التطبيع، يعنى لغويا، إقامة علاقات «طبيعية!» بمعنى «تراعينى قراط، أراعيك قراطين»، والعكس صحيح، ففى حال إهانتى، أو إيذائى، فما بالك باغتصاب أرضى وانتهاك مقدساتى، هنا، يستحيل أن لا يكون رد الفعل «الطبيعى»، أن أكرهك وأدين أفعالك وأعتبرك خارج نطاق الإنسانية، وأضعف الإيمان، أن أرفضك تمامًا.. لكن بعد اتفاقية الصلح المنفرد الذى عقده الرئيس الأسبق أنور السادات مع إسرائيل، انبرى المؤيدون له، فى مصر وأمريكا وإسرائيل بالترويج لمقولة يكذبها الواقع يوميا، أن النزاع الإسرائيلى العربى قد انتهى! وعفا الله عما سلف، حتى لو كان الملايين من العرب، خصوصا الفلسطينيين قد شردتهم إسرائيل.. ولا تزال تشردهم بأقصى ما يمكنها.. وقد شهدت السنوات التى تلت الصلح المنفرد بين القاهرة وتل أبيب، تصعيدًا مفزعًا من جانب إسرائيل التى أسفرت، وساندها الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى ذلك، عن وجه طائفى، عنصرى بغيض وشديد العدوانية، فتمادت فى انتهاك وتدنيس المقدسات العربية وعلى رأسها المسجد الأقصى.. واعتبر بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، أن الدموع الفلسطينية جريمة «إرهابية!» كبرى، إذ كان علينا، أن نقيم الاحتفالات ابتهاجًا بكل ما تقترفه إسرائيل، وأى رد فعل «طبيعى» غاضب، مجرد الغضب، يصنفه أقطاب الإدارة الأمريكية بأنه «إرهاب» وآخر التطورات، العملية التى استهدفت عددا من المستوطنين اليهود كرد فعل على فيلم مستوطنين يهود بشنق شاب فلسطينى.. الغريب، أن «الإدانات» التى تدفقت بغزارة من واشنطن وتل أبيب وعدد من الدول الغربية لم نحظ، بحرف منها، وإسرائيل ترتكب المجزرة تلو الأخرى، أيا كان عدد الضحايا العرب.. لا أحد من هؤلاء يفصح عن شعوره «الطبيعى» إذا ما تعرض هو، لما نتعرض له على أيدى إسرائيل.. بل تزداد مطالباتهم «بالتطبيع»، وكأننا لسنا بشرًا، علينا أن نزغرد وقنابل إسرائيل وصواريخها تنهال فوق رؤسنا وتبعثر أجسادنا أشلاء.. وكما لم أفهم أبدا، مبررات وتنظيرات، الداعين إلى التطبيع مع إسرائيل وكأنها دولة عادية، بل و«مسالمة» أعترف بعجزى عن فهم الداعين إلى «المصالحة!» مع جماعة الإخوان، التى بات واضحا أنها الجماعة الأم لبقية التنظيمات الإرهابية التى تسعى إلى تفكيك دولتنا، وهى ترفع الشعارات «الدينية» وتذبحنا، باسم الله! ماذا يقول هؤلاء للشعب المصرى، لأم الجندى أو الضابط، الذى يقتله الإخوان بأبشع الأساليب، وهم يهللون ويكبرون، كلما قتلوا منا، نحن المصريين، ما استطاعوا قتله، وتمادوا فى عدوانهم، باستهداف منشآتنا وبتخريب كل ما تطاله أيديهم وقنابلهم التى يزرعونها، بخسة ووحشية، فى المترو والأوتوبيس، وفى الطريق العام أو فى المدارس التى لم ينجُ أطفالها من شرورهم.. ناهيك باستحداثهم «سلاح دمار شامل» فى حربهم علينا، لم يسبق أن لجأ إليه، على مرّ التاريخ، حتى أعتى أعدائنا، وهو سلاح «التكفير»، أشد أسلحة الفاشية فتكا! المصالحة تستوجب، على الأقل، وجود قواسم مشتركة بين أطرافها.. فما هى تلك القواسم التى يراها دعاة المصالحة مع الإخوان وتلك التى يراها عرابو التطبيع بيننا وبين وإسرائيل.