أنه حتى أقرب المقربين إليه يفتقد الشاذلى (كمال الثانى) ناهيك بمن يرون فى عودته (انتصار الماضى)، بمعنى عقلى أو فكرى وليس بمنطق العمر. يريدون كمال.. وهو كمال آخر تمامًا. فالشاذلى حلم الدولتيين، والشباب منهم بالذات يتحسرون على موته قبل أن يمنحهم فرصة ومكانًا فى طبقة الحكم. يسمعون حكايات العواجيز أبناء الطبقة السياسية التى سقطت فى 25 يناير وربما قبلها.. ويمصمصون الشفاه. يسمعونهم وهم يرددون فى حسرة: «لو كان موجودًا ما قامت الثورة». يحكى المخضرم من طبقات ساقطة بخطاب جازم فى جلسة أمام شباب يهزون رؤوسهم.. هم أبناء طبقات استعدوا للقفز إلى وراثة الأدوار فى السلطة واحتكار الثروات.. وقبل أن تمد سيقانهم فى جسد الدولة، حدث الزلزال فى يناير وتفكك الجسد العجوز/ الهزيل للطبقة القديمة وظلت سيقانهم مرفوعة فى الهواء يبحثون عن عكازات يستعيدون بها التوازن. العجوز الذى لا تنقصه فتنة الحكى/ ولا تزال تجذبه شهوة المتع التى حصل عليها بالقرب من السلطة يمنح حكمته لشباب مفتون بماضى الدولة، ولهذا يفتقد أثرياء الدولة نجما لامعًا مثل الشاذلى (كمال). وسأحكى بالتأكيد عن هذا الحنين إلى كمال الثانى. وغالبًا لن يسمع كمال الأول.